أثر الفراشة لا يرى لكن لا يزول.. كيف تؤدي التغييرات الصغيرة إلى أزمات عالمية؟

تم النشر: 2020/12/18 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/18 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
الفراشة الزرقاء/ أرشيف

هل يمكن لتغيير بسيط أن يتسبب في نتيجة كبيرة؟ الإجابة هي نعم.
إن كانت الفراشة قادرة على أن تُحدث إعصاراً في مكان ما، فإن اختيارات الإنسان هي ما يحدد مستقبله، حتى وإن كان اختياراً يبدو عديم التأثير، فالأمر أكثر تعقيداً مما يبدو، لأن العوامل المحيطة والقرارات والأفعال تتفاعل لتؤثر في الحياة.

من الحتمية إلى الفوضى

في وقت ما استطاع الإنسان أن يشعر بالسيطرة على هذا العالم من خلال وصوله إلى استنتاج أن العالم خاضع لقوانين ثابتة تؤثر فيه بشكل تام. وأن قدرته على فهم هذه القوانين والحفاظ على ثباتها هي أحد أهم العوامل التي تضمن له السيطرة على عالمه بشكل مباشر. إذ إن هذه القوانين الثابتة ضمنت إلى حد كبير قدرة الإنسان على توقع المستقبل، فإذا كان الحاضر هو نتيجة معطيات محددة حدثت في الماضي فإن تكرار نفس الأحداث بنفس الظروف المحيطة بها سيقودنا إلى نفس الحاضر الذي نعيشه وبنفس الكيفية يمكن للإنسان أن يتوقع مستقبله ويراه بمنتهى الوضوح كما لو كان يُعرض على شاشة تلفزيونية، وهذا ما يعرف بنظرية الحتمية. تلك النظرية التي سبقت اكتشاف الإنسان لنظرية الفوضى، والتي تنص على النقيض تماماً وهو أن التغييرات المبدئية في أي مسار يمكن أن تقود إلى تغييرات كبيرة لا يمكن توقعها مهما كانت التغييرات الأولى صغيرة وغير مؤثرة في نظر الإنسان، لأن التغير البسيط يؤدي إلى احتمالات مختلفة ونتائج أكثر اختلافاً، مما أفقد الإنسان شعوره بالسيطرة وقدرته على الإمساك بزمام الأمور، لأن الطبيعة وتغييراتها المفاجئة أكبر من حدود الإنسان وعلمه المحدود دائماً. 

نظرية الفراشة

"رفرفة جناح فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أمريكا أو أوروبا أو إفريقيا".

ابتكر تلك النظرية إدوارد لورينتز عام 1963، وهي تظهر أثر الفراشة، وتنص النظرية على أن حركة جناحي الفراشة أثناء طيرانها قادرة على إحداث تغييرات بسيطة في حالة الطقس قادرة على المدى الطويل أن تكون أحد أسباب حدوث إعصار في مكان بعيد تماماً عن مكان تواجد الفراشة.

بعيداً عن الفلسفة والفيزياء يمكننا أن نتوصل أخيراً إلى حقيقة أن تغييراً بسيطاً شديد الضآلة يمكن أن يتسبب في حدوث تغيير أكبر لا يمكن توقع نتيجته النهائية وهو ما يسمى بالاعتمادية على الأسباب الأولية أو الأخذ بالأسباب بشكل عام. وهو نفس الشيء الذي تقوم عليه فكرة الترويج، لأنه لو استغل الإنسان ثلاثين دقيقة من يومه في تعلم أي شيء. فإن استمراريته على هذا التغيير لمدة سنة أو أقل قادرة على أن تحدث تغييراً شاملاً في حياته، لأن التكرار مهما كان بسيطاً استطاع بشكل ما أن يؤثر على الحاضر والمستقبل. وهذه النظرية قد أثبتت صحتها بشكل واضح عندما أجرى العلماء تجارب للمقارنة بين تأثير التغييرات على شيء ما مع ثبات العوامل وعدم إحداث أي تغيير في الجهة الأخرى من التجربة، وفي الحالتين كانت النتيجة أن أي تغيير في المدخلات الأولى مهما كان بسيطاً يتسبب في نتيجة مختلفة لمسار العملية ككل.

كيف تؤثر الأشياء الصغيرة في العالم؟

هل ستتغير نظرة الإنسان إلى نفسه وموقفه من حياته إذا بدأ في التفكير في أن كل خطوة يقوم بها هي حدث هام وعامل مؤثر؟ بكل تأكيد نعم. الحقيقة هي أن الإنسان يستحق الاهتمام والتقدير لما يفعله دائماً، لأن قدرة الإنسان وعقله وما ينتج عنه إذا تم توجيه سلوكه نحو تغيير إيجابي قادرة بشكل مؤكد على إحداث تغيير مؤثر على العالم كله. مجهود فرد واحد قد يغير العالم، بل إن الأعظم من ذلك أن ما نفعله اليوم في عالمنا من أعمال وإنجازات أو حروب وتدمير يتحكم بشكل كبير في مستقبل أجيال قادمة لم تُخلق بعد. وكذلك ما فعله الإنسان في الماضي هو الذي وضع حجر الأساس وحدد لنا كيف نعيش اليوم، فإذا لم ينجح توماس إديسون في اختراع المصباح واستسلم لما كنا عرفنا شيئاً عن الكهرباء. وكذلك الشيء نفسه مع الحروب التي يجني الإنسان آثارها حتى اليوم قد تكون بدأت من الأساس بسبب مقتل شخص واحد أو غضبه لتؤدي أخيراً إلى مقتل الآلاف، بل إننا في الأصل نتيجة إغواء إبليس ونزول سيدنا آدم إلى الأرض، نعم إنها قدرة عظمى تُمكن حدث واحد من التسبب في كل هذه النتائج الكبرى. 

إن الأسباب التي قد تغير العالم أو حياة شخص ما لا يمكن توقعها بشكل مؤكد، لأن البيئة المحيطة مليئة بأسباب شديدة التعقيد تؤثر في حياتنا كل يوم، فأن تتلقى التشجيع في بداية يومك يمكن بشكل كبير أن يتسبب في أن يجعل يومك أفضل وأكثر إنتاجية، كذلك تشجيع والدة أينشتاين له في سن صغيرة بدلاً من إقناعه بالغباء والفشل هو ما جعله أينشتاين الذي يعرفه الجميع اليوم.

[وعن أَبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئاً، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ" رواه مسلم.]

هل هي الحقيقة المطلقة وراء حدوث كل شيء؟

النظريات ذاتها قد تدفعني إلى استنتاج إجابة لسؤال لطالما كنت أفكر به، وهو هل الإنسان مُسير أم مخير؟ إن الإجابة التفصيلية قد يكون بها شيء من التعقيد ولكن كنتيجة لما سبق فأنا أثق بأن الإنسان مخير تماماً فيما يفعل، فكل قرار تتخذه اليوم بكامل إرادتك هو تسليم منك بما يمكن أن ينتج عنه، وتقبلاً للنتيجة، فمثلاً الزيجات التي لم تنجح كانت تعتمد بشكل رئيسي على الاختيارات السيئة، وإن كانت النتائج لا تعتمد على سبب واضح فقط وإنما هي عدة عوامل معقدة تتفاعل فيما بينها بشكل يصعب تصوره وفهمه، لذلك فالإنسان دائماً ما يكون قادراً على اتخاذ خيار واحد من بين عدة خيارات، وبناءً على هذا الاختيار الأول فإن كل النتائج التي تلحق به تكون مرتبطة به بشكل مباشر.

إن طبيعة الإنسان تميل بشكل كبير لأن تفهم العالم من حولنا وتجد أسباباً لتفسير حدوث كل شيء، لكن وعلى الرغم مما توصلنا إليه من علم وأبحاث، سيبقى الإنسان محدود القدرات، تقف المعرفة واتساعها يوماً بعد يوم كعائق بينه وبين الوصول التام النهائي، لأن المعرفة ذاتها تطرح عليه المزيد من الأسئلة التي قد يكون لا نهاية لها، ستظل مجرد اجتهادات للوصول إلى الإجابة في عالم لا يمكن فيه تحديد أي الإجابات هي الصحيحة دائماً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نادين عبدالحميد
طالبة ومدونة مصرية
طالبة ومدونة مصرية