اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء.. نهاية للصراع أم بداية أزمة أكثر تعقيداً؟

عدد القراءات
607
عربي بوست
تم النشر: 2020/12/13 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/13 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
العاهل المغربي الملك محمد السادس / رويترز

لا شك أن فترة دونالد ترامب ورئاسته للولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات، سوف تبقى خالدة ليس فقط في المشهد السياسي الأمريكي، بل على الساحة الدولية ككل، لما عرفته هذه الولاية من قرارات واتفاقيات وانسحابات، وأزمات على المستوى الإقليمي والدولي.

فالرئيس المنتهي ولايته، قد خلّد اسمه في التاريخ السياسي العالمي بـ"تغريدات تويتر"، وجسّد منذ توليه الحكم كل الخطوات، والقرارات، والاتفاقيات التي أبرمت الإدارة الأمريكية أو كانت ترعاها. 

حتى سار مَن يُرد أن يتعرف على قرار أو انسحاب أو اعتراف من الإدارة الأمريكية الحالية عليه أن يتابع الرئيس دونالد ترامب على صفحته في "تويتر".

 وتعتبر "صفقة" القرن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، إلى جانب الخروج من منظمة الصحة العالمية، وإسقاط الاتفاق النووي مع إيران، والخروج من اتفاقية المناخ بعض القرارات "التويترية" التي نفذها ووقع عليها دونالد ترامب في هذه الفترة القصيرة.

 أما آخر قرار وإعلان على تويتر، هو تأكيد على تطبيع العلاقة بين المملكة المغربية وإسرائيل إلى جانب اعتراف "ترامب" بسيادة المغرب على الصحراء، وجعل الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب سنة 2007 هو الحل الأوحد والوحيد لهذا النزاع الإقليمي.

هذا القرار الأمريكي "الترامبي" قد خلق ردود فعل متباينة بين العواصم العالمية، هناك من أيد الطرح وهناك من تحفظ وهناك من ندد بالإعلان والتطبيع. كل هذا، يجعلنا ندخل مرحلة جديدة في الصراع الذي يمتد قرابة نصف قرن.

‏ليطرح السؤال: هل اعتراف أمريكا (ترامب) بسيادة المغرب على الصحراء بمثابة نهاية لهذا الصراع وبالتالي بداية فصل للاستثمارات والرفاهية لساكنة المنطقة وللمغرب ككل أم أن دخول الولايات المتحدة الأمريكية لساحة النزاع هو شعار آخر لامتداد الأزمة وبالتالي إشعال المنطقة المغاربية مرة أخرى؟ وتنافس القوى الكبرى على النفوذ داخل المنطقة؟

  ‏‏هذا الإشكال مطروح بشكل أساسي فعندما نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ونستشفّ ماذا حل بالدول التي تدخلت فيها القوى الكبرى، خاصة أمريكا وروسيا سوف تكون لدينا صورة أولية غير مطمئنة بل يشوبها الغلق والخوف.

  ‏‏فماذا، حققت هذه التدخلات للعراق وسوريا وأفغانستان عند دخول هاتين القوتين العظميين، هل حققت الرفاهية والاستقرار لشعوبها أم وفرت لهم الحرية والديمقراطية، والعدالة والتنمية؟ قطعنا لا، كانت فقط بداية لتشرد وتشرذم الملايين من سكان هذه البلدان، وإرجاع بلدانهم وأراضيهم 100 سنة إلى الوراء.

هل هذه الصورة ستنعكس على التدخل الأمريكي الحاصل في البلدان المغاربية خاصة في نزاع الصحراء.

أمريكا وشعار التطبيع داخل المغرب الكبير.. هل هو المقصد ؟

يعتبر 10 من الشهر الجاري يوماً تاريخياً للمغرب بعد اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، وهناك من طالب في المغرب بأن يكون يوم (ذكرى)، بل كانت هناك احتفالات بهذا الاعتراف في المدن المغربية ومدن الصحراء العيون والداخلة، وكما قال المتتبعون: يعتبر إعلان تاريخ، رغم أنه لم يخرج من الكونغرس أو كمرسوم قانون.

لكن، من يرى، ويتتبع مخرجات، ومرتكزات الأمن القومي الأمريكي، يجد أنه ليس كل ما يقال أو ينسج هو بعيد عن مرجعيات، وخطط وسياسيات واستراتيجيات الأمن القومي الأمريكي في ربوع المعمورة.

لذلك، من يقول إن الإعلان والاعتراف سيتغير مع الرئيس المنتخب جو بادين بعد 20 يناير من السنة القادمة في ذلك مردود عليه بحكم أن الأمن القومي، والقرارات المصيرية تسطر داخل "غرف مغلقة" وتنفذ مع الوقت وحسب الظرفية.

لذلك الولايات المتحدة الأمريكية لم تعترف بالاعتراف بتلك السهولة، حتى بات تنظر إلى إفريقيا والمغرب العربي نظرة مغايرة عكس السابق، بعدما أصبح النفوذ الصيني والروسي يشكل حرجاً كبيراً لها.

من هنا لم يكون التطبيع أو استئناف العلاقة بين المغرب وإسرائيل، هو لبّ "الكعكة" والهدف الأساس (لأن العلاقات كانت مستمرة سابقاً كما قال جل المحللين وأهل القرار)، بل هناك طموح أكبر من ذلك، تتطلع إليه الولايات المتحدة في المنطقة.

في أمريكا تحتاج إلى موقع استراتيجي جديد داخل القارة الإفريقية، بعدما باتت جل بلدان القارة السمراء تفتح مجالها واستثماراتها وقواعدها العسكرية للتنين الصيني وروسيا، إضافة إلى أن منطقة الصحراء إلى جانب موقعها الاستراتيجي المطل على المحيط الأطلنطي تتوفر على ثروات طبيعية هائلة لم تكتشف بعد، والطرف الأمريكي يريد أن يكون السباق في وضع يد على تلك الاستثمارات والثروات، وقطع الطريق على الدول العظمى الأخرى ولو في الزمن القريب.

هل تترك القوى الأخرى الساحة المغاربية لأمريكا؟

رغم أن الصراعات والتدخلات الأجنبية في المنطقة المغاربية، لا تنتهي وليست بالجديدة، وآخرها ما هو واقع في ليبيا، وتقسيمها إلى فصائل، وجماعات، فهل يضاف جزء آخر من المنطقة إلى هذا الصراع؟

بدون شك، تعرفنا على ردود الفعل المتباينة بعد اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء هنا كان جواب الخارجية الروسية واضح تجاه الإعلان الأمريكي وهو تنديدها بالإعلان ورفضها له. فهل هو حب في مصالح أهل الصحراء والمغرب العربي أم هو أيضاً شكل من التدخل من أجل إيجاد ممر داخل المنطقة؟

‏لذلك، لن تترك روسيا أمريكا بمفردها تتجول، وتستثمر داخل منطقة الصحراء والمنطقة المغاربية، وإذا لم تتم هناك توافقات، وجلسات من أجل تقسيم "الكعكة "، فلن تستطيع الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار، بل سنشهد صراع دامي على النفوذ داخل المنطقة، هذا الصراع سيكون صورة مطابقة لسوريا والعراق وليبيا.

هل يعي أصحاب القرار في المنطقة المغاربية تداعيات التدخل الأجنبي؟

بدون شك، ستبقى المنطقة المغاربية باب لجل الصراعات، والأزمات، إذا لم يتم تفعيل "الاتحاد المغاربي" على أساس احترام أن يعيش الفرد المغاربي بعيداً عن صراعات القوى الكبرى التي هدفها في النهاية هو استخراج الثروات وكسب النفوذ، أما رفاهية المنطقة أو تنميتها فهي أخر ما تطمح إليه.

لذلك، إذا نظرنا إلى العالم المغاربي، وما يملك من ثروات طبيعية نجد أنه يتوفر على تنوع كبير في الثروات، إذا كانت هناك إرادة حقيقة بين أهرامه سيكون مؤهلاً ليس فقط في غناء وتنمية شعوبه بل في منافسة التكتلات الإقليمية الأخرى.

 فهل تكون هناك عقول ذات حكمة، وبصيرة تنظر إلى مستقبل هذه الشعوب المغاربية، وتبتعد بها عن الصراعات والحروب، والتدخلات الأجنبية، وتجعل القادم هو مفتاح للازدهار والتنمية "تنمية بأقلام وأقدام شعوب هذه المنطقة وليس بالتبعية والتطبيع للآخر".

في آخر المطاف، تبقى التدخلات الأجنبية في أي منطقة عربية كانت، هي بمثابة بداية لمرحلة ثانية، لن تكون مزينة أو ملونة بزهور والورد، فكل ما كان هناك تدخل أجنبي، كل ما كان هناك دمار وتشرذم وشتات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبيد الله
باحث في العلوم السياسية
باحث مغربي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد