المنقذ الذي لولاه لغرق الوطن.. كيف يخدع الإعلام العربي جماهيره بضرورة وجود الطواغيت؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/02 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/02 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش

الإعلام ليس وسيلة حديثة أو معاصرة، بل هو وسيلة اجتماعية واكبت الإنسان عبر عصور طوال؛ لأنه يقوم على ميزة يختص بها الإنسان اجتماعياً، وهي التواصل. 

لكن هذه الوسيلة تطورت بتقدم التقنية، ففي البداية كانت تُستعمل الرسائل كوسيلة إعلام، والتي كانت تُحمل بواسطة رسول، أو بواسطة الحمام الزاجل. وعندما ظهرت المطابع، بدأت الجرائد تخرج للعلن، وزاد هذا من مضاعفة انتقال الخبر، ليتطور الوضع بعدها بظهور الراديو، الذي ساعد في زيادة سرعة انتقال الخبر، ليتبعه التلفاز الذي أعطى للإعلام طابعاً خاصاً، و هو  الاحتكار من طرف أشخاص أو مؤسسات لها مصالح اقتصادية وسياسية. وفي الأخير، ظهر الإنترنت الذي أفرز مواقع التواصل الاجتماعي، التي دمقرطة الإعلام.

لن أدخل – طبعاً – في تفاصيل التطور الذي شهده الإعلام، وما تميز به في كل مرحلة من هذا التطور، وإنما سأقتصر هنا على توضيح الكيفية التي يُساهم بها في استمرارية سيطرة الطاغوت. وسآخذ مرحلة التلفاز كنموذج مهم لهذه المساهمة، نظراً لطابعه الخاص المتميز باحتكاره من القوى السياسية والاقتصادية، بعيداً عن الطبقة الشعبية. وهذا عكس الإنترنت، الذي أضحى فيه الإعلام ديمقراطياً.

الإجراءات التي يتخذها الإعلام لاستمرار سيطرة الطاغوت

يلعب الإعلام دوراً مهماً في توجيه الرأي العام، بل صناعته، لتحقيق هدف مصلحي لطبقة معينة من المسيِّرين له، خاصة أنه (أي الإعلام) هو السلطة التي تحتكر نقل الأخبار عبر ربوع الدولة؛ مما يجعل انتباه الناس مشدوداً إليه، لمعرفة الأحداث التي تجري في وطنهم، وبما أنه لا وسيلة أخرى تناقضها في هذا العمل، فإن التلفاز ينجح في غالب الأحيان، بأن يُرغم الشعب بقوته اللينة على تقبل وتصديق أي خبر والمعلومة بسهولة (وقد أسقط الإنترنت هذا الأمر مؤخراً).

ما يهمنا في هذا المقال هو توضيح الكيفية التي يستطيع من خلالها الطاغوت أن يوجه الرأي العام إلى ما يضمن له استمرارية سيطرته عليهم، عن طريق الإعلام، الذي يتخذ إجراءات متنوعة لتحقيق ذلك:

1- إظهار الطاغوت كشخصية رئيسية

يقوم الإعلام من خلال هذا الإجراء بإظهار الطاغوت على أنه أهم شخصية في الوطن، وبأنه البطل الذي تتمحور حوله الأحداث جميعها، وأنه المنقذ الذي لولاه لغرق الوطن في الفوضى، وذلك مثلاً بوضع مقارنة بين فترة من الماضي كانت تتميز بالفوضى، ولقطات من الحاضر تتميز بالجمال والرخاء، أو بوضع مقارنة بين الوطن الذي يقوده هذا الطاغوت، وبلد آخر أقل مرتبة منه

2- تحويل انتباه الشعب عن أخطاء الطاغوت إلى أخطاء أخرى

يحاول الإعلام، بما لديه من سلطة رمزية، أن يغطي على أخطاء الطاغوت، إن أصبحت أخطاؤه جد واضحة، وذلك عن طريقة وضع الرأي العام في حدث مفجع، ومربك، يكون ضمنه أحد أفراد الشعب هو المسؤول عنه، وذلك لينسى الرأي العام أخطاء الطاغوت الواضحة. كما يستخدم الإعلام وسائل المتعة كالسهرات الغنائية أو البرامج الترفيهية لإلهاء أفراد الشعب، وتحويل اهتمامهم من النقط الحيوية إلى النقط الاسترخائية.

3- إضفاء الشرعية على أفعال الطاغوت

يستخدم الإعلام استراتيجية جد قديمة وجد مؤثرة، ذات تأثير بعيد المدى، وهي استراتيجية "التكرار"، إنها استراتيجية تُستعمل في التعليم، ويُؤكد عليها علماء علم النفس الإعلامي، لاستخدامها في الإشهارات.

إن هذه الاستراتيجية يستخدمها الإعلام لإضفاء الشرعية على أفعال الطاغوت، وذلك بوضعه دائماً في مكانة الحكيم الذي يتخذ القرارات الناجعة، والتي لم تُخطئ أبداً، وبتكرار هذه المسألة يُصبح الشعب في وضع المستقبل السلبي، الذي يتقبل وضع الطاغوت كحكيم.

ليس هذا فقط، بل يُحاول الإعلام أيضاً أن يجعل الأخطاء التي يقترفها الطاغوت على أنها من مسؤولية شخص آخر، قد تمت معاقبته من طرف الطاغوت نفسه. وبتكراره لهذا الحدث، يُصبح أي فعل ناجح من مسؤولية الطاغوت، وأي فعل فاشل من فعل شخص آخر.

بل أكثر من ذلك، يعمل الإعلام على إظهار قرارات الطاغوت على أنها أحكم القرارات التي تم اتخاذها في تاريخ البلد، وذلك باستحضار المثقفين المزيفين، الذين يقومون بمناقشة الأمر بتأريخية منحرفة، للوصول إلى النتيجة التي كانت أصلًا فكرة مسبقة قبل بداية المناقشة. أي أنهم يتخذونها كمُسلمة بديهية، ثم يقدمون الأدلة التي تؤكدها، حتى وإن كانت مُصطنعة.

4- إظهار الطاغوت على أنه جزء لا يتجزأ من هذا الشعب

عندما يشعر الشعب بأن الطاغوت يوجد بعيداً عن معاناتهم (وهذا الشعور أفرزه ظهور مواقع التواصل الاجتماعي)، يُسارع الإعلام لاستباق النتائج المشؤومة التي يُمكن أن يُفرزها هذا الشعور، لهذا يُحاول أن يجعل من الطاغوت ذلك الشخص الذي يُحس بأفراد شعبه، ويرأف عليهم، ويعيش معاناتهم، عن طريق وضعه في مقام المساعد الرحيم. وذلك بتصوير مقاطع يقوم خلالها هذا الطاغوت بتقديم بعض المساعدات البسيطة، التي يُضخمها الإعلام لتصبح من درجة المساعدة، التي لا يُمكن أن يُقدمها أحد سواه.

كما يقوم الإعلام بإظهار الطاغوت على أنه شخص من الشعب أصلاً، يُشبههم في حياتهم اليومية، حيث إنه يُصوِّر حياته الشخصية كأب رؤوف، وزوج وفيّ، ورجل أسرة الذي تقوم عليه لبنات البيت. ويكون هذا ناجعاً، خاصة إن كان الطاغوت جَدّاً يمسح على رأس أحفاده.

إن الإعلام عراب الطواغيت، يعمل جاهداً على تزييف الحقائق حتى يُحافظ على استمرارية سيطرتهم التي تتآكل، كلما شعر الشعب بأنه مخدوع، وكلما شعر بذلك، سارع الإعلام إلى اعتماد الأكاذيب على أنها حقائق، لتجاوز هذا الشعور، وكلما كثرت الأكاذيب أصبحت أكثر وضوحاً على أنها أكاذيب، ولكل إفراط جرعة زائدة تؤدي إلى الانهيار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أمزيل
باحث وكاتب مستقل
تحميل المزيد