شاهدت منذ أيام مسلسل الدراما القصير The queen's gambit، الذي بدأ عرضه مؤخراً على شبكة نتفلكس، وهو المسلسل الذي كان من الصعب ألّا أشاهد حلقاته السبع كاملةً في يومٍ واحد، حلقة تلو الأخرى، فقد أسرتني تماماً دراما المسلسل الساحرة، التي ألقت الضوء على شخصية Beth Harmon، الأسطورة النسائية في عالم لعبة الشطرنج، الذي لا يدخله إلا العباقرة من الرجال.
ذلك العالم الذي فيه من الألم، كما فيه من العظمة، مُضافاً إليهما بعض من الجنون كذلك.
لذا ففي رأيي أنّ هناك 10 أسباب على الأقل تدفع من لم يُشاهد The Queen's Gambit بعد إلى أن يضعه على قائمة المسلسلات التي يجب مُشاهدتها على الفور، ومن دون تأخير.
10 أسباب تدفعك لمشاهدة مسلسل The Queen's Gambit على نتفلكس
قبل أن أسرد أسبابي العشرة أحب أن أنوّه أنّه لن يكون هناك حرق للأحداث فيما بينها، وإنّما سيكون هناك فقط بعض المعلومات الأساسية المعروفة عن المسلسل، والتي تبدو واضحة من خلال إعلان المسلسل نفسه.
1- حتى تتعرف على أيقونة العبقرية الفذّة Beth Harmon
ستجذبك Beth منذ اللحظة الأولى، بعينيها الواسعتين، ونظرتها الثاقبة، التي تُشعرك وكأنّها روبوت لا يحمل أية مشاعر، وإن كان يستخدم عقله بشكلٍ ممتاز، وبالتالي يعرف جيداً ما الذي يجب عليه فعله دائماً.
من هي Beth؟
Beth كما رأيناها في البداية، الفتاة الصغيرة ذات الـ8 سنوات، والتي عاشت بملجأٍ للأطفال بعد وفاة أمها في حادث، وكان يتم إجبارها على أن تتعاطى أقراصاً من قِبل إدارة الملجأ، مثلها مثل سائر الأطفال، من أجل التهدئة والاسترخاء. وهو أول ما قادها إلى الإدمان فيما بعد، وحينما اكتشفت Beth بالصدفة أنّ لديها ميلاً غير عادي تجاه لعبة الشطرنج تغيّر عالمها بالكامل، فصارت أسيرةً لها، وملكة عليها في نفس الوقت، وذلك حينما أظهرت من خلالها ذكاءً غير عادي، ومهارةً من الصعب جداً مُنافستها.
ستستحوذ Beth Haromn على حواسك جميعها فور ظهورها في أي مشهدٍ كان، وفي أي صورةٍ كانت، طفلة أم أنثى، وربما تجد نفسك تتأثر بشخصيتها الفريدة من نوعها، وبرؤيتها غير المألوفة للحياة والعالم بشكلٍ عام.
2- لكونه قصة حقيقية؟ لا.. ولكن للقصة المُثيرة الأخرى وراء ظهور هذا المسلسل للنور
قد يظنّ المُشاهد كما ظننت أنا في البداية أنّ قصة Beth Harmon هي قصة حقيقية، أو مُستوحاة من قصة حدثت بالفعل، ولكن في الحقيقة المسلسل في الأصل مُقتبس عن رواية صدرت في عام 1983، للكاتب Walter Tevis، الذي كان لاعباً مُحترفاً للشطرنج، بخلاف كونه كاتباً روائياً.
القصة المثيرة هنا هي أنّ حياة Tevis تتشابه بشكلٍ واضح مع قصة Beth Harmon المُختلقة، والتي صنع لها Tevis حياة في روايته، تعكس كالمرآة ما قد عاشه في الماضي، بداية من الطفولة وحتى سن النضج.
يتمثل ذلك في تعلّمه للعبة الشطرنج بينما كان صغيراً جداً في السابعة من عمره فحسب، ثم شعوره بالخذلان من والديه اللذين تخلّيا عنه لكونه مريضاً مرضاً مُزمناً، الذي جعله في حاجة إلى العقاقير المُهدئة لثلاث مرات يومياً، وهو الشيء الذي اعتبره Tevis بداية طريقه للإدمان، وبينما لعبت Beth الشطرنج، لعب Tevis البلياردو في طفولته وشبابه، ولكنه اتّجه في الثلاثينيات من عمره للعب الشطرنج، بعدما تملّك منه إدمان الكحوليات، وإدمان المُقامرة في لعبة البلياردو.
لذا، يُقال إنّ الشيء الذي لم يذكره Tevis أبداً هو أنّ Beth لم تكن إلا نسخته الأنثوية، التي عانت من الإدمان مثله، ولكنها تفوقت على Tevis نفسه، فصارت أُعجوبة فذة بين الرجال في عالم الشطرنج.
3- إذا كنت مُغرماً بألعاب التفكير، وعلى الأخص لعبة الشطرنج، لعبة النُّبلاء والعباقرة.
لو كنت في الأصل تستمتع بألعاب التفكير القائمة على الذكاء بشكلٍ عام، والتي لا يلعب الحظ فيها أي دور تقريباً، فستجد أنّ المشاهد التي تجري من خلالها مسابقات الشطرنج هي مشاهد قمّة في التشويق والمتعة، وبالإضافة لكونها تحتلّ مساحة ليست بقليلة من الأحداث، فإنّ دقتها وواقعيتها التي حرص عليها كاتب الرواية الأصلي Walter Tevis، لن يُدركها إلا من يفهم أصول وقواعد لعبة الشطرنج، لذا فأنا أضمن لمحبي لعبة الشطرنج الذين قرروا البدء في مشاهدة المسلسل مُتعةً مضاعفة، مرة للدراما الرائعة، ومرة لمسابقات الشطرنج التي تبدو كما لو كانت واقعية بشدة.
4- لأنّه صادق وواقعي.. ربما أكثر من اللازم!
كانت أكثر الأسئلة شيوعاً حول المسلسل هو ما إذا كان مأخوذاً عن قصة واقعية حدثت فعلاً أم لا، وفي رأيي أنّ ذلك الانطباع العام الذي تم تبنيه من قِبل الكثير ممن شاهدوا المسلسل، وأنا واحدة منهم بالمناسبة يعود إلى الصدق البادي في كل شيءٍ في المسلسل، بداية من الحوار، ومُجريات الأحداث، والتحوّل في شخصية Beth، والواقعية التي تُغلّف التفاصيل فيما يخص الأداء والملابس والأجواء العامة.. هناك أُلفة ما يُمكن للمُشاهد أن يشعر بها بسهولة نحو المسلسل، ما يجعله قابلاً للتصديق، وذلك رغم أنّ المسلسل يدور في منتصف القرن الماضي.
5- لأنّه سيُغيّر نظرتك لفكرة الوحدة
كما تنبّأت أمها يوماً ما كانت Beth وحيدةً في الكثير من مشاهد المسلسل، حتى وهي في قاعة المسابقات بين عشرات الرجال، لا تزال Beth وحيدة، ولا تعرف إلا الشطرنج مؤنساً لها في الحياة، وهو الشيء الذي ارتضت به بديلاً عن أشياءٍ أخرى أكثر أهمية.
الوحدة لم تكن شيئاً سيئاً أبداً بالنسبة لـBeth، فمن خلالها فكّرت، وخطّطت، وتعلّمت، وتدرّبت مراتٍ ومرات، فسطعت، وظهر نجمها عالياً في سماء العبقرية، التي لا تخلو من شعرة جنونٍ في الواقع.
6- لأنكِ -هذه النقطة موجّهة للنساء أكثر- سترين كيف تفوقت عبقرية امرأة على أذكى رجال العالم، وهو أمر نادر الحدوث فعلاً
ألا يُشعركِ هذا الأمر بالسعادة، بالانتصار، بالزهو بقدراتك كامرأة ولو قليلاً؟
حسناً، لا خلاف في أنّه قليلاً جداً ما نُشاهد امرأة تتفوق على الرجال في هذا النوع من المنافسة، حيث يتم التخطيط بذكاء في هذه الحرب الباردة المدعوة بلعبة الشطرنج، والتي لا يُمكنك الفوز فيها عن طريق الصدفة، وإنما عن طريق وضع استراتيجية مُحكمة للدفاع وللهجوم معاً. مع غلق كل الثغرات المُمكنة التي قد تقلب النصر إلى هزيمة في أية لحظة.
فتحية مِنّي إلى الكاتب الذي صنع مثل ذلك الخيال الجميل، العسير على التصديق.
7- لأنّه سيُلهمك
هذا هو ما تحدث عنه الكثيرون ممّن شاهدوا المسلسل، أنّه مثّل لهم نوعاً من الإلهام، لما يمكن أن تبدأ به الحياة، وما يُمكن لها أن تتحول إليه. فعند النظر إلى حياة Beth ومعاناتها، وكل محاولات الإيذاء المُتعمدة وغير المُتعمّدة التي تعرّضت لها كطفلة، وما صارت إليه كملكة متوّجة تتبختر بلا خوفٍ في عالمٍ لا يعترف بضعف الأنثى، ستبدو وكأنّ تلك المعاناة ما هي إلا مُفتاح سحريّ، فتح لبيث أبواباً خفيّة في عقلها، وكشف لها عن قدراتٍ في نفسها لم تكن تتخيلها يوماً، فامتلكت كنوزاً لا يُمكن شراؤها ولو بأموال العالم أجمع.
8- لأنّه ليس مجرد مسلسل عن لعبة الشطرنج كما يبدو
لا داعي لأن يتجنّب من لا يُفضلون لعبة الشطرنج، أو من لا يعرفون عنها شيئاً مسلسل The Queen's Gambit، باعتباره مسلسلاً عن هذه اللعبة فحسب، فالمسلسل غنيٌّ بالمشاعر والأفكار الكثيرة، ويعرض بذكاء النضج الفكري والعاطفي للشخصيات، وعلى رأسها شخصية Beth، وما لُعبةُ الشطرنج فيه إلا رمز للمتنفّس لنا، والذي نهرع إليه هرباً من قسوة الحياة.
9- لأنّك يجب ألّا تفوّت الأداء الرائع لـAnya Tailor Joy
لا أعتقد أنّني في هذه الجزئية تحديداً أحتاج إلى شرحٍ أو حديث، عليك أن تُشاهد بنفسك كيف ارتدت آنيا تيلور عباءة بيث هارمون، فصارت كأنّها نسختها، التي لم نكن نعرف بوجودها من قبل، ومع ذلك لا يُمكننا تخيل أن تحل محلها أخرى.
10- لأنه واحد من أهم مسلسلات العام بشهادة كبار النّقاد
دراما قويّة بشكلٍ لا يُنكره أحد، حوار غنيٌّ وواقعي، مُتعةٌ للعين والقلب معاً، أداء صادق، دراسة نفسية ممتازة للشخصيات، بالإضافة للعبة رياضية على مستوى عالٍ من الرُّقي، كل هذا وأكثر ذكره النّقاد بخصوص المسلسل، الذي أشاد معظمهم بجودته كعمل فني من أفضل أعمال العام على الإطلاق.
في النهاية، أرجو أن أكون قد أقنعتك بأسبابي، والتي ستكتشف بنفسك أنّ هناك أسباباً أخرى ربما تكون أكثر أهمية منها، حينما تُشاهد المسلسل كاملاً، وتعرف كل شيء عن مناورة الملكة، أو The Queen Gambit.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.