المدرب الإيطالي الشهير أريغو ساكي له جملة عظيمة، يقول فيها "أنا لا أذهب للمخبز من أجل الخباز، بل من أجل الخبز".. مقصده من الكلام، أن مسيرتك كلاعب كرة قدم، مهما بلغت من العظمة والتألق، لا تعطيك الحق في ممارسة التدريب دون أن تمتلك الجودة والكفاءة الكافيتين لذلك.
معضلة زيدان وتشافي
ورداً على تكراري لتلك الجملة ونقدي لمسيرة زين الدين زيدان التدريبية من خلالها، عاتبني أحد الأصدقاء وأبدى ضيقه وحزنه من انتقاداتي المستمرة لزيدان في الجوانب التكتيكية. لكن كان رده تأكيداً على كلامي، إذ قال "أصل أنا يا أحمد أول ما وعيت على الكرة كان نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2002 بين الريال وبايرن ليفركوزن وعلى هدف زيدان الشهير ومن وقتها وقعت في حبه". وللأسف كان هذا عذراً أقبح من ذنب، بذلك التفكير أنت ذاهب للمخبز من أجل الخباز لا الخبز. أو أنت تحب "زيزو" ومتعاطف معه فقط، لأنه الأسطورة الكروية وليس لأنه مدرب متميز قادر على خلق وتوليد أفكار تكتيكية فذة.
وعلى الناحية الأخرى من الدولة الاسبانية، إن أقمت استفتاءً لجماهير برشلونة عن رغبتهم في هوية المدرب القادم للفريق، ووضعت خيارين فقط، وهما روبيرتو دي زيربي مدرب نادي ساسولو الإيطالي، وتشافي هيرنانديز، أسطورة الفريق ومدرب السد القطري، أعتقد أن غالبية المصوتين سيمنحون ثقتهم لصالح تشافي، رغم أن نوعية وجودة كرة القدم التي يقدمها روبيرتو مع ساسولو نالت إشادة جميع المتخصصين حول العالم، وأثبت أنه رقم ثابت وصاعد في اللعبة، بعدما صنع هوية ممتازة له ولفريقه. بينما تجارب تشافي التدريبية أقل بكثير من دي زيربي، لكن رصيد تشافي كلاعب سيجعل الجمهور يفضله كمدرب ولو على مدرب أفضل منه بكثير حالياً. وتلك هي إحدى المعضلات الحقيقية في كتالونيا الآن، لدرجة أن بعض المرشحين لرئاسة النادي يروجون لأنفسهم بأنهم يحملون مشروعاً رياضياً كروياً سيشرف عليه تشافي حتى ينالوا تعاطف وثقة الجمهور. أي أنهم يلعبون على وتر سذاجة الجمهور، فلو صرح أولئك المرشحون بأنهم سيجلبون دي زيربي أو إيريك تين هاغ، اللذين هما قطعاً أفضل من تشافي، لما وقف المصوتون معهم في الانتخابات.
أزمة بيرلو
نوعية كرة القدم التي لعبها ساري مع إمبولي ونابولي كانت ثورة في إيطاليا، الساريزمو كانت هوية خاصة لماوريسيو ساري، ومن الطبيعي أن زرع هوية ما تحتاج لوقت وصبر ولاعبين قادرين على عكس وتطبيق تلك الهوية في أرضية الميدان. في يوفنتوس، لم يمنح ساري أياً من الوقت أو الثقة، ولم يتم التعاقد مع لاعبين قادرين على تطبيق أفكاره ولم يكن هناك مجال لزرع تلك الهوية في اللاعبين المتواجدين في الفريق. وجلدته الصحافة وتعامل معه الجمهور بحدة وبلا صبر لعدم امتلاكه رصيداً جماهيرياً، فكان مصيره الإقالة، وذلك رغم استمرار نابولي في حصد ما زرعه ساري حتى الآن. وقررت الإدارة استبداله بأندريا بيرلو الذي عاد بالفريق أميالاً للوراء، لكن لا يتم انتقاده مثل ساري، بل إن البعض يلتمس له العذر تلو الآخر.. كل ذلك يحدث لأن بيرلو يمتلك رصيداً يحميه كلاعب وكمدرب.
ما أريد قوله هو أن لاعبي كرة القدم في العصر الحالي يتمتعون بحصانة ليمارسوا مهنتي التدريب والتحليل ولو كانوا غير مؤهلين. ويلقون دعماً كبيراً لا يحصل عليه من هم ربما أفضل منهم، لكن لم يكونوا لاعبين أفذاذاً. وستوديوهات التحليل الكروي في عالمنا العربي خير دليل على ذلك، وتحديداً في مصر التي يعتبر أحد شروط الحضور فيها أن تكون لاعباً سابقاً، ويا حبذا لو ارتديت قميص الأهلي أو الزمالك من قبل.
ثانياً قيمة المدرب ليست فقط في بطولاته، لأنه من الممكن أن يكون تأثيره في الفوز بها ضئيلاً، أو أنه يفوز بطرق تقليدية أو عشوائية. قيمة المدرب تقع في مدى إضافته للعبة كرة القدم، سواء أفكار أو مفاهيم معينة. على سبيل المثال مدرب مغمور مثل خوانما ليو، مساعد بيب غوارديولا حالياً، هو من اخترع خطة 1-3-2-4 التي تلعب بها معظم فرق العالم حالياً. هذا مدرب أضاف إلى كرة القدم بشكل ملموس، رغم أن معظم الجماهير لا تعرف عنه شيئاً لأنه لم يفز بالدوري الإنجليزي أو دوري أبطال أوروبا من قبل. أتمنى أن أحيا لليوم الذي أرى فيه لاعبي كرة القدم السابقين يتقيمون بناء على كفاءتهم وجودتهم في مجالي التدريب والتحليل، لا بناءً على حب الجماهير لهم. أتمنى فعلاً أن تذهب الجماهير إلى المخبز من أجل الخبز، لا الخباز.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.