الحلقة المفقودة: اختفاء الإمارات.. لماذا غابت أبوظبي عن جولة المصالحة التي تتم الآن بين قطر والسعودية؟

عدد القراءات
4,293
عربي بوست
تم النشر: 2020/12/03 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/03 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
الأزمة الخليجية مستمرة منذ 3 سنوات بعد حصار كل من السعودية والإمارات والبحرين لقطر

وصل جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، الأربعاء، إلى الدوحة حيث استقبله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، حسبما نقلت وكالة الأنباء القطرية، وذلك في جولة تشمل قطر والسعودية.

جولة كوشنر الشرق أوسطية، تكتسب أهمّيتها لكونها تأتي قبل أسابيع قليلة من انتهاء عهدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، علاوة على أنّها تأتي بعد أسبوع فقط من اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في العاصمة الإيرانية طهران، وبعد لقاء رفيع المستوى جمع بـ"نيوم" في السعودية كلاً من وليّ العهد محمّد بن سلمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وذلك بحسب ما أكّدته الصحافة الأمريكية، ونظيرتها الإسرائيلية قبل أيّام.

وبحسب يومية الفايننشال تايمز البريطانية نقلاً عن مصادر دبلوماسية وصفتها بالمطّلعة، فإنّ الرياض تريد إغلاق قوس العلاقة المتوتّرة مع الدوحة، خاصة بعد هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث ينظر إلى هذه الخطوة لإنهاء ما اصطلح على تسميته "حصار" قطر، محاولة من وليّ العهد السعودي لكسب ودّ إدارة بايدن الذي أكدّت تصريحاته الإعلامية خلال الحملة الانتخابية عدم استلطافه للسياسات السعودية في عهد سلفه ترامب، خاصة فيما يتعلق بالجانب الحقوقي، مع انتقادات الديمقراطيين للحرب في اليمن وعملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والإيقافات التي طالت رجال أعمال سعوديين، وأفراداً من العائلة المالكة بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية.

وبحسب مَن عرّفته اليومية البريطانية على أنه "مستشار سياسي" للسعودية والإمارات لم تكشف عن هويّته، فإنّ محمد بن سلمان قد أعرب عن استعداده غير المشروط لتقديم تنازلات لحلحلة الأزمة الخليجية، وهو ما أكّده المحلّل السياسي السعودي علي الشهابي، المقرّب من الديوان الملكي الذي أكدّ أنّ القيادة السعودية تتعامل منذ أشهر مع هذا الملفّ كأولوية .

وفي تصريح صحفي له على هامش منتدى الأمن العالمي الشهر الماضي، قال روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي الأمريكي، إنّ رفع الحصار المفروض من دول خليجية على قطر منذ صائفة 2017، يعتبر من أولويات الإدارة الأمريكية خلال السبعين يوماً المتبقية من عمرها، لحين تسليم السلطة للإدارة الجديدة، مشدّداً على ضرورة إقامة علاقات ودّية بين دول الخليج من أجل تحقيق توازن في مواجهة إيران في المنطقة، وهو ما تقاطع مع ما نشرته وكالة بلومبيرغ وفقاً لمصادرها، بعد لقاء كوشنر وأمير قطر تميم بن حمد، حول التوصّل لإتّفاق أوّلي يقضي بفتح الحدود الجوّية والبرية بين السعودية وقطر.

إذا كان هناك إجماع من أغلب المراقبين، بأن المصالحة الخليجية تأتي على رأس جدول أعمال جولة كوشنر الخليجية، فإن هناك حلقة مفقودة في الموضوع وهي غياب الإمارات عن أجندة المباحثات، على الرغم من دورها المتعاظم في المنطقة، وتأثيرها الجيواستراتيجي، واشتراكها مع السعودية في صياغة الخطوط العريضة للسياسات والتوجّهات في المنطقة ووقوفها المباشر وراء الحصار على قطر سنة 2017.

هذه الحلقة المفقودة قد نعثر عليها في ثنايا تصريحات يوسف العتيبة السفير الإماراتي في واشنطن، الأسبوع الماضي، خلال مشاركته في لقاء لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بإدارة عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية؛ حيث اعتبر العتيبة أنه لا يتوقّع انفراجاً قريباً في الأزمة الخليجية، وذلك لغياب مراجعات حقيقية من قطر لمواقفها، وانخراطها ضمن محور راديكالي العقيدة حسب وصفه، وهو محور يضمّ كلّاً من إيران وتركيا.

تصريحات العتيبة وغياب أبوظبي عن أجندة جولة كوشنر الخليجية، مؤشّران ثقيلان يدلّان على تباين الموقف بين السعودية والإمارات حول الأزمة مع الدوحة، وليست هذه النقطة الخلافية بين أبوظبي والرياض، فقد شهدت العلاقات بينهما في الفترة الاخيرة "بروداً " واضحاً، تأكّد مع ضبابية المشهد المستقبلي في ظلّ الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن.

وفي مقال سابق تحدثّت مجلّة ذا ناشيونال إنترست عن هشاشة التحالف الإماراتي السعودي القائم بالأساس على علاقة صداقة شخصية قوية، تجمع محمد بن زايد بمحمد بن سلمان، دون رؤية استراتيجية واضحة لا سيما في الحرب في اليمن أو العلاقات مع طهران، أو حتّى في شروط التفاوض مع الدوحة، حيث وضعت أبوظبي شروطاً تعجيزية لحلحة الأزمة سابقاً (إغلاق قناة الجزيرة وإيقاف التعاون العسكري القطري مع تركيا…) كما دعمت الانفصاليين في اليمن ضد الحكومة المدعومة من السعودية، واستهدفت مصالحها في عدن عبر غارات جوية، وهو ما كشف عن شرخ وتباين في المصالح بين دبي والرياض ضمن التحالف الذي شكّل لقتال الحوثيين، ففي الوقت الذي دخلت فيه السعودية للحرب في اليمن بهدف الحدّ من التوسّع إيران عدوّها الإقليمي ولو بشكل غير مباشر، فإن أهداف الإمارات كانت مختلفة بشكل شاقولي بمحاولة السيطرة على الموانئ وملاحقة جماعة الإخوان المسلمين.

تصريح يوسف العتيبة – وهو الدبلوماسي الأول للإمارات في واشنطن وأحد أكثر الشخصيات العربية ارتباطاً بدوائر القرار هناك وتعاملاً مع جماعات الضغط – والذي استبعد التوصّل لتسوية مع قطر، تضمّن إشارة مهمّة وهي التقارب القطري التركي، وهو ما يحيلنا على اهتمام الصحافة التركية مؤخراً بالعلاقات مع المملكة العربية السعودية وتثمين التطورات الإيجابية التي عرفتها، وكان أولّها في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني بتقديم العاهل السعودي الملك سلمان للتعازي للدولة التركية في ضحايا زلزال ولاية إزمير وتقديم المساعدات للمتضرّرين.

بادرة "حسن النية" السعودية قابلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمثل، عبر تواصله مع الملك السعودي يوماً واحداً قبل قمّة العشرين التي استضافتها الرياض الشهر الماضي، ثم كان اللقاء الودّي بين وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، الذي أكّد أن "الشراكة القوية بين تركيا والسعودية ليست لصالح البلدين فحسب بل للمنطقة بأكملها".

التسليم بأن المحور الأساسي لزيارة كوشنر للخليج العربي هو المصالحة بين "الإخوة الأعداء" لا يعني بأي حال من الأحوال التسليم بحسن نوايا واشنطن، وتصويرها على أنها راع للسلام في العالم، خاصة إذا ما دقّقنا في تركيبة البعثة التي ترافق صهر الرئيس الأمريكي، والتي تضمّ أفي بيركوفيتش مستشار ترامب لشؤون الشرق الاوسط، وبريان هوك المبعوث السابق لإيران، فالمؤكّد أن الملفّ الإيراني مطروح بشكل قويّ خلال هذه الجولة بعد أسبوع من اغتيال العالم النووي الإيراني محسن زادة في قلب العاصمة الإيرانية طهران، ومع اقتراب الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وتأهّب أمريكي في المنطقة استعداداً لعمليات انتقامية تستهدف مصالحها ورعاياها وجنودها في المنطقة، وحالة التوتر القصوى في وقت تتدفّق فيه حاملات الطائرات والسفن الحربية الأمريكية إلى الخليج، ترافقها جوّاً القاذفات العملاقة B52.

السعودية من جهتها تعيش حالة من القلق الأمني، خاصة أن منشآتها النفطية معرّضة في أيّ وقت لهجمات صاروخية، كما أنّ حدودها الجنوبية مع اليمن ليست مؤمّنة مع سيطرة ميليشيات الحوثي على الشريط الحدودي، وهو ما خلق قناعة لدى القيادة السعودية، بأن التهديد الحقيقي لأمنها القومي ليس مصدره قطر، بل جهات فاعلة أخرى في المنطقة، وهو ما يمكن أن يدفعها للتفكير ببراغماتية، والتقليل من الأعداء حتّى وإن اقتضى الأمر تصدع تحالفاتها السابقة الهشة التي أغرقتها في مستنقع اليمن وهجمات صاروخية باليستية تضرب أهدافاً في عمقها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

طارق عمراني
كاتب وصحفي تونسي
تحميل المزيد