"أخذها الآن مارادونا، واثنان يحاصرانه، يلمس الكرة مارادونا، ينطلق عبقري الكرة العالمية إلى اليمين يريد أن يمرّرها إلى بوروتشاغا، لكن دائماً مارادونا! عبقري! عبقري! عبقري! تا! تا! تا! جووووووووول!جوووووووووووووول!!! أريد أن أبكي! إلهي المقدّس! لتحيا كرة القدم! جولاسووووو! دييغوووووو!مارادوناااا! إنّه مبكٍ سامحوني!مارادونا في انطلاقة خالدة، في لقطة كلّ العصور! طائرة ورقيّة كونيّة! من أيّ كوكب أتيت؟! تاركاً على آثارك كلّ هؤلاء الإنجليز، جاعلاً أمّةً بأسرها كقبضةٍ تصرخ للأرجنتين! الأرجنتين 2 إنجلترا 0 دييغول! دييغول! دييغو أرماندو مارادونا! شكراً يا إلهي على كرة القدم! على مارادونا! على هذه الدموع! الأرجنتين 2 إنجلترا 0".
المعلّق والكاتب والصحفي الأورغوياني فِكتور هوغو مورالِس، واصفاً أفضل هدف في تاريخ لعبة كرة القدم، الذي كان سجّله نجم منتخب الأرجنتين دييغو أرماندو مارادونا في شباك منتخب إنجلترا، في ربع نهائي "مونديال مارادونا"عام 1986 في المكسيك. انطلق بالكرة من منتصف الملعب مراوغاً كل من قابله من الإنجليز، قبل أن يُسكن الكرة في شباك حارس إنجلترا بيتر شيلتون.
يقول الروائي النيجيري المعروف تشينوا اتشيبي: إن موت معمرٍ إفريقي هو بمثابة موت مكتبةٍ.
واليوم والعالم يعيش في حدادٍ على وفاة الفتى الذهبي مارادونا، نحن حتماً نرزح أمام ثقل موت لعبة كرة القدم، بكل ما مثّله لها دييغو وبكل أثره المهول الذي تركه على الملايين من عشّاق المستديرة.
دييغو مارادونا الاستثنائي!
اليوم تطالعنا الصحافة الإنجليزية بوابلٍ من العناوين الساعية للانتقام من صاحب هدف "يد الرب"، وهي وإن كانت تعبّر عن نظرةٍ اختزاليةٍ لهذه الصحف، فهي كذلك تعبّر عن مدى التأثير الذي تركه مارادونا، سواءً عبر إبداعاته المهارية الاستثنائية أو حتى عبر ألاعيبه المخادعة.
مارادونا الذي وثّق مسيرته خارج المستطيل الأخضر عبر علاقاته مع الثوّار واليساريين ومقاومي الاستعمار، على غرار فيديل كاسترو وهوغو تشافيز وسواهم، لم يرَ في فعلته في الهدف الذي سجّله باليد غشاً، بقدر ما هو تدخلٌ إلهيٌّ، كما صرّح في مقابلته مع هداف "مونديال مارادونا" الإنجليزي غاري لينيكر.
يمكن قول الكثير عن استثنائية مارادونا خارج الملعب، والتي وسمتها حياة الإدمان على المخدرات والخمور وعشق النساء، ولكنّ مارادونا كرة القدم كان أكثر استثنائيةً، سواءً كمهاريٍّ من طرازٍ نادرٍ، أو كقائدٍ في الملعب بإمكانه قيادة حتى الفرق المتوسّطة لمنصات التتويج، كما فعل مع نابولي والأرجنتين.
تمكّن ليونيل ميسي من محاكاة هدفي مارادونا في مباراة برشلونة أمام خيتافي في كأس الملك الإسباني، وتمكّن حتى من تجاوز عدد أهداف مارادونا وباتيستوتا مع منتخب التانغو، ولكنّه إلى اليوم لا يزال يعيش مرارة مقارنة جماهير الأرجنتين لإنجازاته الخجولة مع المنتخب بمنجزات دييغو المبهرة، وعلى صعيدٍ آخر تمكّن البلجيكي دريس ميرتنز من تحطيم رقم مارادونا كأفضل هدافٍ مع نابولي، ولكنّ مقارنة هذا البلجيكي "القصير هو الآخر" بمنجزات دييغو في مدينة الجنوب الإيطالية ستثير عاصفةً من الضحك والسخرية لدى نابوليتانيٍ صغيرٍ تابع أشرطة مارادونا مع نابولي فحسب.
عبقري يملؤه الشغف
كمشجعٍ لفريق بوكا جونيورز كان حلم مارادونا الأول هو ارتداء قميص "فريق الفقراء" في بوينس آيرس، ولكن الحلم لم ينتهِ لدى دييغو بارتداء قميص ناديه المفضّل مرتين، ولكنّه كان دافعاً له لمواصلة شغفه باللعبة، والذي لا يخجل من إظهاره حتى كمشجعٍ للبوكا في الديربي أمام العدو التقليدي ريفر بلايت، حيث اعتاد الدخول في نوبةٍ هستيريةٍ من الهيجان في التشجيع في مدرجات اللابومبونيرا.
هذا الشغف رافق مسيرة مارادونا كلاعبٍ وأيضاً كمدرب، على الرغم من عدم تحقيقه الكثير من الإنجازات على الصعيد التدريبي، والأهم من هذا كلّه كإنسانٍ، يتعامل مع كل شيءٍ بشغفٍ كبيرٍ، مثلما يتعامل كذلك مع الآخرين، تاركاً لديهم قدراً كبيراً من الإعجاب والتقدير، الذي فرضه على جلّ من تعامل معه.
مارادونا الذي فقدناه بالأمس هو صورة كرة القدم المشرقة، وحتى إن لم تعاصره الأجيال الصغيرة كما فعلت الأجيال الأكبر فهو حتماً يشكّل أيقونةً عابرةً للأجيال والعصور، مارادونا الذي يداعب الكرة كجزءٍ من جسده، يتحكّم به ويوجهه كما يشاء، استطاع التأثير في عالم كرة القدم لعقودٍ، ولن ينتهي هذا التأثير بوفاته.
خلفيات الوفاة
قال محامي الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا إن النجم الأرجنتيني الذي يعتبره كثيرون أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم توفي اليوم الأربعاء نتيجة أزمة قلبية.
وعانى مارادونا (60 عاماً) في الآونة الأخيرة من أزمات صحية وخضع لجراحة طارئة لعلاج تجمع دموي بالمخ قبل أسابيع.
وأعلن رئيس الأرجنتين ألبرتو فرنانديز الحداد العام لثلاثة أيام بعد وفاة مارادونا.
وذكرت وسائل إعلام أرجنتينية ومصادر مقربة من مارادونا أنه أصيب بأزمة قلبية في منزله بضواحي بوينس أيرس اليوم الأربعاء.
وقاد مارادونا الأرجنتين للتتويج بكأس العالم 1986.
وغادر لاعب برشلونة ونابولي وبوكا جونيورز السابق المستشفى يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري وانتقل إلى مركز تأهيل لعلاجه من إدمان الكحوليات.
وبقي مدرب خيمناسيا إسغريما في المستشفى لفترة أطول من المتوقع بسبب أعراض الانسحاب نتيجة انقطاعه المفاجئ عن تناول الكحوليات.
وقبل دقائق من الإعلان عن الخبر الذي هزّ العالم بأسره، تداولت الصحافة الارجنتينية أخباراً عن تدهور صحة لاعب نابولي الايطالي السابق، مشيرة إلى أنه كان يتلقى العلاج من قبل الأطباء في منزله شمال العاصمة.
ونقلت قناة TYC الرياضية: "هناك أربع سيارات إسعاف أمام مكان إقامته. لقد دعوا أفراد أسرته للقدوم. الأمر خطير".
وتخللت حياة النجم الأرجنتيني العديد من المشاكل الصحية، كادت بعضها تودي بحياته.
وتعرض مارادونا عام 2000 لنوبة قلبية بعد جرعة زائدة من المخدرات في مدينة بونتا ديل إستي الساحلية. خضع بعدها لعلاج طويل في كوبا.
وفي عام 2004، عندما كان وزنه أكثر من 100 كيلوغرام، تعرض لنوبة قلبية أخرى في بوينوس آيرس، لكنه نجا. ثم خضع لعملية جراحية في المعدة سمحت له بانقاص وزنه 50 كيلوغراماً.
وفي 2007 اسفر تعاطيه المفرط للكحول إلى نقله إلى المستشفى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.