لم تكد تجف دماء قائد فيلق القدس قاسم سليماني بعد عملية أمريكية قرب مطار بغداد حتى استيقظ الإيرانيون على خبر اغتيال العالم محسن فخري زادة، الذي يلقب بأبو القنبلة النووية الإيرانية ليضاف إلى قائمة المسؤولين والباحثين الذين ثم اغتيالهم بعد كل من أردشير حسن بور سنة 2007 ومسعود علي محمدي سنة 2010 وماجد شهرياري وآخرين.
أصابع الاتهام وجهت تلقائياً دون البحث حتى عن الأدلة إلى إسرائيل وأجهزتها الإستخباراتية، حيث لم تنفِ هذه الأخيرة ضلوعها في الاغتيال، بل اعترفت بشكل غير مباشر من خلال تصريح رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بأنه قام بأشياء لا يستطيع قولها الآن، وكان نتنياهو قد أشار بالاسم إلى خليل زادة سنة 2018 قائلاً: تذكروا هذا الإسا جيداً!
البحث عن حرب شاملة
تحاول إسرائيل منذ مدة إخراج إيران من الجحر لخوض حرب شاملة معها وبشتى الطرق، متسلحة بدعم أمريكي غير مشروط، ومع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة سنة 2016 أصبحت كل السيناريوهات ممكنة بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران وفرض المزيد من العقوبات عليها.
يعرف الإيرانيون أن الحرائق والانفجارات التي وقعت في أماكن متفرقة في البلاد ليست حوادث عرضية إنما هي بفعل تخطيط دقيق تقف وراءه إسرائيل وأمريكا، ويمكن الحديث حقيقة عن اختراق استخباراتي إسرائيلي للمنشآت النووية الإيرانية.
في المقابل تزيد إيران من تقوية وكلائها في المنطقة، الذين يشكلون تهديداً حقيقياً لإسرائيل في كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن من أجل خلق توازن استراتيجي مع إسرائيل وأمريكا في الشرق الأوسط.
كانت إيران ولا تزال تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وهذا التهديد سيتعاظم إذا امتلكت إيران أسلحة نووية، وبالتالي يريد الإسرائليون الدخول في حرب شاملة ضد إيران من أجل تدمير كافة مرافقها النووية، وجعل حلمها في امتلاك هذا السلاح مستحيلاً، لكن يبدو أن الإيرانيين فطنوا إلى الخطط الإسرائيلية من أجل جرهم إلى حرب شاملة، فلم تكن ردة فعلهم على مقتل الجنرال قاسم سليماني بالشكل الذي توقعه البعض، بضع ضربات صاروخية على قاعدة عين الأسد في العراق، التي تضم قوات أمريكية لم يُصب أي فردٍ منها، ردُّ فعلٍ رأه مراقبون سيناريو محبوكاً من أجل إسكات الداخل الإيراني على مقتل الرجل القوي في الحرس الثوري الإيراني.
يظهر من خلال ردود الأفعال الإيرانية أنهم لا يريدون الدخول في حربٍ شاملة قبل امتلاك سلاح نووي يعطيهم عزيمة صلبة وهيبة إقليمية، تجعل إسرائيل وأمريكا تفكران ألف مرة قبل الاقتراب من إيران أو مصالحها في المنطقة، ويعرف الإسرائيليون أن إعطاء ايران المزيد من الوقت كفيلٌ بوصولها إلى صنع قنبلةٍ نووية، ومن المرجح أن عامل الوقت سيكون مناسباً للإيرانيين الآن بعد فوز جو بايدن بالإنتخابات الأمريكية، حيث من المحتمل أن يعود الرئيس المنتخب إلى الاتفاق النووي، وإلغاء العقوبات المفروضة على إيران، وهذا ما تراه إسرائيل فسحة زمنية مهمة لبلاد المرشد الأعلى.
اغتيال بعد تشتيت الانتباه
قبل أيام أفادت مصادر إعلامية أمريكية وإسرائيلية أن دونالد ترامب بحث مع مستشاريه إمكانية توجيه ضربات عسكرية أمريكية لمنشآت نووية إيرانية، لكن مستشاريه نصحوه بعدم فعل ذلك، في المقابل صرح مسؤولون إيرانيون أن فترة السبعين يوماً الانتقالية المتبقية لترامب قد تدفع الأخير لارتكاب حماقات بحق إيران.
ألم تكن تلك التصريحات الأمريكية مجرد خطة لتشتيت انتباه الإيرانيين، وجعلهم يشددون على حماية منشآتهم النووية ومرافقهم الحيوية، الأمر الذي تركهم يرتكبون هفوةً أمنية خطيرة في حماية العقل المدبر لبرنامجهم النووي في شخص محسن فخري زادة.
من المؤكد أن الإسرائيليين أرادوا من وراء هذا الاغتيال تسميم العلاقة بين جو بايدن وإيران قبل بدئها رسمياً، ما يجعل الرئيس الجديد ينأى بنفسه عن أي عودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فهم لا يريدون أي تقارب أمريكي-إيراني على المدى القريب، ويريدون أن ينسفوا كل رسائل الغزل التي يبعثها جو بايدن إلى المسؤولين الإيرانيين أو العكس، لأنهم يعرفون أن ترامب لن يعود، وبالتالي لن تعود كل تلك الهدايا التي قدمها لإسرائيل، ما جعله أكثر رئيس أمريكي صداقة لإسرائيل حسب تعبير نتنياهو.
قد يكون هناك ردٌّ إيراني بعد مقتل محسن فخري زادة، عبارة عن هجوم فردي على سفارة إسرائيلية في دولةٍ ما، أو اغتيال شخصية إسرائيلية، أو هجوم أحد وكلاء إيران على الحدود الإسرائيلية، لكنه من المستبعد جداً أن يكون هناك رد إيراني مباشر على إسرائيل، لأنه في هذه الحالة قد تمنح إيران تلك الهدية التي يبحث عنها الإسرائيليون والأمريكان، وهي الدخول في حربٍ شاملة قد تكون انتحاراً بالنسبة لها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.