كلنا ضُربنا في صغرنا ورُبِّينا أحسن تربية!

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/18 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/18 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش


في كل مرة يُطرح موضوع العنف ضد الأطفال من قِبل بعض الآباء تجد من يقولون "نحن أيضاً كنا نتعرض للضرب المبرح، وها قد كبرنا ولم يحدث لنا شيء".

أود دائماً سؤال هؤلاء الآباء: كيف تجزم أنه لم يحدث لك شيء؟! هل لأنك كبرت دون أن تفقد ذراعك التي كان والدك يلويها باستمرار أثناء ضربه لك جعلك تجزم أنك قد كبرت بطريقة سليمة؟!

 هل لأنك لم تُعر اهتماماً للتبعات النفسية التي رسخت فيك بشكل سلبي وأثرت على طبعك بشكل أو بآخر، وجعلت منك أباً عنيفاً، أو جعلت منكِ أُماً عصبية، لذلك أصبحتم تجزمون أنكم قد كبرتم ولم يحدث لكم شيء؟

هل لأنك أنت لم تحتجّ على ضربك من قِبل والديك بات بديهياً لديك أن ينصاع ابنك أيضاً وينحني أمامك بكل هدوء، للسماح لك بضربه أو إهانته دون أي احتجاج، وإنْ قاوم واحتجَّ تضعونه في خانة العقوق!

بعض الآباء الذين اعتقدوا أن بر الوالدين يتنزل إلى خانة الطاعة العمياء، والقبول بجميع ما يؤتى منهم، خيراً كان أم شراً بعلة الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين"، ما هم بالنسبة لي سوى أشخاص يمارسون الابتزاز المعنوي تجاه أبنائهم، لحثهم على الانصياع لرغباتهم وأوامرهم لا غير، ولأن يغدوا أبناؤهم ويكبروا مثلما غدوا هم، وقد تناسوا تماماً قول علي بن أبي طالب حين قال "لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم"، واستغلوا حديث الرسول ليظلموا أبناءهم.

أغلب الآباء الذين اختاروا الضرب والإهانة المعنوية طريقة للتربية هم في واقع الأمر اختاروا ذلك لثلاثة أسباب، إما لافراغ طاقة سلبية أو انزعاج ما بداخلهم، أو أنهم أرادوا الانتقام لمشاعر الانزعاج التي تولّدت لديهم بسبب فعلة ذلك المخلوق الصغير والضعيف، أو لانها الطريقة الأسرع والأسهل لردع الطفل.

وفي جميع الأحوال لا عذر مقنعاً للاستقواء على ذلك الصغير، فهو ابنك، ولكنه ليس مِلكاً دائماً لك، هو ابن الحياة كما قال الشاعر جبران خليل جبران.

 في تفكيرك أنك تُعنّفه لأنه أحد ممتلكاتك، التي تشعر بأحقية تقرير مصيرها الحالي، ولكنك تناسيت أن مآل مصيره يوماً ما بيده هو فقط، فطبعاً لن ينصاع لك وهو بعمر العشرين أو الثلاثين، مع كومة ذكريات سيئة عن تحكُّمك به واستقوائك عليه وهو طفل عاجز، وفي أول فرصة للتحرر سيتمرد.

ما يضيق صدري أحياناً هو سماع بعض العبارات من قِبل الآباء الذين عُنِّفوا من قِبل آبائهم وهكذا، تدعو لشرعنة الضرب في التربية، لا بل تذهب حد القول إن في ضرب الأبناء والحزم معهم منفعة لهم؛ إذ لن يكونوا أشخاصاً منضبطين إلا إذا تلقّوا حزماً شديداً في صغرهم، وكأن أولئك الأطفال الذين عُنّفوا باتوا أشخاصاً أسوياء حينما كبروا! 

هل الطفل الذي تلقّى معاملة حسنة ومحترمة كبر ليصبح منفلت الأخلاق؟

ماذا لو اعتمد الآباء أسلوب الصداقة والحوار، أكان سيخرج علينا أجيال فاسدة للمجتمع؟ أم أن بعض الآباء تعمّدوا ومازالوا يتعمدون أسلوب الضرب والإهانات اللفظية مع أطفالهم، لأنه أسلوب أسهل وأسرع للردع عن خلق حوارٍ بنّاء مع أبنائهم، لَربما يستغرق منهم ساعة في اليوم.

 هل سيقول البعض لا وقت لدينا، وفِكرنا مشغول بأعباء الحياة وتوفير لقمة عيش لهم، ولا طاقة لنا لِهَدْرها في محاولة الشرح للطفل. سأجيبك بسؤال واحد: لما أنجبتهم إذاً؟ 

إن لم تكن التربيةُ نفسيةً قبل المادية، فلماذا التورُّط في تحمُّل مسؤولية إنسان آخر؟! 

إنَّ هذا الموضوع متشابك جداً، لأنه يحثّ على فهم أصول تلك المجتمعات التي تتبنى أسلوب الضرب بدل الحوار، والتي تكثر إلى الآن في البلدان العربية بأسرها، ومدارسها التي مازال الأطفال يُعنّفون فيها إلى يومنا هذا، ولا صوت يُسمع من وزارات التربية العربية لتجريم هذا الفعل، الذي لن يحدث في أي مدرسة تحترم تلاميذها في بريطانيا أو السويد مثلاً.
 ولا أتمنى من أحد أن يدعوني لعدم مقارنتنا بالدول القوية لتفاوت القدرات، لأنني سأجيبه، طلبتم منا عدم تعجيز الدول العربية ومقارنتها بالدول الغربية الغنية، بعلة اقتصادها القوي، ولكن هل اتباع نظام تربية سويّ كما يحدث عندهم في المدارس الابتدائية أمر تعجيزي يتطلب نفطاً أو أموالاً طائلة؟! الأمر لا يتطلب سوى الأخلاق، وهي لا تُكتسب بالماديات.

أحاول حقاً فهم طبيعة مجتمعنا العربي، الذي يتقبل أفرادُه بجميع هياكله ظاهرة العنف المسلط ضد الطفل، واعتباره شأناً عائلياً خاصاً.

منذ يومين شاع خبر أن السلطات التركية قد سحبت طفلاً بعمر الرابعة من وصاية والدته، لأنها عنّفته بقسوة أمام الملأ. ماذا لو طُبق هذا القانون بجدية في بلداننا العربية، بعد أن يُنسف مفهوم "شأن عائلي" من قاموس السلطات، كم عائلة سيُسحب منها أبناؤها.

هنالك مَثَل في تونس يقول "قَلّل ودَلّل"، أي أن تقلل من إنجاب الأطفال كي تستطيع تدليلهم مادياً ومعنوياً، ولا تقع فريسة العجز المادي الذي سيقودك عاجلاً أم آجلاً إلى تدهور مزاجك العام، أو إلى العصبية التي ستفرغها في أطفالك، ولن تكون هنالك فرصة أصلا لبناء صداقة معهم، ما دام الوضع المادي يُهدد مزاجك باستمرار. 

في هذا العصر لم يعد هيناً تربية طفل، فهو قد وعى حقوقه من خلال التطور التكنولوجي الذي أبصر الدنيا من خلاله، لن يرضى أطفالُ هذا العصر بما رَضِي به أطفال الأمس؛ لذلك لا بد من نهضة تربوية جديدة تُربّي الآباء قبل الأبناء، لفهم التغيرات التي تطرأ بشكل تلقائي على الأطفال في أي حقبة زمنية كانت.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريحان غضباني
رسّامة تونسية
رسّامة تونسية
تحميل المزيد