من فضيحة بيع المباريات وإيقاف عامين للفوز بالمونديال.. كيف تحوّل باولو روسي من منبوذ إلى بطل قومي؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/11 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/11 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش

أجلس على الأريكة إلى جوار والدي، نشاهد مباراة كرة قدم في الدوري الإسباني، تجمع فريقي أتلتيكو مدريد وبرشلونة في ملعب الواندا ميتروبوليتانو. مدرب أتلتيكو مدريد، دييغو سيميوني، بطريقته التي لا يمل من تكرارها، يغلق المساحات ويضرب بالمرتدات، رغم أنه يواجه فريقاً عاجزاً إلى حد كبير، لكن الوفاء يبدو سمة سيميوني الجوهرية. الرجل الأرجنتيني يلعب كرة القدم وكأنه عضو من منتخب إيطاليا الذي توّج بكأس العالم 1982، فكره دفاعي على طريقة "الكاتيناتشو" مع بعض التعديلات الطفيفة. على الأغلب، اعتنق سيميوني ذلك المذهب عندما حط الرحال في إيطاليا. على كلٍّ، لا يكف سيميوني عن اللعب بتلك الطريقة ولا أكف أنا عن التذمر والتململ منه. إن كان سيميوني وفياً لطريقته فالكلب حيواني المفضل. لكن أبي، وكالعادة، يرى ما لا أراه، يتنحنح ثم يقول لي: أعلم أنك لا تحب تلك الطريقة وتكره هذا الرجل.. فأهز رأسي موافقاً، فيكمل ولكنني معجب به.. ثم يروي لي قصة جيل إيطاليا الذي قهر منتخب البرازيل في أوج تألقه ثم لقَّن ألمانيا درساً في فنون كرة القدم في نهائي مونديال إسبانيا 1982، يروى القصة للمرة الأولى بعد المئة وأنا أسمعها بكل الشوق وكأنها المرة الأولى التي أسمعها. ومن حيث لا يحتسب كلانا يأتي على ذكر المعلق الأسطورة الراحل، باولو روسي. يتنهد أبي تنهيدة طويلة ملؤها الحنين والذكريات ثم يقول لي بعدما أطفأ صوت التلفاز، لم تشاهد أنت باولو روسي، فدعني أخبرك عنه قليلاً يا ولدي: 

ذاع صيت باولو روسي عام 1973 عندما ارتدى قميص يوفنتوس للمرة الأولى لكن لعنة الإصابات ضربته.. واعتقد الطليان أنه لن يعود بنفس المستوى. لم يكن الطب الرياضي متطوراً كما هو الحال الآن.

فتمت إعارته إلى أندية الدرجة الثانية في إيطاليا، واستقر به الحال في فريق فيتشنزا. هناك فاجأ روسي متابعي الـSeria B وأصبح هداف الدوري وقاد الفريق للصعود للدرجة الأولى. أعاده يوفنتوس من فوره لصفوفه بعدما علم فداحة خطئه، فلم يخيب الآمال وتصدر ترتيب هدافي الكالتشيو، ليكون أول وآخر لاعب يفوز بجائزة هداف الدرجة الثانية والأولى على الترتيب في عامين متتاليين، ومن ثم تألق رفقة إيطاليا في كأس العالم 1978 لكن أهدافه الثلاثة لم تكن كافية لحصد اللقب، واكتفى الطليان بالمركز الرابع. 

روسي في المحظور


اعتقدت إيطاليا أن مخلِّصها الكروي قد بُعث وأن الأفراح والليالي الملاح قادمة على أقدام "بابليتو"، لكن اللعنة أصابته من جديد، ومع إصابة تلو الأخرى تمت إعارته من يوفنتوس إلى نادي بيروجيا. وفي عام 1980، لم تصبه لعنة أخرى لكنه وقع في المحظور.. باولو روسي مدان في قضية تلاعب بالمباريات.. فضيحة "توتونيرو". 

تم الحكم عليه بالإيقاف لمدة 3 سنوات، لكن تمسك روسي ببراءته وقدم التماسات وأدلة تثبت نزاهته، لكن لم يحصد البراءة قط، بل تم تخفيف العقوبة إلى سنتين. 

مرا العامين سريعاً، والمنتخب الإيطالي يستعد للسفر إلى كأس العالم عام 1982، والجميع ينتظر قائمة "الأزوري" المتجهة إلى إسبانيا على أحر من الجمر. 

وكانت المفاجأة.. مدرب الطليان، إنزو بيرزوت يضم باولو روسي إلى قائمة المنتخب، قرار شجاع لكن تلقى المدرب على إثره هجوماً حاداً من الصحافة والمشجعين، فسمعة إيطاليا صارت في الوحل بضم لاعب يتلاعب بنتائج المباريات وكان موقوفاً لمدة عامين. لكن مخترع تكتيك "الكاتيناتشو" أصر على موقفه. في أول مباراتين، لم تجرِ الرياح بما تشتهي سفن بيرزوت، كان روسي حاضراً غائباً.. تائهاً في الميدان كما حال المنتخب الإيطالي. إذ تعادل الآزوري بصعوبة في المباراة الأولى مع الكاميرون وفاز بشق الأنفس على نظيره الأرجنتيني.. وفي كلا المباراتين، نرى روسي ما زال تائهاً والأصوات تتعالى في روما تطالب بإخراجه من التشكيل الأساسي. 

لكن كرة القدم لا تسمى الساحرة المستديرة من فراغ.. 

في المباراة الحاسمة المؤهلة إلى الدور نصف النهائي، وأمام جيل ذهبي برازيلي ضم فالكاو وسقراط، ينفجر روسي ويسجل 3 أهداف قادت بلاده لنصف نهائي كأس العالم.. انفجرت المدرجات في إسبانيا وألجم روسي روما وصحافتها. 

لم تكن تلك المباراة ضربة حظ أو تعويذة من نوع ما.. ففي مباراة نصف النهائي أقصى روسي مجدداً منتخب بولندا وحده بهدفين سجلهما ببراعة هداف من مواليد منطقة الجزاء. 

والآن إيطاليا في نهائي كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1970! 

وباولو روسي في الميدان يفتتح التسجيل ويمهد الطريق لفوز إيطالي مريح على ألمانيا الغربية.. ليتحول المنبوذ إلى بطل قوميّ! 

في ذلك العام استحوذ روسي على كل جوائز، الهداف، أفضل لاعب في كأس العالم، والكرة الذهبية. 

لكن النهاية أبت إلا أن تكون مأساوية

المباراة الأخيرة لروسي في الملاعب كانت نهائي كأس الأندية الأوروبية بين يوفنتوس وليفربول في ملعب هيسل بالعاصمة البلجيكية بروكسل. اندلعت أعمال شغب من هنا ومن هناك واختلط الحابل بالنابل في المدرجات.. اندفعت الجماهير نحو الأسوار والجدران فانهار الجدار فوق رؤوسهم مخلفاً 39 قتيلاً وأكثر من 600 إصابة في كارثة هيسل الشهيرة. ونُسي باولو روسي الذي عُلق حذاؤه للأبد بعدها. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حذيفة حمزة
كاتب ومحرر
محرر، وباحث في علم الاجتماع الرياضي
تحميل المزيد