لماذا تمسك صائب عريقات بسياسة التفاوض السلمي مع إسرائيل حتى موته؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/11 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/11 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
صائب عريقات / رويترز


رحل صائب عريقات.. السياسي الفلسطيني الأبرز خلال السنوات الفائتة، وصاحب الاسم الأكثر قُرباً من أذني.

 فمنذ أن كنتُ طفلاً وأنا أسمع عن زيارة قام بها "كبير المفاوضين الفلسطينيين" أو مباحثات أقامها مع نظرائه الإسرائيليين حتى اعتبرتُ واحداً من أعمدة البيت الفلسطيني الذي لا يتزحزح.

سجنه الإسرائيليون مراراً، وقتلوا ابن عمه نصر عريقات عام 1997م فيما عُرف بـ"انتفاضة الأسرى"، كما قتلوا ابن أخيه أحمد عريقات عام 2019م يوم زفاف أخته ورفضوا الإفراج عن جثته حتى الآن، وكرّست ابنته نورا حياتها في أمريكا لفضح جرائم الاحتلال الصهيوني أمام الرأي العام الأمريكي، ومع ذلك لم تتزحزح عقيدته الراسخة بأنه لا حل أمام الفلسطينيين إلا السلام والمفاوضات، وهي السياسة التي ظلَّ يُروِّج لها لعقود ولم تُنصفه أبداً حتى مات.

شاهدٌ على الاحتلال

في عام 1955م، استقبل رجل الأعمال الفلسطيني محمد عريقات مولوده السادس، وقبل الأخير، صائب، وفي هذا الزمن كانت المنطقة تعيش لحظات فوران كُبرى بعد ثورة يوليو، التي طمأنت الفلسطينيين بأن حُلمهم بامتلاك وطن بات أقرب من أي وقتٍ مضى.

ربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعت محمد عريقات إلى الاستقرار بشكل شبه دائم في بلاده، واستثمار أمواله في شركة حافلات، كفل له تأمين تعليم راقٍ لولده النجيب صائب في مدرسة تيرا سانتا رومان الكاثوليكية، وبالطبع لم يكن يعلم أنه بعد عدة سنوات سيجثم على قريته وشركته كابوس الاحتلال الإسرائيلي للبلاد عام 1967م.

وبينما كان صائب طفلاً في الـ12 من عُمره لم يفهم لماذا يتكالب جيرانه على ترك منازلهم ومقتنياتهم والهرب إلى الأردن، ولا لماذا جمعت أمه كل الملاءات والمفارش البيضاء في المنزل ورفعتها على الواجهة.

لم يعتبر أن سكّان قريته الجُدد من الجنود المدججين بالسلاح ولا يتحدّثون العربية قُوَى احتلال، ولكن سريعاً سيفهم الطفل أن بلاده مرّت بـ"نكسة" أمام اليهود الطامعين في بيوتهم، وأن معظم أهالي قريته فرّوا بحياتهم منهم، وأن أمّه رفضت الهروب في ظِل سفر زوجها للخارج، وسعت لتأمين حياة أطفالها بإعلان استسلامها أمام جيوش العدو بتغطية بيتها بالرايات البيضاء، فحمته من السقوط بين أيدي الإسرائيليين إلى الأبد ليختلف مصيره عن مصير الوطن الذي كافح عريقات بقية حياته ليُعيده لأصحابه كبيته، لكنّه فشل في ذلك.

يحكي عريقات أنه يعتبر أن يوم 10 يونيو/حزيران 1967م شهد نهاية طفولته، وسريعاً تحوّل الطفل المُدلَّل إلى ناشط ضد قوات الاحتلال مطلوب القبض عليه!

أعلن ابن الـ13 الحرب على إسرائيل!

استغلَّ ما لم يتهدم من جدران قريته، وراح يكتب ويرسم عليها تنديداً بالجيش الصهيوني، حتى قُبض عليه ذات مرّة وهو يُنفِّذ إحداها، وكانت تجربته الأولى في السجون الإسرائيلية ولم تكن الأخيرة.

لم يطِل به المقام محتجزاً، خضع لتحقيق إداري بسيط ثم أُفرج عنه، لكن الطفل عريقات فور دخوله مدرسته حُمل على الأعناق، وعدّه زملاؤه بطلاً قومياً، وأصبح له مكانة كُبرى بينهم كأحد مناضلي الاحتلال، فقرّر أن تكون هذه مهمته حتى الممات.

هجرة.. ثم عودة

في عُمر الـ17 سافر إلى الولايات المتحدة ليدرس العلوم السياسية في جامعة ولاية سان فرانسيسكو، نال البكالوريوس عام 1977م والماجستير في العلاقات الدولية عام 1979م، وانتُخب رئيساً لاتحاد الطلاب في الجامعة.

لم يُطق البُعد عن وطنه أكثر من ذلك، فعاد فور انتهائه من رسالة الماجستير إلى الضفة الغربية، وعمل أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية.

صائب عريقات يُلقي محاضرة في جامعة النجاح

وفي هذه الأثناء كانت القضية الفلسطينية تعيش "أجواء كامب ديفيد" الضبابية وغابت أمام الجميع سُبُل الحل الأمثل للقضية، اضطراب عانَى منه الأكاديمي الواعد صائب عريقات الذي صدمته أوضاع ما بعد مرور عقدٍ على النكسة، وتكريس الاحتلال الإسرائيلي لوجوده في التربة الفلسطينية بشتّى الطرُق.

حَسَم هذا الاضطراب في نفس عريقات، منحة دراسية تلقاها من جامعة "برادفورد Bradford" في بريطانيا، درس فيها "سُبُل حل النزاعات" وتمعّن في جذور الصراع العربي – الإسرائيلي، وعاد من بريطانيا بقناعة راسخة أن الحل الأمثل لهذا الصراع الدموي على الأرض المقدسة لن ينتهي إلا بالمفاوضات.

بعد عودته، نشر مقالاً جريئاً في صحيفة "القدس" اليومية دعا فيه إلى الحوار مع الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما عدّه طُلابه خيانةً عُظمى فقاطعوا دروسه لكنه لم يتزحزح عن مواقفه، بل تجاسر على ما هو أكثر حينما دعا طلاباً إسرائيليين لزيارته في مكتبه بجامعة النجاح، وهي الخطوة التي فتحت عليه ثائرة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على حدٍّ سواء.

مضى عريقات في طريقه، وسخّر حياته وفِكره لقضية بلده، فألّف 8 كتب ونشر مئات الأوراق البحثية عن التاريخ الفلسطيني والصراع على الأرض.

شهد عام 1986م صدامه الأول مع الجيش الإسرائيلي، بعدما عُثر في مكتبه على خطابٍ كتب فيه أنه على الفلسطينيين "رفض الحُكم العسكري"، وهو ما أدّى لاعتقاله بتهمة "التحريض على الفتنة"!

بعد عدة مداولات قضائية، أدانته محكمة عسكرية، في أبريل/نيسان 1987م، بالسجن 8 أشهر مع إيقاف التنفيذ وغرامة 6250 دولاراً، وهو ما يُعادل راتبه لنصف عام، وهي الواقعة التي أكدت لعريقات أنه طالما أن إسرائيل تخاف من كلماته لهذه الدرجة فهي "في مأزق كبير".

بعدها بعامٍ كان على موعدٍ مع حدثٍ غير مسبوق، وهو مناظرة تاريخية وصفتها نيويورك تايمز، حينها، بأنها "أمسية غير مسبوقة"، بعدما شكَّل عريقات، بصحبة القياديين الفلسطينيين حنان عشراوي والدكتور حيد الشافعي، وفداً خاض مناظرة تليفزيونية أمام وفدٍ إسرائيلي ضمَّ 3 أعضاء من الكنيست، هم: إيهود أولمرت (من حزب الليكون، سيُصبح رئيساً للوزراء لاحقاً) وحاييم رامون (من حزب العمل)، وديدي زوكر (مُؤسِّس منظمة السلام الآن) بالإضافة إلى سفير إسرائيل السابق في مصر إلياهو بن إليسار.

في هذه المناظرة أظهر الفلسطينيون تفوقاً كبيراً بعكس الوفد الإسرائيلي الذي برزت الخلافات بين أعضائه، بحسب الصحيفة، كما أدلى عريقات بخطابٍ حماسي حصر الإسرائيليين في زاوية الدفاع.

كوفية فلسطينية في مفاوضات مدريد

لا أمتلك معلومة يقينية، لكن لا شك عندي في أن نجاح عريقات في هذه المناظرة لعب دوراً في دخوله العالم الرسمي للسياسة الفلسطينية من أوسع الأبواب.

اقترحته بعض الشخصيات على عرفات لينضم إلى الوفد الذي كان يجري تشكيله استعداداً لمفاوضات تاريخية في مدريد عام 1991م، وبالفعل وجّه له عرفات دعوة رسمية، ليكون أحد أصغر أعضاء الوفد بعُمرٍ لم يتجاوز الـ36 عاماً.

ومن الجلسة الافتتاحية للمفاوضات أثار ضجة كبرى بعدما أصرَّ على ارتداء الكوفية الفلسطينية خلال الجلسات الرسمية، وهو ما أثار امتعاض الوفد الإسرائيلي، وهي اللفتة التي نالت إعجاب عرفات ومنحه في ختام اليوم عناقاً حاراً.

يحكي عريقات أنه كان يتعّمد النظر بثبات في عيني رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير، قائلاً: "لا يمكنك إنكار وجودي بعد الآن".

صائب عريقات يرتدي الكوفية خلال مفاوضات مدريد

يعتبر عريقات أن الفلسطينيين خرجوا من مدريد بمكاسب كبرى، ونالوا تقدير الولايات المتحدة وتفاضوا مع الإسرائيليين، لأول مرة، كشركاء متساوين. يحكي أن الفرحة كانت تعمّ فلسطين أملاً في السلام المُنتظر، يقول "عندما تحدثت إلى والدي، لم يستطع الكلام لأنه كان يبكي لمدة خمس دقائق".

تقول السياسية الفلسطينية حنان عشراوي في كتابها "الجانب الآخر من السلام"، إن عريقات خُلق سياسياً بالفطرة، وكان يُظهر شجاعته في المفاوضات بشكلٍ صاخب، تزامَن مع لحيته الكثيفة التي أطلقها حينها، ليعتبره الإسرائيليون خصماً مخيفاً.

ولمست مدى إعجاب الزعيم ياسر عرفات بقدراته، حتى أنها توقّعت أنه بعد هذه المفاوضات، فإن عريقات سيترك مهامه الأكاديمية لصالحٍ منصب سياسي في السُلطة الوطنية الفلسطينية المُزمع تشكيلها ضمن بنود الاتفاق.

توقع حنان عشراوي كان في محله، وخرج عريقات من هذه المفاوضات كأكبر الرابحين منها، بعدما استُقبل استقبال الفاتحين فور عودته إلى فلسطين، كما اقتنع عرفات به وضمّه إلى دائرة معاونيه المُخلصين وعيّنه وزيراً للشؤون البلدية ومندوباً رئيسياً للمحادثات مع إسرائيل.

استقبال صائب عريقات في فلسطين، بعد عودته من مدريد

العودة إلى فلسطين

بدون أن يتمتّع بأي تاريخ نضال ولا ماضٍ عسكري كغيره من أعضاء حركة فتح، أصبح عريقات من أقرب المقربين لعرفات، حتى إنه كان يعمل مترجماً خاصاً لعرفات في اجتماعاته الكبرى برؤساء الدول.

في الأغلب، اعتبر عرفات أن الميول السلمية المطلقة لعريقات تجعله "رجل المرحلة الجديدة"، التي اختار الزعيم الفلسطيني دخولها، بعدما قرّر وضع سلاحه جانباً واعتبار المفاوضات حلاً وحيداً للنزاع العربي الإسرائيلي.

وفي عام 1994م، عاد أعضاء منظمة التحرير من المنفى في تونس إلى فلسطين، وبموجب اتفاق "غزة- أريحا"، سُلِّمت السُّلطة في كلتا البقعتين إلى الفلسطينيين، وعهِد أبو مازن إلى عريقات بتشكيل مجلس مدينة أريحا، وهو ما فعله باقتدار، وأسّس مجلساً موحداً شمل كافة الأحزاب الرافضة لسياسة أبو عمار الجديدة كحماس والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

وفي العام 1996م، فاز بمقعد أريحا في المجلس التشريعي الفلسطيني عن قائمة فتح بنسبة أصوات قياسية تجاوزت الـ62%.

راهن عريقات على أن التنازلات التاريخية التي قدّمها الفلسطينيون في مدريد وأوسلو (التنازل التام عن 78% من مساحة فلسطين لإسرائيل) ستجلب السلام للبلاد.

سريعاً بدأت بشائر خطأ هذا الرهان، بعدما بدأت إسرائيل في التنصل من التزاماتها بدعوى أنها ليست "تواريخ مقدسة"، وفي لقاءٍ لاحِق مع "بي بي سي نيوز"، اعتبر عريقات أن إسرائيل بعدما حصلت على اعتراف الفلسطينيين بها تراجعت عن الانسحاب ومنحهم حُكماً ذاتياً، وهو ما أحبط الشعب الفلسطيني وجعله يتساءل عن جدوى التنازلات التي قُدِّمت ما دامت لم تجلب سلاماً ولم تُحرِّر أرضاً؟!

وبرغم هذه الإحباطات استمرّت المساعي السلمية الفلسطينية، برئاسة عريقات، فشارك في محادثات تالية في كامب ديفيد عام 1995م، واعتمد عليه عرفات في أي مفاوضات ثنائية جمعته بالجانب الإسرائيلي مثلما جرى في أنابوليس عام 2007م.

بمرور الوقت لم تُثبت استراتيجية عريقات السلمية التفاوضية أي جدوى؛ رحلت الإدارات الأمريكية والإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، ولم يطرأ أي تطور على الحقوق الفلسطينية، استمرت إسرائيل في عمليات الاستيطان بلا هوادة، وظلَّ الشعب الفلسطيني يُراقب وطنه وهو يُقطّع بالتدريج دون أي مقاومة.

المُفاوِض الأكثر حرماناً بالتاريخ

يقول الدبلوماسي الإسرائيلي جلعاد شير في كتابه "في متناول اليد"، إن عريقات رجل سلام وديمقراطي وليبرالي يؤمن بضرورة إحلال السلام بين الناس وليس بين الحكومات، كما أنه مفاوض متمرس وصعب ولديه دهاء وله ذاكرة استثنائية، لا يتردد في رفع صوته عند الضرورة.

ويعتبر جلعاد أن عريقات استثمر كل وقته وجهده في عملية السلام وتعزيز العملية الديمقراطية في الانتخابات الفلسطينية ومحاربة الفساد.

وبرغم كل هذا الاستثمار الذي قام به عريقات في عملية السلام، فإن جهوده لم تُحدث أي أثر، وبدءاً من العام 1997م بدأت ثقته في سياسته تهتز، وبدأ في الإعراب علناً عن عدم حدوث أي تطور في المفاوضات، قال في تصريحٍ لصحفي أمريكي "نحن نواجه أزمة كبيرة، وأعتقد أن الأسوأ قادم".

يقول عريقات "وظيفتي هي إنقاذ حياة الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا أرى كيف أفعل ذلك بدون عملية سلام هادفة. ليس لديّ جيش، ليس لديّ اقتصاد، أنا المفاوض الأكثر حرماناً منذ أن تفاوض آدم مع حواء".

ورغم ذلك كان وجهاً دائماً في أي مفاوضات بين الطرفين، وبسبب إجادته التامة للغة الإنجليزية كان كثيراً ما تستضيفه المحطات الفضائية العالمية للتباحث معه حول وجهة النظر الفلسطينية في شتّى القضايا، لمع نجمه كمحاور عالمي لبق ومثقف، لكنه بقي مفاوضاً لم ينتزع لبلاده نصراً واحداً من على مائدة المفاوضات.

ومع اقتراب مرحلة عرفات من نهايتها، كان أحد الخمسة الكبار (مع أحمد علي قريع ومحمد دحلان وأبو مازن وياسر عبد ربه) الذين سيطروا على مفاصل السُّلطة الفلسطينية.

صائب عريقات مع ياسر عرفات

وخلال حصار عرفات داخل مقره بين شهري مارس/آذار ومايو/أيار عام 2002م، سافر عريقات حول العالم متحدثاً باسم رئيسه المُحاصَر، وبات أحد أقوى المرشحين لخلافته، وهو المنصب الذي أعلن مراراً عدم رغبته فيه، واكتفاءه بمهام كبير المفاوضين.

ورغم حدوث خلافٍ عابر مع أبو مازن دفع عريقات للاستقالة من منصبه فإنه سرعان ما عاد إليه مُجدداً بعد شهرين من الغضب الصامت، لكنه لم يتوقف عن الإعراب عن يأسه من جدوى التواصل مع الإسرائيليين، يقول "كنت أطرح على نفسي سؤالاً، ألا يمكنني أن أفعل شيئاً مختلفاً؟ أن يسأل شخص ما هذا السؤال كل دقيقة من كل يوم فهذا مؤلم للغاية".

في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م، التي شهدت هزيمة تاريخية لفتح أمام حركة حماس، كان أحد الكوادر الفتحاوية القليلة التي نجت من خطر السقوط، بعدما اكتسح منافسيه وظفر بأكثر من ثلثي أصوات سكان أريحا.

وبرغم النكسات المتتالية التي حلّت على القضية الفلسطينية، ظلَّ عريقات على فكره بأن الحل الناجع والوحيد لشعبه هو التمسك بالمفاوضات، وعدم التزحزح عنه أبداً مهما كان الثمن.

إلا أنه عاد واستقال مُجدداً عام 2011م بسبب التسريبات التي عُرفت بِاسم "أوراق فلسطين"، وأذاعتها قناة الجزيرة، وتضمّنت إذاعة وثائق شملت تقديمه لتنازلات هائلة إلى الجانب الإسرائيلي في مفاوضات سرية، ورغم ذلك لم يظفر بأي مكسب سياسي، ولا بأي اتفاق يحفظ به ماء وجه السنوات التي أهدرها لإقناع الفلسطينيين بأن التفاوض هو الحل.

ورغم هذه الاستقالة لم يبتعد كثيراً عن الدائرة المقربة من محمود عباس، حتى أعاده رسمياً إلى منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017م، وهي الفترة التي لعب فيها دوراً كبيراً في جهوده الناجحة لمنح فلسطين عضوية رسمية في الأمم المتحدة بصفة "دولة مُراقبة"، وربما كان هذا انتصاره الرمزي الوحيد الذي حقّقه على الإسرائيليين طوال مسيرته السياسية.

النهاية بكورونا

يقول عريقات: "سينتهي الاحتلال يوماً ما، وسيتوقف الإسرائيليون عن كونهم محتلّين ويُصبحون جيراناً لنا، وستكون هناك دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية.. هذا ما سألتزم طوال حياتي بتحقيقه".

وفي وقتٍ شهد أقصى تراجع عربي لتأييد القضية الفلسطيني، بعدما انسحبت من السباق الإمارات والبحرين وأقامتا علاقات مُباشرة مع إسرائيل، وهي الخطوة التي أدانها عريقات بعنف، وحذر من خطورتها على استقرار المنطقة.

لم يطل المقام طويلاً بعريقات لتحقيق حُلمه، فسرعان ما تأثر بموجة وباء كورونا التي اجتاحت العالم، ولم تحتمله رئتاه المزروعتان حديثاً في مستشفى أمريكي، فسقط متأثراً به.

وفي مستشفى تابع لجامعة هداسا الإسرائيلية تلقّى علاجاً مكثفاً لم يؤدِّ لأي نتيجة، وأعرب طبيبه المعالج عن يأسه من شفائه قائلاً "لقد ذهبنا إلى أبعد الحدود".

وكعادته، لم يستطع الرجل منع نفسه عن إثارة الجدل حتى وهو طريح الفراش، بعدما أثار علاجه في مشفى إسرائيلي صخباً عارماً بين مؤيدين ومعارضين لهذه الخطوة داخل وخارج إسرائيل، ونظّم بعض أعضاء الأحزاب اليمينية الإسرائيلية مظاهرات تدعو لطرده من المستشفى.

وهو ما انسحب بطبيعة الحال على خبر إعلان وفاته ما بين سياسيين بارزين فرحوا بوفاته، مثل الحاخام بنتزي غوبستين الذي أعلن "ابتهاجه بمقتل الشرير" وتمنّى سماع أخبارٍ مماثلة بحقِّ أبو مازن، وبين سياسيين آخرين أعربوا عن حُزنهم لرحيله، وتقديرهم لجهوده من أجل إحلال السلام، مثل تسيبي ليفني وزيرة العدل السابقة، التي كشفت عن أن عريقات بعث لها رسالة وهو على فراش الموت كتب لها فيها "لم أنتهِ مما وُلدت لفعلِه".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد متاريك
باحث في التاريخ وعلوم اللغة
باحث في التاريخ وعلوم اللغة، صحفي مصري، عمل محرراً في عدد من دور النشر.
تحميل المزيد