لن يطيحوا بالسيسي ولن يُعيدوا الإخوان المسلمين للحكم.. لكن هل يمزِّق بايدن شيك ترامب الأبيض؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/11 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/11 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
السيسي وترامب في البيت الأبيض

ربما يتساءل الكثيرون عن الفوارق بين الرئيس الأمريكي المنتخب، المرشح من قِبَل الحزب الديمقراطي، جو بايدن، وبين الرئيس الذي شارفت ولايته على الانتهاء دونالد ترامب. وتساءلون أيضاً عن أسرار تخوُّف وسائل الإعلام المؤيدة للحكام والديكتاتوريات العربية من وصول جو بايدن إلى المكتب البيضاوي.

الفرق بين بايدن وترامب يكمن جوهرياً في الخلفيات التي جاء منها كلا المرشحين؛ فترامب القادم من هوامش الحزب الجمهوري، محمّل بأيديولوجيا شعبوية وإيمان بتفوق العرق الأبيض مع الانكفاء على الداخل وتقليص التورط الخارجي. وداعموه هم كبار الرأسماليين، حيث أصحاب الصناعات الثقيلة، كصناع الأسلحة. ولقد رسخ تاريخياً أن الرؤساء القادمين من الحزب الجمهوري يجنحون إلى تحريك هذه الصناعات وترويج بضاعتها، فتجد أن أغلب الرؤساء الجمهوريين صناع حروب وأزمات، وهو المجال الذي يمكن لداعميهم بيع بضاعتهم بداخله. ولنا في مغامرة رونالد ريغان في نيكاراغوا، وجورج بوش الأب والابن في العراق وأفغانستان، المثل، ولم يكن ترامب بِدْعاً من الجمهوريين، ومن ذلك العقوبات المستمرة على إيران وتخويف السعودية والخليج بها لبيع السلاح، ولا يمكن أن ننسى زيارة ولي عهد السعودية والطريقة التي باع بها ترامب السلاح للأمير الصغير.

في المقابل، تجد الحزب الديمقراطي الذي يمثل الصناعات الخفيفة والمدعوم من الطبقة العاملة والمتوسطة؛ يجنح إلى حل الأمور بطريقة ناعمة ويدفع إلى فتح أسواق استهلاكية ونشر فكر الاقتصاد الاستهلاكي في أغلب دول العالم لتسويق بضاعته، ويحاول في أغلب الأزمات أن يجد حلاً وسطاً يبرد البقع المشعلة لتظل تجارته متدفقة للأسواق، مع احتمال اللجوء للسياسة الخشنة إذا اقتضى الأمر. لكن في المحصلة تجد الديمقراطيين يركنون إلى تسريب الأفكار وبناء مؤسسات وأجيال مؤمنة بليبرالية المنهج والمنطلق لخلق انتماء عميق لا شعوري لأمريكا والأفكار الليبرالية وحقوق الإنسان، ويتخذ في ذلك عدة طرق منها مراكز التأهيل والتدريب والمشروعات والدورات التي ينخرط فيها الشباب وهي الفئة المفضلة لديهم. ومن هنا يأتي الفرق بين بايدن وترامب الذي تطرف حتى في مبادئ حزبه وتقمص دور الكاوبوي.

لماذا يتخوف النظام في مصر من وصول بايدن؟

تخوفات النظام في مصر من وصول بايدن لها دوافعها وأسبابها، وربما تعامل الإعلام المصري الموالي للنظام مع الانتخابات الأمريكية من قبل، حتى دخول الانتخابات الرئاسية الأمريكية منعطف التصويت، يظهر توجه سياسة النظام وموقفها من المرشحين. ولا يخفى على أحد أن الإعلام في مصر وهو صوت النظام معبر عن مواقفه. لقد كان واضحاً أن النظام يتمنى عهدة ثانية لترامب في البيت الأبيض، فدفع النظام بوسائل إعلامه في المعركة الانتخابية، وكأن مصر الولاية الواحدة والخمسين.

وكان التوجه بكل قوة لترامب وبدعم لا محدود، وهو موقف متجدد. فبحسب قناة "سي إن إن"، فقد موّل النظام في مصر حملة ترامب في انتخابات 2016، وسواء كانت الـ10 ملايين دولار التي تم تحويلها من البنك المصري إماراتية أو مصرية، فإن الأمر في النهاية يكشف أمراً خطيراً له تأثيره على الطرفين الأمريكي والمصري، وهو أحد مسببات مخاوف النظام المصري من وصول بايدن، إن كان هذا أحد دوافع الخوف، لكن الحقيقة أن مبادئ الحزب الديمقراطي الذي يمثله بايدن ترعب النظام في مصر، ولعل هذا السبب ليس الوحيد ولا الجوهري، فواقع حقوق الإنسان في مصر ملف مهم لدى الديمقراطيين.

ولعل تغريدة جو بايدن قبل الانتخابات مزلزلة للنظام في مصر، والتي جاء فيها: "محمد عماشة رجع إلى بيته أخيراً بعد 486 يوماً قضاها في سجن مصري بسبب حمله لافتة احتجاج. إن اعتقال وتعذيب ونفي ناشطين مثل سارة حجازي ومحمد سلطان وتهديد عائلاتهم هو أمر غير مقبول. لا مزيد من إعطاء شيكات على بياض لديكتاتور ترمب المفضل".

فلا شك أن بايدن لن يتوانى عن فتح هذا الملف، وفتح سجل العقوبات معه ليذوق النظام في مصر ما ذاقه من أوباما بوقف المعونات جزئياً ووقف التدريبات المشتركة قبل أن يعود ويرفعها.

خطة النظام لمواجهة السنين العجاف

لعل إفراج النظام عن 600 معتقل خلال الأيام الماضية، استباقاً لنتائج الانتخابات خطوة نحو التعامل مع قادم الأيام وما تخفيه له، يعكس أسلوب التعامل الذي قد يعتمده النظام مع ساكن البيت الأبيض الجديد.

منذ أيام تعامل المعارضون بسخرية مع كلام المذيع وأستاذ العلوم السياسية، معتز عبدالفتاح، بسبب تعليقات له حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما يجب على النظام فعله للتعامل مع الإدارة الجديدة. معتز عبدالفتاح قدم روشتة لما يجب أن يقوم به النظام في ملف حقوق الإنسان والمجتمع المدني وعمل الجمعيات وتأسيسها، والحقوق والحريات وعلى رأسها حرية التعبير وممارسة الحقوق السياسية. وسخر الرجل مما يسمى حزب مستقبل وطن صنيعة المخابرات على طريقة أحمد عز أيام الرئيس المخلوع مبارك، ما يعني إيجاد مساحات أكبر للممارسة السياسية.

مع ذلك، للنظام المصري أوراق يمكن اللعب بها لتضييق مساحات الضغط من قِبَل الإدارة الديمقراطية، مع احتمال كبير لتقديم تنازلات، فلعب مصر- الدولة لا النظام – دوراً محورياً وتاريخياً في ملف فلسطين، مع الدور الذي يلعبه النظام الحالي في التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وكذا الدور المخطط للنظام في وقف التمدد التركي الناعم والخشن في بعد الأحيان في شرقي المتوسط لصالح الكيان الصهيوني، وفي ليبيا، ما يجعل من المطالب المحتملة للديمقراطيين في ملف الحقوق والحريات في مصر تتراجع جزئياً أمام تلك المصالح.

مكاسب المعارضة المصرية من وصول بايدن

قد تكون للمعارضة المصرية مكاسب من وصول بايدن للبيت الأبيض، فملف حقوق الإنسان السيئ في مصر سيفتح باب العقوبات على النظام، كما قد يفتح باب السجون أمام عشرات الآلاف من المعتقلين في مصر، وقد يفتح أيضا باباً للضغط لاستيعاب المعارضة الحقيقية في دوائر السياسة المصرية، وهو أمر محتمل. فالديمقراطيون هم من ضغطوا لفتح الباب أمام معاهد الديمقراطية في حقبة الرئيس المخلوع مبارك، وهم من ضغطوا لفتح الباب أمام المنظمات الحقوقية للعمل على الأرض بأقل نسب من المضايقات في حقبة مبارك.

مع ذلك، فإن حلم عودة الإخوان المسلمين إلى سابق عهدهم يبدو بعيد المنال. وأنا هنا لا أتكلم عن الحكم، بل على نسبة المشاركة في البرلمان، الديمقراطيون مقتنعون بوجوب مشاركة الإخوان في الحياة السياسية، كما أنهم مؤمنون بوجوب مشاركة التيار الإسلامي كافة في الحياة السياسية، إلا أنهم لا يرغبون البتة في وصولهم للحكم. فلا يمكن إغفال الدور الذي لعبته الإدارة الديمقراطية في الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي، واعتراف رأس النظام بتواصله شبه اللحظي مع وزير الدفاع الأمريكي في عهد أوباما الديمقراطي تشاك هيغل أثناء الانقلاب وإطلاعه على كل صغيرة وكبيرة في إدارة العملية، وهو ما يجعلنا لا ننظر على أن الديمقراطيين ملائكة أو مخلّصون، ولا يجعلنا ننظر لتغريدة بايدن على أنها رسالة تهديد للنظام في مصر.

فحديث مرشح لانتخابات يختلف كثيراً عن مسؤول تولى مقاليد الأمور بما يحمله ذلك من تقاطعات مدفوعة بالمصالح، مع ذلك فإن علاقة المعارضة المصرية بالحزب الديمقراطي والتي تمثلت في البيان الذي أصدره 56 عضواً في الكونغرس من الديمقراطيين، قبل أيام، والمطالبة بالإفراج عن المعارضين السياسيين، يعكس شكل تعامل الديمقراطيين مع النظام، إلا أنه يجب على الإسلاميين ألا يتوقعوا الكثير من هذه المواقف المبادئية. فبايدن الذي أعلن أنه صهيوني أكثر من ترامب لن يقدم لهم ما يحلمون، مع ذلك لن يمنع من إيجاد مساحة للمعارضة ككل للتحرك في الأيام القادمة، وما عليها الآن إلا الاستعداد ووضع الخطط وتجهيز خطاب يتناسب مع المرحلة القادمة، ولعل أهم خطاب يجب تجهيزه هو الخطاب الموجه لأنصار المعارضة نفسها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر عبدالعزيز
كاتب وباحث سياسي
ياسر عبد العزيز هو كاتب وباحث سياسي، حاصل على ليسانس الحقوق وماجستير في القانون العام. كما حاز على دبلوم الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، وهو الآن عضو مجلس إدارة رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج في اسطنبول ومدير مركز دعم اتخاذ القرار بحزب الوسط المصري.
تحميل المزيد