بعد نحو 27 عاماً من دخول السودان إلى قائمة الإرهاب الأمريكية، التي اتسعت على مدار هذه العقود لكافة أعدائها، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 14 ديسمبر 2020، رسمياً، رفع اسم السودان من هذه القائمة.
وتضم القائمة الأمريكية تلك الدول أو الجهات أو الأفراد المنخرطين في أنشطة إرهابية، وتُشكِّل أنشطتهم تهديداً للأمن القومي الأمريكي أو أمن مواطني الولايات المتحدة. حيث تقوم وزارة الخارجية والخزانة الأمريكية بإعداد سجل عن الفرد أو المنظمة أو الدولة المعنية، ثم تُجمِّد أرصدتها وأصول الجهة أو الفرد في الولايات المتحدة أو في المؤسسات الخاضعة لنفوذ وسيطرة أمريكيين، ومن ثَمَّ إخطار المؤسسات المالية الأمريكية بقرار الحظر وطلب حجز أرصدة الفرد أو الكيان.
لماذا دخل السودان قائمة الإرهاب؟
في 12 أغسطس 1993 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، رداً على استضافة زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، ناهيك عن دعم حركة حماس وحزب الله اللبناني، واستضافة كارلوس الثعلب (وهو منْ نفّذ عمليات أمنية وعسكرية باسم منظمات يسارية فلسطينية ضد أهداف غربية). وصارت الولايات المتحدة ترى في النظام السوداني نقطة ارتكاز للحركات الإسلامية تحت مظلة فكر حسن الترابي.
ثم في عام 1996، أوقفت الولايات المتحدة عمل سفارتها في الخرطوم. وفي أبريل 2006 أضاف جورج بوش الابن قراراً بزيادة الحظر المفروض على السودان ليشمل الأنشطة النفطية والبتروكيماوية، وأدرج جهات متورطة في نزاع دارفور في قائمة العقوبات، وقام بتجميد أرصدة 133 شخصية وشركة سودانية.
ويعتقد معظم الخبراء أنه لا يمكن التعامل بجدية مع نظام العقوبات الأمريكية فيما يتعلق بفاعليته في مواجهة الإرهاب، خاصة تلك العقوبات التي فُرضت على السودان. ويمكن التدليل على ذلك بالنظر إلى قائمة العقوبات الأمريكية في قارة إفريقيا، والتي تشمل 8 دول أخرى بجانب السودان (بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي، وليبيا، وزيمبابوي، والصومال، وجنوب السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى). فرغم تفاوت الفترات الزمنية التي قضتها تلك الدول في قائمة العقوبات، إلا أنها لم تُحقق مردود حقيقي أو نتائج إيجابية بخصوص الأسباب التي أدت إلى فرض العقوبات من البداية، سواء المتعلقة بممارسة العنف السياسي أو تقويض أسس الديمقراطية السياسية، ناهيك عن أن هذه القوائم تشمل سياسيين سابقين، وغيرهم متوفين.
إن جل ما حقّقته العقوبات هو تجفيف التحويلات المالية إلى تلك الدول، ما عقّد الوضع الاقتصادي على الصعيد الداخلي، دون أن تتأثر ثروات أو نفوذ النخب السياسية الفاسدة، بل على العكس، ادّعت هذه النخب أن العقوبات هي السبب الرئيسي في تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
لماذا خرج السودان من قائمة الإرهاب؟
على الصعيد الرسمي، تم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، بعد تحقيق الخرطوم للاشتراطات المطلوبة، بدايةً من التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وزيادة الحريات الدينية وتعزيز القدرة على إدخال المساعدات الإنسانية، ووصولاً إلى دفع تعويضات عن هجمات تزعم واشنطن أن الخرطوم لها صلة بها، بلغت حوالي 335 مليون دولار.
ولكن بكل تأكيد هناك أسباب أعمق وأهم تقف وراء هذه الخطوة الأمريكية:
1- دعم مسار التطبيع السوداني – الإسرائيلي:
عمل ترامب طوال فترة حكمه في ملفات السياسة الخارجية وفق مبدأ الصفقات والمقايضات، وبالتالي لم يكن ليُقدِم على منح السودان هذه الانفراجة، سوى بمقابل يتماشى مع أهدافه، وحينما أعلن ترامب عن رفعه لاسم السودان من قائمة الإرهاب (في أكتوبر 2020) كان يعمل على تعزيز مكانته وتعظيم إنجازاته في سبيل إعادة انتخابه.
وكان يرى أن تحقيق التطبيع السوداني – الإسرائيلي (الذي أعلن عنه بالتوازي مع قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب)، سيُضيف إلى رصيده في ملف السياسة الخارجية، ويمنحه تأييد الشرائح المتعاطفة مع إسرائيل داخل الولايات المتحدة. خاصةً في ظل موجات التطبيع العربية التي كان يرعاها في ذلك الوقت (مع الإمارات والبحرين).
والجدير بالذكر، أن الحكومة السودانية قد نفت رسمياً وجود علاقة بين ملف التطبيع والخطوة الأمريكية، إلا أن هذا النفي لا يُعتد به بكل تأكيد عند الحديث عن الخطط الأمريكية.
2- دعم المكون المدني في السلطة الحاكمة في السودان
يمكن القول إن هناك درجة من التفاهم بين الإدارة الأمريكية والمكون المدني المتواجد في مجلس السيادة السوداني، وكذلك رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، وهو صاحب علاقات دبلوماسية جيدة مع الدول الغربية، فقد كان الأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، وعمل كذلك كخبير اقتصادي وخبير في مجال إصلاح القطاع العام والحوكمة.
ويبدو أن الواقع الاقتصادي السوداني المأزوم قد وضع حمدوك والمكون المدني في أزمة حقيقية، فمن جهة تتصاعد دعوات التظاهر والاحتجاج في ذكرى الثورة (في 19 ديسمبر 2020) ضد الحكومة.
ومن جهة أخرى قد يستغل المكون العسكري هذه الاضطرابات لتنحية المكون المدني من الحكم، وتنفيذ انقلاب على إرادة الشعب، بحيث يتصدر المشهد السياسي منفرداً.
لذلك، ربما جاء التحرك الأمريكي لقطع الطريق على هذه المحاولات، التي لا شك ستُعيد الوضع في السودان إلى نقطة الصفر، وهو أمر في غير صالح دول المنطقة والمصالح الأمريكية في السودان ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
ما انعكاسات هذه الخطوة على السودان؟
كان وضع السودان في قائمة الإرهاب يعني أنه لا يمكن للولايات المتحدة تقديم مساعدات اقتصادية لها، وأدى ذلك فعلياً إلى منع صندوق النقد والبنك الدولي من التمويل أو تخفيف الديون عن كاهل الخرطوم. كما أعاق المعاملات مع الشركات السودانية، وزاد من تعقيد استيراد العديد من البضائع اللازمة للبنية الأساسية والرعاية الصحية والنقل، وبالتالي ظلت الاستثمارات الأجنبية هزيلة وعزفت البنوك الأجنبية عن التعامل مع السودان. الأمر الذي أرهق الاقتصاد السوداني ودفع قطاعاته إلى حافة التدهور، خاصةً بعد انفصال الجنوب، وفقدان حصة كبيرة من الثروة النفطية.
لذلك من المتوقع أن يتبدل هذا الوضع تدريجياً، بعد رفع السودان من القائمة الأمريكية، وذلك على النحو التالي:
1- البدء في عملية إعفاء السودان من الديون الخارجية المتراكمة، عبر مبادرة إعفاء الدول الأكثر فقراً والمثقلة بالديون، إذ تبلغ ديون السودان أكثر من 60 مليار دولار معظمها من فوائد ومتأخرات الديون التي تجاهل النظام البائد تسديدها.
2- السماح بعودة السودان للتعامل مع المؤسسات المالية الدولية، والاستفادة الكاملة من المنح التنموية والعون العالمي، وكذلك العودة إلى النظام المصرفي العالمي، ما سيسهل التحويلات البنكية ويزيل القيود المفروضة على حسابات السودانيين البنكية.
3- إعادة الانتعاش للقطاعات التي تعطلت في ظل العقوبات، سواء على مستوى الصناعة أو الزراعة أو الطاقة أو خطوط النقل الجوية والبحرية والنهرية، وذلك بتوفير التمويل والتقنيات الحديثة المستوردة.
4- معالجة ارتفاع تكلفة المنتج الوطني، الذي تسبب في خروج السلع الوطنية من المنافسة العالمية، وكذلك معالجة أزمة قلة الإنتاج وتفاقم عجز موازنة الدولة، الذي وصل إلى نحو سبعة مليارات دولار.
وقد ظهرت أولى هذه المؤشرات مباشرةً يوم 14 ديسمبر 2020، حينما ارتفعت قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار الأمريكي في تداولات الأسواق غير الرسمية بنسبة 3.7%، ومن المتوقع أن تستمر عملية التعافي، ولكن ببطء، خلال الفترة القادمة، مع تدرج إجراءات انفتاح السودان على الاقتصاد العالمي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.