في وقتٍ كان فيه الإنترنت مجرد محطة يستريح فيها الوافد سويعات معدودة كان الكتاب آنذاك أفضل هدية يمكن تقديمها، لكنه اليوم بدأ يفقد أهميته التي وُجد لأجلها. بدلاً من الكلاسيكيات الجيدة والقصص البوليسية المثيرة والمغامرات يشاهد الشباب بشكل متزايد الأشرطة المصورة على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو الرقمية، وغالباً ما يتم استبدال الأدب التربوي بالندوات التعليمية عبر الإنترنت.
هل تراجعت القراءة في عصر الشاشة الكبيرة؟
قراءة الكتب هي إحدى الطرق الرئيسية للتكوين الروحي والإثراء للإنسان، اعتبر الكتاب لوقت طويل مصدراً للحكمة والمعرفة، بمرور الوقت لم تتغير أهمية دوره في حياة الإنسان، لكن الناس اليوم يكرسون وقتاً أقل بكثير للقراءة، ويفضلون التلفزيون والإنترنت.
منذ القرن الماضي أصبحت السينما المنافس الرئيسي للكتاب، فقد أدى تطور التقنيات العالية إلى جعل إمكانيات صناعة السينما غير محدودة تقريباً، تعمل الأشرطة الساطعة ذات المؤثرات الخاصة ورسومات الكمبيوتر على تغيير الكتابة الحبرية، وتجبر الباحث أو الطالب على استعمال الوسائل التقنية في البحث، كما أنها تملأ إيقاع حياته بشروط الراحة.
أحياناً يكون وقت الفراغ كافياً فقط لمشاهدة فيلم قصير، والتعب لا يسمح لك بالانغماس في قراءة الأدب الجاد، لأنه ببساطة الجلوس مع الفشار أو فنجان الشاي أمام شاشة التلفزيون يجعل من السهل استيعاب المعلومات التي يعالجها صانعو الأفلام، المخرجون المتميزون قادرون على تحويل أي كتاب إلى تحفة فنية، في بعض الأحيان تبدو الحاجة إلى القراءة قد اختفت، لأنه يمكنك مشاهدة فيلم يتكيف مع ما تبحث عنه.
لكن القراءة هي التي تفترض عمل الفكر، وتلهم وتطور الخيال، فقد يتخيل القارئ صور الأبطال، ويتعمق في وصف تجاربهم، لا يوجد وسطاء هنا، كل منهم يفهم بشكل فردي ما أراد المؤلف نقله، مع التركيز على اللحظات القريبة منه.
تظهر الصورة في الرأس بمفردها، والقارئ هو المخرج والمتفرج نفسه، واتساع الفضاء المعرفي يعتمد فقط على رحلة الخيال.
نحن لا نفضل اللحوم على السمك دائماً، أو العكس، لأننا نريد تجربة الاثنين معاً… لذا فإنه من الصعب الاختيار بين كتاب وفيلم، القراءة مفيدة من حيث التعلم، ومشاهدة فيلم مثيرة ومغرية.
لا أعتقد أنه ينبغي تقسيم الناس إلى عشاق للسينما ومحبين للكتب، النص الجيد هو أيضاً نوع من العمل الأدبي، يساهم الفيلم عالي الجودة، مثل الكتاب المفيد، في التطور الروحي للإنسان.
نحن نتعاطف بنفس القدر مع أبطال الكتب والشاشات، لذلك يجب أن ننحي الشكوك جانباً، ونجد أرضية مشتركة، ونتمتع بانطباعات القراءة والمشاهدة.
ما الجوانب الإيجابية والسلبية لهذه الظاهرة؟
أولاً، الفيلم المقتبس يلفت الانتباه دائماً إلى العمل الذي تم توجيهه إليه، وهذا يعني أن الناس سيقرأون أكثر.
ثانياً، يتيح لك إنتاج الفيلم الأدبي توضيح صورة الكتاب من أحداثه وشخصياته وحبكته والتعرف عليهم بشكل أفضل، ومع ذلك قد يتضح أنه بعد مشاهدة الفيلم المقتبس لا يرغب الشخص في تناول الكتاب، ويفكر: "لقد بحثت بالفعل" وسيصبح الإنتاج سيئاً مبتذلاً ونمطياً في رأيه، ونتيجة ذلك هي اختفاء الاهتمام بالعمل.
وهكذا، فإن السينما لا تقدم لنا دائماً ما يستطيع الأدب تقديمه، إضافة إلى ذلك فإن عملية القراءة يطور بها الشخص التفكير المجرد، ويعمل الخيال وتعمل الذاكرة بنشاط، لذلك ورغم ملاءمة الفيلم فإنه لا يزال من الأفضل قراءة الكتب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.