“سأحاول مجدداً بعد الجائحة”.. مآسي الهجرة غير الشرعية في زمن كورونا

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/05 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/05 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
مآسي الهجرة غير الشرعية لا تنتهي

"سأحاول مجدداً بعد الجائحة"، هي جملة الشاب "مؤيد" في مجلس يتدارس أساليب الهجرة نحو الدول المتقدمة التي تهب فرص حياة أفضل. في المجلس تنوعت اختيارات الحاضرين فمنهم من اختار الهجرة عن طريق الدراسة، العمل، الزواج وهي الطرق الأكثر سلامة وضماناً. في حين فضّل "مؤيد" طريق الهجرة غير الشرعية عن طريق "قوارب الموت"؛ لتعذُّر الوصول إلى الطرق الأخرى.
قصة "مؤيد" كقصة عشرات الآلاف من الشباب في دول العالم الثالث الباحثين عن سُبل للوصول إلى معيشةٍ أكثر عدلاً عن طريق خوض غمار الموت، لكنها خاصة كما لبقية النماذج خصوصية أيضاً.

قوارب الموت في زمن كورونا

لنأخذ الجزائر نموذجاً بما أنها موطن صاحب القصة، وبما أنها أيضاً من بين الدول المتصدرة لمشهد الهجرة غير الشرعية.

كنت قد كتبت مع بدايات ظهور الجائحة وانتشارها عبر العالم في مطلع السنة الحالية، بخصوص الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت: "هدأت الحياة قليلاً في زمن كورونا وأخذت منا كثيراً من الأمور الجيدة كما فعلت مع السيئة أيضاً، وما قوارب الموت إلا أحدها، ولكنها لن تلبث إلا شهوراً قليلة لتعود مجدداً، لتأخذ الأرواح بشكلٍ أكثر قسوة، وتُغرق ذوي الراحلين في جُب أحزان لا مخرج منه".

مع بداية الأمر بدا لي الوضع كما كتبت أعلاه؛ وكما شُلَّت -ولو نسبياً- حركة السفن التي تسبح وتتنقل بشكل عادي وشرعي في البحار والمحيطات، ستُشَّل حركة قوارب الهجرة غير الشرعية أيضاً، فإن كان أمر التنقل بها صعباً والوضع العالمي مستقر، فإن الأمر سيكون مستحيلاً في ظل إغلاق شبه تام في زمن الجائحة.

هل توقفت الهجرة غير الشرعية؟

قبل أسبوع أحبطت وحدات حرس السواحل الجزائرية محاولات هجرة غير شرعية لـ52 شخصاً بالساحل الغربي، حيث اعترضت هذه الوحدات عدة قوارب من صنع تقليدي في الفترة الممتدة من 25 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 1 ديسمبر/كانون الأول 2020، مما سمح بإنقاذ 52 شخصاً.

في 30 أبريل/نيسان الماضي، قامت وحدات حرس السواحل الجزائرية بإنقاذ بحَّار وانتشال جثث أربعة آخرين قبالة سواحل مدينة تيبازة؛ وذلك تلبية لنداء نجدة بعد غرق قارب الصيد الذي كان يقلهم.

في 27 مايو/أيار من السنة الجارية، أعلنت وحدات حرس السواحل عن إحباط محاولتي هجرة غير شرعية لـ12 شخصاً بالسواحل الغربية كانوا على متن قارب من صنع تقليدي بسواحل الغزوات غرب الجزائر.

هذه بعض النماذج فقط لِما أعلِنَ رسمياً من طرف السلطات الجزائرية خلال السنة المغلفة بصفة الجائحة، وأعلنت السلطات الإسبانية في آخر تقرير لها (شهر سبتمبر/أيلول)، دخول أكثر من ألفين جزائري خارج الإطار القانوني منذ بداية عام 2020، وهو العدد الأكبر للوافدين غير الشرعيين إلى الأراضي الإسبانية، في حين أكدت وسائل إعلام إيطالية، أن 66 مهاجراً جزائرياً وصلوا إلى جزيرة سردينيا في ليلة واحدة.

أما جارة الجزائر على اليمين تونس، فقد أعلنت وزارة داخليتها أن قوات خفر السواحل قد قامت بعملية إنقاذ لـ37 مهاجراً جزائرياً في شمال البلاد.

مهاجرون مفقودون!

أوضح مشروع المهاجرين المفقودين الذي أطلقته منظمة الهجرة الدولية، أن عام 2020 كان أقل من سابقيه من حيث المفقودين في البحر الأبيض المتوسط، خاصة خلال السنوات الخمس الماضية، فقد بلغت الذروة في سنة 2015 حين تم إحصاء 1500 مفقود، في حين بلغت بالسنة الجارية ما يقارب 400 مفقود، وأوضحت مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة، أن الجزائر تأتي ثانية بعد تونس في عدد المهاجرين المتنقلين إلى أوروبا براً وبحراً، بين شهري يناير/كانون الثاني وأغسطس.

عودة إلى "مؤيد"

يقول المهاجر غير الشرعي المحتمل "مؤيد": "قبل سنوات حين بلغت الـ18 من العمر، دخلت الجامعة بعد الحصول على شهادة البكالوريا التي لطالما حلمت بها، لم يطل الأمر كثيراً حتى قررت ترك محاضرات الكلية وأقسامها التطبيقية، والهروب من جحيم البلد بالهجرة إلى أوروبا عبر بوابة غربية إسبانية رفقة بعض الأصدقاء، حضَّرت كل شيء ودعوت ابن عمي واثنين معه إلى السفر في قاربنا الذي يرسو بأحد شواطئ مدن الغرب الجزائري، لم تمر بضعة أيام فقط حتى أخبر ابن عمي والدته بأنه قرر الهجرة رفقتي، لتتخذ بعد سويعات من بيتنا مستقراً تلوم فيه والدتي كل ثانية ودقيقة بأن ابنها يجر ابني للهلاك، مرت أيام  وتمكنت من إقناع ابنها بالعدول عن قرار السفر والبقاء في أرض الوطن.

والدتي لم تكن تعلم  بقصة سفري وما إن عرفت حتى تكررت اتصالاتها بي وأنا العامل في مجال الطلاء بالغرب الجزائري، ولكن لم أرد على اتصالاتها رغم معرفتي بحالها في تلك اللحظات، وأغلقت الهاتف نهائياً، تاركاً إياها غارقةً في بحر بكاء وحيرة، وقبل ساعات! لا بل دقائق من ركوب قاربنا الذي سينقلنا مما نحسبه جنة ونحن القابعون في النار، اتصلت والدتي لآخر مرة تترجاني أن أعدل عن قراري وأعود وإلا فلا هي راضية عني طول العمر ولا الوالد كذلك الذي سمع بالأمر متأخراً. جلست برهة فكثرت المناداة عليَّ من رفاق السفر القادمين من كل ولايات الغرب ورددوا بلهجة الغرب الجزائري: ('خليك مشوابين طفي التيليفون وأرواح)، كانوا قد قرروا الهجرة نهائياً إلا اللارجعة دون الاهتمام بأي رغبة لذويهم، بعد دقائق من التفكير السريع الذي سبقه أيضاً تفكير لأيام وساعات طِوال، ناديت على أحدهم وأعطيته حقيبتي التي كان تحتوي على بضعة كيلوغرامات من التمر، عانقني بشدة متمنياً لي التوفيق عبر جنبات هذا الوطن، وتمنيت له ذلك أيضاً خارجه، كنت قد قررت نهائياً ألا أسافر والمثول لطلب الوالدة".

هل ستعود قوارب الموت؟ 

"مؤيد" نموذج للشاب الطامح بشدة إلى الهجرة ولو كانت غير شرعية ومؤدية إلى الهلاك، ومثله -لامحالة- شباب يتوزعون عبر ربوع العالم، همهم الوحيد إيجاد سبيل للوصول للضفة الأخرى دون التفكير في أية عواقب ولو كانت وخيمة، وإن لم تمنعهم الجائحة وحالة الإغلاق العالمية عن ذلك، فالأكيد أن غيرها لن يمنعهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

يونس جعادي‎
‏مدون وصحفي رياضي
تحميل المزيد