أردوغان يندد ودروغبا يحيي والاتحاد الأوروبي في مأزق.. هل يتم إيقاف بطل فضيحة العنصرية مدى الحياة؟

عدد القراءات
533
عربي بوست
تم النشر: 2020/12/10 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/10 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
رويترز

شهد "حديقة الأمراء"، ملعب فريق باريس سان جيرمان، أمس الأول الثلاثاء، حادثةً عنصرية فريدة من نوعها خلال المباراة التي استضاف فيها الباريسيون فريق "باشاك شهير" التركي، في إطار الجولة الأخيرة من دوري المجموعات في دوري أبطال أوروبا.

فبحلول الدقيقة الـ16 استدعى الحكم الرابع الروماني سباستيان كولتيسكو، حكم الساحة الروماني أوفيديو هاتيغان، وطلب منه طرد النجم السابق لمنتخب الكاميرون بيير ويبو، مساعد مدرب الفريق التركي، وعندما جاء هاتيغان من أرضية الملعب إلى خط التماس أمام دكة الفريق التركي، استفسر من زميله عن المسؤول الواجب طرده، هنا لم يُشر كولتيسكو إلى ويبو ولم يذكر اسمه، ولكنه أجاب: هذا "الزنجي". 

وبعد طرد ويبو وسماعه لما قاله الحكم الرابع، غلت الدماء في عروق لاعبي الفريقين، الذين رفضوا تلك الإشارة العنصرية رفضاً قاطعاً. وطالبوا بطرد الحكم من اللقاء تماماً، ولم تنجح محاولات مراقبي المباراة ومسؤولي "اليويفا" في تهدئة اللاعبين بإرسالهم الحكم الرابع إلى غرفة الـ"VAR"، ليغادر بعدها لاعبو الفريقين أرضية الميدان في لفتة فريدة من نوعها.
ونقلت وسائل إعلام فرنسية، عن ويبو قوله إن "الحكم تحدث إليّ بعنصرية، واصفاً إياي بـ(الزنجي)، في وقت كان عليه أن يخاطبني باسمي أو كعضو في الجهاز التدريبي".

بدوره، أوضح مصطفى أرأويوت، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للنادي التركي، أنهم عاشوا بسبب تلك الأحداث "ليلة سيئة"، وأن ما دار بها تسبب في حالة نفسية بالغة السوء لدى اللاعبين. وشدد على أنه "كان من الصعب للغاية استكمال المباراة في ظل الأجواء التي خيّمت عليها بسبب عنصرية الحكم الرابع".

ضد العنصرية

وفي سياق متصل، لاقت الحادثة كذلك ردود فعل واستنكاراً من قبل شخصيات سياسية وعدد من الأندية واللاعبين حول العالم، حيث أكدوا جميعاً رفضهم لكافة أشكال العنصرية والتمييز.

أبرز المنددين بهذه الإساءة العنصرية كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أكد إدانته الشديدة للعبارات العنصرية التي تعرض لها ويبو.

تغريدة الرئيس التركي

وغرّد أردوغان عبر تويتر "أدين بشدة العبارات العنصرية التي تعرَّض لها عضو الجهاز التدريبي في ممثلنا فريق باشاك شهير.. أؤمن أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم سيتخذ الخطوات اللازمة".

النادي الفرنسي الشهير نشر هو الآخر بياناً على موقعه الإلكتروني الرسمي، قال فيه "نحن نحارب كافة أشكال العنصرية طيلة فترة تزيد على 15 عاماً".

بدورها، أشادت وزيرة الرياضة الفرنسية روكسانا ماراسينو بقرار رفض لاعبي فريقي باشاك شهير وباريس سان جيرمان استكمال المواجهة بعد الإساءة العنصرية.

وتعليقاً على الواقعة، غرَّدت الوزيرة ماراسينو -التي تنحدر من أصول رومانية- في تغريدة على حسابها بتويتر "إن ترك الملعب من قبل اللاعبين قرار تاريخي"، معربة عن استنكارها لعنصرية الحكم الرابع ضد عضو الطاقم الفني للفريق التركي.

ومساء أمس الأربعاء، انطلقت مباراة كرة القدم بين الفريقين التركي والفرنسي، حيث استُكملت من الدقيقة الـ14 التي توقفت فيها مساء أمس الثلاثاء.

وقبيل استئناف المباراة جثا حكام ولاعبو باريس سان جيرمان وباشاك شهير على ركبهم وسط الملعب، تنديداً بالعنصرية.

كما ارتدى اللاعبون والحكام قمصاناً عليها عبارات "لا للعنصرية"، للتضامن مع "ويبو".

وشهدت مدرجات ملعب "باريس سان جرمان" نَشْر لافتات ضخمة تحمل عبارة "لا للعنصرية"، تتضامن مع ويبو، وتحيي لاعبي فريقها على الموقف الاستثنائي.
كما أعرب النجم الإيفواري، أسطورة نادي تشيلسي الإنجليزي، ديدييه دروغبا، عن بالغ شكره لبيير ويبو، واللاعب ديمبا با، لموقفهما الحاسم ضد الحكم الرابع.

وتم استبدال طاقم حكام المباراة، حيث أدارها طاقم تحكيم هولندي-بولندي مشترك. مكون من الهولندي داني ماكيلي، بمساعدة مواطنه ماريو ديسك، والبولندي مارسن بونيك، كحكمي راية، أما الحكم الرابع فكان البولندي بارتوز فرانكويسكي.

لافتة جمهور باريس سان جيرمان

وفي نفس الصدد يقول الكاتب الرياضي حسن عطية: "تعليق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على الحادثة كان مرتقباً، فمثل هذه الحادثة تضرب صورة الاتحاد وقيمه، وقيمة حكامه، فأن تكون الطلقات من الخارج أسهل بكثيرٍ من أن تكون من الداخل، من حكمٍ محلّفٍ على أن يكون عادلاً فوق المستطيل الأخضر، ما قاله "يويفا" كان مختصراً، فالموقف صعب على الاتحاد الذي عمل لسنواتٍ تحت شعار "الاحترام" و"لا للعنصرية" (…)، من المفترض ألّا تمرّ الحادثة مرور الكرام، فهذا الخطأ الصادر من حَكَم المباراة بمثابة ضربةٍ قوية لـ"يويفا"، خصوصاً إذا عاد الحكم إلى التحكيم ولم يتمّ إيقافه بشكلٍ دائم وكأن شيئاً لم يكن.

حادثة تاريخية

من جانبه قال صحفي شبكة "سكاي سبورت" الألمانية، محمد أمين كناني، إن الكلمة التي تفوَّه بها الحكم الروماني ستبقى راسخةً بأذهان متابعي الكرة الأوروبية العالمية ومناهضي العنصرية، كما حدث مع كلمات مارتن لوثر كينغ (لديَّ حلم)، وجورج فلويد (لا أستطيع التنفُّس).

ودعا كناني الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لأن يكون "أكثر صرامة وحزماً من أجل تطهير كرة القدم".

الكاتب والمحلل الرياضي المختص بالكرة الأوروبية معتصم يونس وصف الحادثة بأنها "فريدة من نوعها"، مشيراً إلى "فظاعة اللفظ الذي أطلقه الحَكَم المساعد ضد أحد أعضاء الطاقم التدريبي للفريق التركي".

وأبدى احترامه لقرار الفريق التركي وطاقمه بالانسحاب من اللقاء، الذي قال إنه "حق أصيل ومكفول له"، مشيداً بانحياز نجوم الفريق الباريسي إلى باشاك شهير.

وأكد "يونس" أن للفريق التركي كامل الحق في اتخاذ "قرار رادع لمواجهة العنصرية"، بخاصة مع واقعة تاريخية تحدث لأول مرة من قبل أحد أفراد طاقم التحكيم، وهو ما يضع اليويفا أمام معضلة كبيرة في كيفية اتخاذ إجراءات صارمة.

لاعبي باريس سان جيرمان بقمصان لا للعنصرية

ورجَّح المحلل الرياضي أن يُقدِم الاتحاد الأوروبي للعبة على شطب الحكم الروماني من سجلاته، أو عقابه بوقفه عن التحكيم مدة زمنية واضحة، قائلاً إنها "لن تقل عن عام".

وبيّن أن الاتحادين الدولي والأوروبي "لديهما مشاكل في كيفية مناهضة العنصرية بملاعب الكرة لأسباب مختلفة، من بينها الخصومات السياسية والتاريخية والديموغرافية بين الفرق المتواجهة والدول التي تمثلها".

بروتوكول وعقوبات

وكان الاتحاد الأوروبي للعبة قد أصدر عام 2009 بروتوكولاً للتعامل مع الهتافات العنصرية في حال سَمِعَها حكم اللقاء أو أبلغه الحكم الرابع بها وذلك لوأد تلك الممارسات.

ويتضمن البروتوكول ثلاث خطوات، كيفما شرح الصحفي الرياضي هاني زقوت، الأولى وقف المباراة حتى توقف الهتافات العنصرية سريعاً، وبمقدور الحكم اللجوء إلى الخطوة الثانية بوقف المباراة فترة زمنية محددة (5 أو 10 دقائق)، يغادر خلالها اللاعبون أرضية الملعب إلى غرف خلع الملابس، مع توجيه نداء أخير للمشجعين بالتوقف عن الأهازيج والأصوات العنصرية.

ويحق للحكم في آخر خطوات البروتوكول إلغاء المباراة نهائياً، بعد التشاور مع مراقب المباراة وتقييم أثر القرار على سلامة اللاعبين والجماهير، فيما يتولى اليويفا بعد الإلغاء التحقيق في أحداث اللقاء بشكل تفصيلي.

وفي عام 2013 ضاعف اليويفا عقوباته لتصل إلى الوقف 10 مباريات بحد أقصى، في حق أي لاعب أو مسؤول يثبت اقترافه تصرفاً عنصرياً. كما ضاعف العقوبات المفروضة على المنتخبات، وبخاصة حال تكرار المخالفة، كاللعب بلا جماهير وفرض غرامات مالية.

بدوره اقترح رئيس الفيفا السويسري جياني إنفانتينو آنذاك أن يسن جميع منظمي المنافسات "لوائح تنص على حظر مدى الحياة من دخول الملاعب لأولئك الذين أدينوا بالسلوك العنصري في إحدى مباريات كرة القدم".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حذيفة حمزة
كاتب ومحرر
محرر، وباحث في علم الاجتماع الرياضي
تحميل المزيد