يعتبر "يوم العزّاب" في الصين، الذي يحتفل به الصينيون في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، من الأيام التي يبتهج فيها الشعب الصيني بطرق مختلفة مثل النزهة، وتنظيم الشباب العزّاب لحفلات جماعية، يهدفون منها للترويح عن النفس والبحث على رفيق درب، وممارسة "جنون" التسوّق عبر الإنترنت في هذا اليوم، الذي يعتبر مشابهاً لعطلات التسوّق المعروفة عالمياً مثل الجمعة السوداء وغيرها.
وقد وافق الأربعاء الماضي هذا اليوم والعالم يواجه أزمة صحية تمثّلت في جائحة كورونا، واقتصادية تمثّلت في تباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب الإغلاقات، وإنسانية مثل فيضانات السودان والفلبين، وسياسية مثل النزاع في إثيوبيا، والنزاع الأذربيجاني- الأرميني، والانتخابات الأمريكية غير المسبوقة من ناحية الحشد والتغطية.
لكن "يوم العزّاب" كشف أيضاً عن تعافي الاقتصاد الصيني بعد أشهُر عصيبة مرّت، منذ أن اجتاح فيروس كورونا مدينة ووهان، وانتشر بعدها في الصين وبقية العالم، كما كشف عن فرصة للاقتصاد الصيني الصاعد رغم كورونا، تمثّلت في المبيعات الضخمة بسبب التسوّق عبر الإنترنت في هذا اليوم، حيث قالت مجموعة "علي بابا" الصينية العملاقة في مجال البيع عبر الإنترنت، صباح الأربعاء الماضي، إن جنون الشراء السنوي قد وصل إلى 498 مليار يوان ( 75 مليار دولار). ويشمل إجمالي المبيعات أول 30 دقيقة من الحدث، إلى جانب الأيام الثلاثة التي تسبق "يوم العزّاب"، التي أُضيفت لتعزيز مبيعات ما بعد الجائحة. وبإضافة هذه الأيام تجاوزت علي بابا الرقم القياسي الذي حققته العام الماضي في "يوم العزّاب"، والذي استمر 24 ساعة وحقق مبيعات تجاوزت الـ 268 مليار يوان (40.5 مليار دولار) من البضائع خلال الحدث، بزيادة 26% على أساس سنوي.
عن تاريخ يوم العزاب يكشف موقع (daysoftheyear.com) أن اليوم هو عطلة صينية تم ابتداعها في جامعة نانجينغ (Nanjing) جنوب شرقي الصين في تسعينيات القرن الماضي، بواسطة أربعة طلاب جامعيين، لتكون احتفالاً بالعزاب. ويتوافق التاريخ (11 نوفمبر)، مع أربعة "آحاد"، هم أربعة طلاب جامعيين من الذكور قرّروا في مثل هذا اليوم الاحتفال بفكرة العزوبية. وانتقلت الفكرة إلى جامعات أخرى، وفي النهاية أصبحت ثقافة سائدة، لتتطور بمرور الوقت كتقليد يُمكن للرجال والنساء على السواء الاستمتاع به.
وتعتبر العطلة وقتاً يمكن للناس فيه الالتقاء والتواصل الاجتماعي عن طريق إقامة حفلات، كما أصبح أيضاً أحد أشهر أيام التسوّق في الصين. ففي عام 2017 حققت مجموعة علي بابا (Alibaba Group)، وهي مجموعة متخصصة في التجارة الإلكترونية والبيع بالتجزئة والتصنيع، أكثر من 25 مليار دولار من المبيعات، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 17.6 مليار دولار في عام 2016. ومثل هذا الرقم أربعة أضعاف حجم أكبر أيام التسوّق في الولايات المتحدة، وهي الجمعة السوداء (Black Friday)، واثنين الإنترنت (Cyber Monday).
وقد أصبح التسوق مصدر ثروة للاقتصاد الصيني، في ظل سعي الحكومة الصينية منذ سنوات للنهوض بالاستهلاك الداخلي، لخلق توازن مع اعتماد اقتصاد البلاد بصورة كبيرة على التصدير. فوفقاً لمجلة "فوربس" الأمريكية، تقول علي بابا إن أكثر من 15 مليون منتج من أكثر من 140 ألف علامة تجارية تم بيعها في هذه العطلة، بما في ذلك 60 ألف علامة تجارية عالمية قدمت خصومات على Tmall، وهي شركة بيع بالتجزئة تديرها "علي بابا". كما أطلقت "علي بابا" أيضاً موقعاً إلكترونياً جديداً لمبيعات التجزئة الفاخرة هو (JD.com)، وافتتحت أول مستودع آلي يديره الروبوت للمساعدة في تسهيل نقل المبيعات الضخمة. وبدأت مجموعة "علي بابا" منذ العام 2009 بتقديم خصومات خاصة في "يوم العزّاب"، وذلك مع بدايات انتشار ثقافة التسوق عبر الإنترنت وسط المجتمع الصيني، وارتفاع نسبة الدخل وتوسّع الطبقة الوسطى في البلد.
وبالرغم من عدم الرضا الظاهر في العلاقة بين مجموعة "علي بابا" وبين المؤسسات الحكومية المنظمة للتجارة الإلكترونية في الصين، والذي تمثل في اتهامات بوقوع مخالفات بواسطة شركة آنت (Ant Group) المالية التابعة لمجموعة "علي بابا"، فإن الشركة تعتبر عملاق تجارة الإنترنت في الصين بلا منازع، ومبيعاتها في "يوم العزّاب" أكبر دليل على ذلك، ونفوذها في هذا المجال شبيه بنفوذ شركة "أمازون" في الولايات المتحدة.
والمثير في طريقة عمل المجموعة هو انفتاحها الكبير وتبنّيها لأساليب في "المسؤولية الاجتماعية" للشركات غير مألوفة في الصين، مثل تبرع المجموعة بمعدات طبية لفحص فيروس كورونا وكمامات وقفازات وغيرها لعدد من الدول الإفريقية قبل أشهر قليلة. وهو أمر قامت به شركات حكومية صينية، لكن ليس بالكيفية المبتكرة التي قامت بها "علي بابا"، حيث قامت المجموعة بتوصيل المساعدات إلى أديس أبابا، عاصمة الاتحاد الإفريقي، التي أشرفت على توزيع المساعدات للدول المعنية.
وأظهرت بيانات نُشرت الشهر الماضي تعافي الاقتصاد الصيني بصورة أكبر من فيروس كورونا في الربع الثالث من العام الجاري، وفقاً للبيانات الصادرة يوم الإثنين عن المكتب الوطني للإحصاء (NBS)، حيث أعلنت الصين عن نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث بزيادة 4.9% عن العام الماضي. وبذلك يرتفع معدّل النمو في الأرباع الثلاثة الأولى من العام إلى 0.7%، مقارنة بالعام الماضي. وتعافي الاقتصاد الصيني يعود بصورة أساسية إلى الإجراءات الصارمة التي اتّبعتها بكين للسيطرة على انتشار الفيروس في الشهرين الأولين من ظهور الفيروس، وإغلاق البلاد حدودها أمام القادمين من الخارج لأشهر طويلة بعده، الأمر الذي أسهم في تقليل حالات الإصابة وإنعاش الاقتصاد، وهي إجراءات فشلت كثير من الدول في تطبيقها منذ البداية، أو الاستمرار في الالتزام بها، وهناك بالطبع عامل لا يمكننا تجاهله، وهو حجم الاقتصاد الصيني مقارنة بحجم كثير من اقتصاديات الدول النامية وحتى المتقدمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.