بعد حل الكنيست الإسرائيلي والتوجه لانتخابات جديدة.. هل يسقط نتنياهو هذه المرة بعد 11 عاماً في منصبه؟

تم النشر: 2020/12/06 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/06 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو / رويترز

حينما تستمع إلى أخبار حل الكنيست الإسرائيلي، وأنه على وشك أن يَحِلّ نفسه، ويَحِلّ بالتبيعة حكومة بنيامين نتنياهو ويتجه إلى انتخابات رابعة (فقط منذ أبريل/نيسان 2019)، لَربما تستنتج أن نتنياهو يعيش إحدى أسوأ مراحل حياته السياسية، وهذا هو حاله بكل تأكيد، ولكن حلّ الكنيست وخوض غمار انتخابات جديدة ليس أزمة نتنياهو، إنما هو –في واقع الأمر- طوق النجاة له من فخاخ الوضع الراهن.

حينما ترى نتنياهو حالياً وهو يمارس ألاعيبه السياسية، فيلتفّ حول الخصوم والحلفاء، ويُبحِر بهم في فخ التناقضات السياسية ليغرقوا هم وينجو هو وحده بأقل الخسائر، تتذكر الممثل الأمريكي "كيفين سبيسي" في مسلسله الأشهر House of Cards، وهو يمارس كافة ألاعيب وحيل السياسة حتى يظفر بما يريد، وينجو من المشاكل والأزمات.

هذه القدرة السياسية المدهشة جعلت نتنياهو قابعاً على كرسي رئيس الوزراء منذ عام 2009، أي لمدة 11 عاماً متصلة، وذلك بعد أن تولى رئاسة الوزراء لمدة 3 أعوام في السابق (1996-1999)، ليصل مجموع سنوات حكمه لإسرائيل إلى 14 عاماً، متساوياً مع رئيس الوزراء الأول "دافيد بن غوريون".

صحيح أن فقر الساحة السياسية الإسرائيلية وغياب القيادات الكاريزمية وعسكريي الرعيل الأول، قد ساعد نتنياهو على مدار الـ11 عاماً الماضية، لكنه أيضاً واجه تحديات ليست بالهينة من المنظور الإسرائيلي، سواء بسبب اندلاع موجات الربيع العربي (وما صاحبه من صعود تيار الإسلام السياسي في بعض دول المنطقة)، أو تنامي التهديد الإيراني، أو توترات العلاقة مع تركيا. بالإضافة إلى اضطراب العلاقة مع البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بجانب ما شهدته إسرائيل من اضطرابات اقتصادية واجتماعية، تُوِّجت بأزمة فيروس كورونا.

أزمة الميزانية وحلّ الكنيست

أقرّ الكنيست الإسرائيلي، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2012، مقترحَي قانون لحل الكنيست، والذهاب لانتخابات جديدة، واللذين قدمتهما "تمار زاندبيرغ" عن حزب ميرتس، و"يائير لبيد" عن حزب ييش عتيد (هناك مستقبل)، وقد تم التصويت لصالحهما بأغلبية 61 صوتاً مقابل 54. وقرر الكنيست إحالة مقترحي حل الكنيست إلى لجنة الكنيست، لإعدادهما للقراءات الأولى والثانية والثالثة، وهو ما قد يستغرق أسبوعين على الأقل، ومن المتوقع أنه في حال ما تم إقرار القانون بشكل نهائي سيتم عقد الانتخابات الجديدة في مارس/آذار 2021.

ورغم أن زعيم المعارضة في الكنيست، يائير لابيد، هو من تقدم بمقترح حل الكنيست، فإن الأزمة الحقيقية مصدرها هو بيني غانتس، وزير الدفاع الحالي، ورئيس حزب كاحول لافان (أزرق-أبيض)، وشريك نتنياهو في التحالف الحاكم، حيث إن غانتس هو منْ دفع بكتلته الانتخابية للتصويت لصالح قانون حلّ الكنيست، على عكس ما يُفترَض أن يحدث، من حيث كونه شريك نتنياهو.

فوفقاً لاتفاق تشكيل الحكومة الحالية، تحالف نتنياهو مع غانتس لضمان الحصول على الأغلبية في الكنيست، على أن تُشكَّل "حكومة وحدة" لمدة ثلاثة أعوام، يتناوب كل منهما خلالها على الرئاسة لمدة عام ونصف العام، على أن تكون الأولى لنتنياهو، ثم يتولى غانتس المنصب في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ولكن يرى غانتس أن نتنياهو لا ينوي الالتزام بهذا الاتفاق، لذلك كان يضغط على الحكومة قبل إقرار ميزانية إسرائيل، في أغسطس/آب الماضي 2020، بحيث يتم إقرار الميزانية لعامين كضمانة لتنفيذ اتفاق تسليم السلطة، وليس لعام واحد كما يرغب نتنياهو. ولكن لم يقبل نتنياهو بمقترح غانتس، وتم تأجيل إقرار الميزانية إلى 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، وإذا فشل الكنيست والحكومة حينئذ في إقرار الميزانية يُحَلّ الكنيست والحكومة تلقائياً، وتتم الدعوة لانتخابات جديدة.

غانتس يرى أن نتنياهو لم يترك له الخيار سوى الذهاب نحو دعم مشروع قانون حل الكنيست، برفضه إقرار الميزانية السنوية، ومع ذلك فقد ترك الباب موارباً أمام نتنياهو، وصرّح أنه في حال استجاب نتنياهو لمطلب الإقرار السريع للميزانية فلن يدعم حل الكنيست.

ومن الجدير بالذكر أن مسألة الميزانية باتت تُشكّل عقدة كبيرة في الداخل الإسرائيلي، خلال الأعوام الماضية، حيث إن عام 2017 كان شاهداً على آخر ميزانية عامة تم إقرارها، وهي المعتمدة منذ ذلك الحين. وقد أدى ذلك إلى التخلف عن سداد ما يتراوح بين 15-20 مليار شيكل، ومن دون ميزانية عامة جديدة تكون إسرائيل قد خرقت التزاماتها، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض تصنيفها الائتماني، وتعميق أزمتها الاقتصادية في ظل فيروس كورونا.

كيف يتحكم نتنياهو في خيوط اللعبة؟

يرى عدد كبير من المحللين السياسيين والحزبيين في إسرائيل أن نتنياهو لم ينوِ يوماً تطبيق اتفاق التحالف مع غانتس، لأنه يرغب في البقاء في رئاسة الوزراء وحده كي يحتفظ بقوته ومكانته عندما تبدأ محاكمته في تهم الفساد، في يناير/كانون الثاني 2021، لذلك أدار لعبة "تشكيل الائتلاف الحكومي" ثم لعبة "إقرار الميزانية" بمهارة شديدة، بحيث يعتلي كرسي رئاسة الوزراء أولاً ثم يدعو إلى انتخابات جديدة في الوقت الذي يناسبه.

ففي بداية الأمر، وافق نتنياهو على اتفاق الائتلاف الحكومي وتقاسُم كرسي رئاسة الوزراء مضطراً، حتى يتمكّن من تشكيل الحكومة، دون التوجه لانتخابات جديدة في ظل أزمة فيروس كورونا وانخفاض شعبيته، كما أن هذا الاتفاق فكّك فعلياً الخصم الأقوى لنتنياهو على الساحة السياسية، وهو تحالف غانتس مع يائير لابيد (التحالف الذي خاص انتخابات مارس/آذار 2020 وحصل على 33 مقعداً، بفارق 3 مقاعد أقل عن الليكود). فعقب قرار غانتس بالدخول في ائتلاف حكومي مع نتنياهو تفكَّك التحالف، وانخفضت شعبية حزبه بشكل كبير، حيث اعتُبر أنه "أخلف وعده" لحليفه لابيد وكذلك لجمهوره الذي انتخبه.

وفي أغسطس/آب الماضي (2020)، حينما كانت أزمة الميزانية على وشك أن تَحِلّ الكنيست، وافق نتنياهو على مهلة الثلاثة أشهر، على وعد أن يتم إقرار الميزانية، في ديسمبر/كانون الأول 2020، لأنه كان يرى أن تلك اللحظة لم تكن مناسبة لحلّ الحكومة؛ من جهة لأن استطلاعات الرأي حينئذ لم تكن في صالحه ولا في صالح أحزاب اليمين، ومن جهة أخرى كان يحاول إجهاض وتسويف محاولات المعارضة لتمرير قانون كان سيمنع أي متهم بمخالفات جنائية (مثل نتنياهو) من أن يكون مُرشحاً لرئاسة الحكومة.

ولكن الآن، باتت استطلاعات الرأي في صالح نتنياهو مُجدداً، ففي الاستطلاع الذي أجراه موقع صحيفة "معاريف" في منتصف نوفمبر/تشرين الأول 2020، فقد يحصل حزب "الليكود" بقيادة نتنياهو في الانتخابات القادمة على 30 مقعداً. وسيحتل حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت المرتبة الثانية بحصوله على 23 مقعداً، أما حزب "ييش عتيد" بقيادة يائير لبيد فيحتل المرتبة الثالثة بحصوله على 17 مقعداً، فيما يتراجع حزب "كاحول لافان" بقيادة بيني غانتس إلى 9 مقاعد.

وتُبيِّن هذه النتائج أنه سيكون بمقدور نتنياهو تشكيل حكومة يمينية قادمة تتمتع بتأييد 70 نائباً من أصل 120 عضواً في الكنيست، وذلك في حال اتجه للتحالف مع الحريديم ومع حزب "يمينا".

وبذلك استطاع نتنياهو أن يُدير معركته السياسية بكفاءة منقطعة النظير، حيث أضعف خصومه السياسيين، وتنصَّل من اتفاق تقاسم السلطة عن طريق التهرب من إقرار الميزانية والدفع بإجراء انتخابات جديدة، في لحظة يمتلك فيها الأفضلية، بل وتسمح له بخوض محاكمات الفساد وهو في موضع قوة، على كرسي رئيس الوزراء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد محمود السيد
باحث في العلوم السياسية
باحث سياسي متخصص في الشئون العربية والإسرائيلية. حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية عام 2011، وباحث ماجستير في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. نشر العديد من الأوراق البحثية والمقالات في عدد من الدوريات في مجال العلوم السياسية، إلى جانب التعاون مع عدة مراكز بحثية مصرية وعربية.
تحميل المزيد