المرأة الشرقية في “الكافرة”.. منتهكة من “الدواعش” في بلادها ومن روّاد الحانات في الغرب

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/25 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/25 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
نساء أيزيديات هاربات من داعش، أرشيفية/رويترز

يقال إن الرواية وليدة مُناخ اجتماعي سمح بخيال الكاتب التسرب أكثر وأكثر لاختلاق أحداث تتفوق على الواقع في الخيال والمحاكاة الذاتية للشخوص. وذلك من دون أن يغمض جفن للحوار المحتدم فيما بين الشخصيات في ذهن الكاتب الروائي. الأعمال السردية الروائية نزيف لما بعد الحدث الحقيقي، ذلك الانطباع الذي تخلفه وراءها الأماكن والأزمنة في التواصل بين الحالة البرانية والجوانية، القرب والبعد، ما قبل وما بعد.

على مر تاريخها، تنقلت الرواية العربية بين أقطاب عدة، فمن محاربة الاستعمار نحو بناء وطن قومي متحد مع من يقاسمونه العروبة والدين والمعتقد. ثم إلى تيار التلاحم مع الغرب مع جيل الستينيات، وإلى السيرة الذاتية التاريخية، غير أن كل هذه الانتقالات لا يمكن فصلها بحكم استمراريتها في عدد من الأعمال لحد الساعة. وصولاً للعنف الذي صارت تؤسسه جماعات متطرفة منفصلة عن الدول والمؤسسات لزعزعة السلم والأمن أو تؤسسه الدولة والنظم السياسية في توحشها ضد شعوبها. 

في هذا النزال ظهر ما يمكن أن نسميه "أدب الإرهاب" على شاكلة أعمال أدبية تؤرخ الفواجع التي عاشها المدنيون على أيدي المسلحين. وفي هذا الإطار كتبت رواية "الكافرة" للكاتب العراقي علي بدر، سنة 2015، عن دار المتوسط بإيطاليا على امتداد 227 صفحة من الحجم المتوسط. "الكافرة" هي عمل أدبي فني ذو لغة براغماتية تحتج على القارئ بمرآة الفجاجة، الوحشية، التي شهدتها صحراء العراق على إثر اجتياح جهاديي "داعش" لها، إذ تحولت القرية التي تقيم فيها البطلة فاطمة إلى جحيم تُباع فيه الأيزيديات الفاتنات كسبايا غصباً، وتنتهك فيه حرمات بيوت أهل القرية. زمن أسود تدور في فلكه حياة الشخصية المحورية بالعراق. 

تدور أحداث الرواية في مدار مخضب بالدماء، إذ تعيش البطلة أطواراً مختلفة من أشكال العنف تعاينها بصيغة أولية في علاقة أبيها مع أمها، تلك الخادمة المجانية التي لا ترفض ولا تقبل تكتفي بصمت طويل فقط وابتسامة تخفي مخاضاً من الآلام. فيما بعد يتنقل الدور عليها هي الأخرى في علاقتها مع زوجها "رياض" الذي يتحول من شاب وديع مسالم يرسم للأطفال شخصيات كرتونية إلى جهادي ينوي التضحية بحياته. وبعد وفاته ووفاة أمها، ستهرب إلى بلجيكا لتتحول إلى "صوفي"، امرأة مخصبة بالرغبة والشره نحو الحرية تلك التي ستقودها لمعرفة جهاديين من دون سلاح يحاولون الاستيلاء عليها بهدوء وليونة واستكانة. 

في هذه الدوامة ستلتقي أدريان، شاباً بدا لها في الوهلة الأولى غربياً لتكتشف في نهاية الرواية أنه عربي ليس إلا متزوج وله بنت، ذو جنسية لبنانية لم يسلم هو الآخر من ويلات التطرف إثر حرب تموز 2006 بلبنان التي أجهضت حياة العديد من المسيحيين.

الكافرة

ناقشت "الكافرة" فكرة المجتمعات البطريركية بين الشرق والغرب المبينة على نفس المبدأ "الذكورية" حيث لا فرق إلا في جدلية المجتمع المدني ونقيضه البدني التي يستوطن في الضفة المقابلة للدول العلمانية. خاض كاتب الرواية علي بدر مغامرة الانتقال من بين الأقاصي لتغيير شخصانية الرواية من حيث الوسيلة التي تمكن كل مناخ من الجسد، حيث الحيلة غرباً والسيف شرقاً، لكن "التشيؤ" الذي تعيشه المرأة هو هو نفسه لا يتغير. 

تطرح الرواية مساءلة للمجتمعات حول الدور المنوط بالمرأة داخلها، ليس كموظفة أو عاملة أو متعلمة، بل كذات تتحرك في فضاء ديناميكي شكلياً لكن عمقه ثابت.

لم يتيم صاحب جائزة "أبو القاسم الشابي" بتونس ولو لوهلة واحدة بالفرضية التي نجح في تدجينها المستشرقين حول الرجل الشرقي المتعصب الذي يقابله نظيره الغربي المتمدن اللبق. معتبراً أن العالم الموضوعي الحداثي بين الشرق والغرب بقي ثابتاً متفقاً على جملة من الاعتبارات والانطباعات اللاشعورية كان أبرزها "المرأة كانعكاس لجسد شهي"، حيث يثير شهوة الاغتصاب بفعل القوة بالنسبة للمتطرفين، بينما ينظر إليه في الحانات والمقاهي الأوروبية كما لو أنه طبخة تستوي على مهل ببهارات الكلام الحلو، المجاملات، الإغراء.

تجمع الرواية ما بين المونولوج والحوار بين الشخوص التي أفرزت الهشاشة، الذاكرة، الجسد، ثلاثية حكمت سيكولوجية فاطمة أو "صوفي" وأدريان. لكن تبقى الشخصية البطلة هي فاطمة لأنها حملت على عاتقها ثقل المأساة والمرارة في لحظات الشك، التذكر.

الرواية تضج بالإثارة والتشويق في خط متوازٍ بين الشرق والغرب من صحراء العراق لحانات وفنادق بروكسل.

تحتمل الرواية أكثر من قراءة في طرحها لأزمة الإنسان المعاصر في الضفتين، وحل العقدة مع الغرب المستعمر سابقاً والمهيمن في زمن الحاضر.

صحيح أن القراءة الأدبية الإبداعية انتقلت من القرن التاسع عشر من الغور في نوايا صاحب النص والظرفية المؤطرة له في لحظة القراءة نحو النظرية البنيوية التي تحكم على النص بعيداً عن شخصية مؤلفه والظرف التاريخي، وعلى اللغة بالاستبعاد من إطار سلطة كاتبها أو المتكلم بها. إلا أن نفي الذات الصانعة للنص خارجه لا يزال يواجه تعثرات من هذا القبيل أو ذاك، في خضم تغيرات اجتماعية تعيد إنتاج كلاسيكيات تغرق لمبدأ الدارويني (الحفاظ على البقاء) خلف سطور النص، فبمجرد التطرق لجانب من جوانب العنف أو العنف المضاد تحضر كثافة التيارات الواقعية التي أطرت المصلحة في لوح اليقين.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إيمان بلعسري
كاتبة مغربية
كاتبة مغربية، حاصلة على درجة الليسانس في القانون العام والعلوم السياسية من جامعة محمد الخامس. مهتمة بالفكر والفلسفة والآداب.
تحميل المزيد