لم يكن تصريح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية بقرار عودة السلطة الفلسطينية للتنسيق مع إسرائيل يشكل أي مفاجأة، بل هو ديدن السلطة منذ البداية في الهرولة نحو المحتل منذ أوسلو مروراً بكل الاتفاقيات الفاشلة بعد ذلك.
فمنذ ما تسمى "معاهدة أوسلو" عام 1993 عندما أُعلن عن اتفاق استسلام تحت عنوان "إتفاق سلام" بين بعض قيادات فتح مع الاحتلال الإسرائيلي، دخلت السلطة في سلسلة من التنازلات المذلة مع إسرائيل تحت مسمى "اتفاقيات" وهي اتفاقية (بروتوكول) باريس (1994)، اتفاق غزة أريحا 1994، اتفاقية طابا (أوسلو الثانية) 1995، بروتوكول إعادة الانتشار (الخليل) 1997، مذكرة واي ريفر (بلانتيشن) 1998، اتفاق واي ريفر الثاني 1999، اتفاقية المعابر 2005.
ورغم عدم جدوى كل ذلك بسبب عدم التزام الطرف الإسرائيلي بما يتم الاتفاق عليه، وصلت الأمور مؤخراً بأن أعلن نتنياهو عن خطته للاستيلاء على نصف منطقة "ج" من فلسطين الخاضعة شكلياً للسلطة الفلسطينية وتحديداً أراضي من أريحا وغور الأردن.
وجاء مشروع "صفقة القرن" واتخذت السلطة بعض المواقف الرافضة لتلك الصفقة وبناء عليه جرت اتفاقية بين الأشقاء من حركات المقاومة الفلسطينية، وأبرزها حماس والجهاد الإسلامي مع السلطة الفلسطينية لتوحيد الجهود في المرحلة القادمة، لكن مع انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد -بايدن- عادت السلطة إلى مستنقع الاحتلال معلنةً عزمها العودة للتنسيق معه!
وجود السلطة بالنسبة لأمريكا وأداتها في المنطقة "إسرائيل" لا يخرج عن إطار موضوع التنسيق الأمني، والتنسيق يستفيد منه طرف واحد وهو "الاحتلال"، وإذا ما تلاشت أسباب الحاجة لهذا التنسيق سيتم لا محالة إنهاء وجود السلطة، وهذا يتضح من خلال مراجعة دور السلطة منذ أوسلو 1993 حتى الآن وحجم الفساد المالي وغياب مطلق للتنمية أو تعزيز المقاومة الوطنية بل على العكس، تم قصّ أذرع المقاومة بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل 1993.
لماذا ستعود السلطة للتنسيق مع إسرائيل؟ ما الذي استجد؟ المحتل مستمر في إقامة المستوطنات والاستيلاء المستمر على الأراضي، وهذا كان أحد أسباب تعليق التنسيق سابقاً، ولم يتغير القادة الإسرائيليون ولا موقفهم، بل زادت عنجهيتهم، إذن لماذا العودة للتنسيق بعد التوقف عنه؟
هل هو عربون محبة ورهان على إدارة بايدن "الديمقراطية" قبل أن يبدأ العمل، وما الذي سيختلف فيه بايدن "الديمقراطي" عن ترامب "الجمهوري"، وماذا يقول التاريخ عن الديمقراطيين والجمهوريين؟
الرؤساء في أمريكا يعملون وفق نظام دائم في تمكين وجود "أدواتهم" وسيطرتهم على العالم وأهمها إسرائيل، ولم يختلف نيكسون الجمهوري عن كارتر الديمقراطي، الأول قدم للاحتلال الدعم العسكري واخترق الأنظمة العربية من خلال وزير خارجيته كيسنجر، والثاني سجل اعتراف محرك القومية العربية "مصر" بإسرائيل ومزّق وحدة العرب، جورج بوش الأب والابن الجمهوريان وقد أنهيا العراق العظيم تماماً وقائده صدام حسين الذي قصف إسرائيل وكان مصدر قلق حقيقياً عليهم، بيل كلينتون الديمقراطي الذي جلب القادة الفلسطينيين لحضن الاحتلال من خلال اتفاقية أوسلو والتي أرهقت سلاح المقاومة، ترامب الجمهوري وصفقة القرن وفسخ أواصر ما تبقى من علاقات عربية وخلق أعلى مستوى من النزاعات الإقليمية وتمكين الاحتلال بدور عسكري المنطقة، والآن جاء الدور على بايدن الذي سيكون رئيساً وفق نظام يعمل بشكل ممنهج لتمكين الإسرائيليين وفق خطة مدروسة مبنية على مخرجات فترة الديمقراطي ترامب.
في نهاية شهر سبتمبر الماضي ومن إسطنبول، أعلنت حماس وفتح الاتفاق على "رؤية للحوار"، وهو ما شكل نوعاً من الارتياح العام عند الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بسبب توافق الأخوة في القضية نحو الهدف المشترك، لكن هل أخطأت حماس وتسرعت مجدداً في توقع تغيير حقيقي في فكر السلطة؟
لم يمضِ أكثر من شهرين حتى عادت السلطة "لطبيعتها" للتنسيق مع المحتل، ولم تنتظر حماس كثيراً فقد أعلنت رفضها لهذا التنسيق، ووصفته بأنه "ضربة للمبادئ الوطنية وطعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية نضالية، بل إنه يعطي مبرراً لمعسكر التطبيع العربي".
وبهذا انهارت جهود وحدة الصف بسرعة لأنها أصلاً وُلدت هشّة؛ لأن الفكر مختلف جذرياً، فهناك فكر مبنيّ على مصالح شخصية منفعية وفساد لا يتوافق مع فكر المقاومة والنضال.
خلاصة القول إن السلطة قد أخطأت كثيراً في عودتها بهذه السهولة والهوان للتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي بقيادته المتعجرفة، التي يسعدها تواجد طرف فلسطيني يشرعن ما يقوم به الاحتلال مع مصادرة أراضٍ والتوسع في بناء المستوطنات، وأحسنت حماس في عودتها للصواب بسرعة كما قالت: "لن يحرر الأرض، ويحمي الحقوق، ويطرد الاحتلال إلا وحدة وطنية حقيقية مبنية على برنامج وطني شامل ينطلق من استراتيجية المواجهة مع الاحتلال".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.