من هم فقهاء السلطان؟
إنهم أشخاص يوجدون بمحيط السلطان، والمقصود بمحيط السلطان، ليس المكان حيث يقطن، وإنما المقصود هو النظام المصلحي الذي يستفيد منه، أي النطاق الفكري والتنظيمي الذي يخدم مصالحه وبقاءه. فحتى ولو كان هؤلاء الفقهاء في كوكب الزهرة، والسلطان في كوكب المريخ، وكانوا يدافعون عن مصالحه واستمرارها، فإنهم يُنعتون بفقهاء السلطان.
وهؤلاء يدَّعون أنهم متمكِّنون من الدين وما يرتبط به من قواعد وتاريخ وتطبيق. والسؤال المطروح من أجل هذا العرض هو: كيف يستطيع هؤلاء الفقهاء أن يحافظوا على استمرار سيطرة وسطوة السلطان وإن تحول إلى طاغوت؟
إن العامل الديني له قوته النفسية في تحفيز الإنسان للقيام ببعض الأمور الخلاقة أو المدمرة حسب تقييمه للأفعال بمعياره الديني. فلو كان معياره الديني يوجب الكسل فإنه سيتكاسل، وإن كان يوجب العمل فإنه سيحب العمل وكل ما يرتبط به. فماذا لو تم الاستحواذ على هذا المعيار من طرف أشخاص يستغلونه لتحقيق بعض المصالح؟
إن الاستحواذ على هذا المعيار لا يتم إلا إذا تم إقناع المتدينين بأن المُستحوِذ عليه (أي على الدين) هو شخص أفضل أو شخص مختار من طرف الله لهذا الغرض. وهذا ما يُحاول فقهاء السلطان إقناع الناس به، حيث يُظهرون أنفسهم على صورة الأشخاص الطيبين المتمكنين من دينهم، والمطبقين له على أحسن وجه.
فإذا تمكن فقهاء السلطان من هذا، فلن يبقى لهم سوى استعماله للغرض المذكور سابقاً. فكيف يمكن استعماله إذن لبقاء الطاغوت واستمراره؟
ثلاثة مواقف يتخذها فقهاء السلطان للحفاظ على استمرارية السيطرة
إن استعمال هذا المعيار الديني يتغير أسلوبه حسب نوع الموقف الذي يجد الطاغوت نفسه فيه، وهي مواقف تتشكل انطلاقاً من المواقف التي يتخذها الشعب منه.
ولدينا هنا ثلاثة مواقف مهمة في صيرورة استعمال المعيار الديني:
– الموقف الأول: عندما يجد السلطان نفسه يحكم شعباً لأول مرة، ويحاول أن يُقنعه بأنه سلطان شرعي، وأن حكمه هذا هو حكم لا ريب فيه. فالموقف الذي يتخذه الشعب من هذا السلطان أو الحاكم، في هذه اللحظة هو طرحه للسؤال الآتي "هل هذا السلطان شرعي أم لا؟"، هنا يتدخل فقهاء السلطان ليُجيبوا بطريقة ميتافيزيقية، "إن هذا السلطان لديه تفويض إلهي أو أنه من السلالة النبيلة أو أنه من أبناء أحد الأبطال الأسطوريين أو أنه سليل الأنبياء أو أنه أحد الأولياء الصالحين أو أنه المهدي المنتظر أو المنقذ". ويقتنع الشعب بهذا الطرح، حسب النفوذ الذي يتمتع به هؤلاء الفقهاء وسطه.
– الموقف الثاني: عندما يفشل السلطان في تحقيق طموحات الشعب الاقتصادية والقضائية والاجتماعية، يتخذون موقفاً سلبياً منه ومن وعوده التي وعدهم إياها، عندما كان لا يزال جديداً في السلطة. فيستنتجون أن شرعيته الميتافيزيقية بها خلل ما. هنا يتدخل فقهاء السلطان مرة ثانية، فيطلبون من الشعب أن يتحلى بصفة الصبر، لأن الصبر من أسمى الصفات التي يجب أن يتصف بها المتدين ليصل إلى المراتب العظمى، ومن عاش عيشة ضنكاً في الدنيا فله في الآخرة عيشة رغدة.
– الموقف الثالث: عندما ينتهي صبر الشعب، سواء صبره على المعاناة، أو صبره على انتظار انفراج الحالة المأساوية التي يعيشها، فإنه يتخذ موقفاً أكثر تشدداً من الموقف السابق، حيث يعتبرون شرعية السلطان مجرد كذبة، لهذا من الواجب الخروج عنه، هنا يتدخل فقهاء السلطان تدخلاً أكثر خشونة من التدخلين الأولين، حيث يتحول استعمالهم للمعيار الديني من استعمال ترغيبي إلى استعمال تهديدي، حيث يعتبرون كل من يخرج عن طاعة السلطان هو في الحقيقة يخرج عن طاعة الله.
إن ترتيب هذه المواقف هو ترتيب مرحلي للصيرورة التي يأخذها مسار السيطرة الطاغوتية نحو الانهيار، فمحاولات السلطان للبقاء، ما هي إلا تأجيل لنهاية حتمية.
حتى إن تدخلات فقهاء السلطان للحفاظ على الوضع، خوفاً أو مصلحة، تكون مجرد ستر لعيوب موجودة حقاً، لهذا لا طائل منها.
توضيح مهم
لابد هنا أن أوضح أمراً، ليس جميع الفقهاء، فقهاء سلطان، وليس جميع فقهاء السلطان فقهاء. لهذا لا يجب الخلط، لأن الواقع يُحدثنا أن هناك فقهاء معارضين للطواغيت بشدة. ولإزالة اللبس عن الأذهان، بشأن تبرير أعمال الطواغيت باسم الدين. ففي الدين الإسلامي، الكفر بالطاغوت يأتي قبل الإيمان بالله. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: 256]. والترتيب في القرآن مهم، كما نعلم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.