لماذا صوت يهود أمريكا لبايدن بدلاً من ترامب؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/10 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/13 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
رويترز

اقتربتِ الانتخابات الأمريكيّة من ساعة الصفر، الّتي ستشهد الإعلانَ الرسمي عن اسم الحاكم الجديد للبيت الأبيض. وتجزم التقارير ووسائل الإعلام الأمريكية والدولية بأن كفّة بايدن هي الأثقل في ميزان الصراع، ما لم ينجح الأول في تفعيل أي من خياراته "التعطيلية" لمسار الانتخابات.

عددٌ من العواصم الشرق الأوسطيّة، بدأت تتفاعل برجماتياً مع الاستنتاج والترجيح الذي تحول إلى إعلان شبه رسمي، قبل ساعاتٍ من الإعلان الأوَّليّ عن النتيجة النهائية، تفاعلاً يصعبُ اعتباره تزامناً صدفوياً على النحو المعتاد؛ إذ أعلنت كلّ من القاهرة، والدوحة، وأبوظبي، والرياض، حزمة إصلاحاتٍ سياسية، وخطوات توفيقية، بحسب ما تتيح لها ظروفها الداخلية، تحسباً لقدوم الرئيس الديمقراطي. كما أبدت عواصم استبشاراً واضحاً، فقد غابت بعض العواصم إلى الآن عن التقييم، على الأقل في الإعلام العربي، ومنها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

يتّسم الوضعُ في إسرائيل إزاء الانتخابات الأمريكيّة بالمفارقات، وبالأخص في هذه النسخة التاريخية من التنافس السياسي في بلاد "العم سام". ونحاول هنا، بإيجاز قدر الإمكان، التركيز على أهم "الثيمات" الأساسيّة والمحاور الرئيسية التي شهدت تفاعلاً وتقاطعاً حقيقياً مع هذا الحدث، مثل موقف اليهود، داخلياً وخارجياً، والحكومة الإسرائيلية ممثلةً في رئيسها نتنياهو، وصولاً إلى الداخل الفلسطيني.

لماذا صوّت يهود أمريكا لبايدن؟ 

أكثر الوحدات اليهودية تأثيراً في الانتخابات الأمريكية بطبيعة الحال، هم يهود الولايات المتحدة، والذين يشكلون ما يقترب نصف يهود العالم، ويتجاوز عددهم 5 ملايين نسمة في أقل التقديرات. ولتلك الفئة، فإن هناك عرفاً تصويتياً سائداً قائم على المعادلة التالية: الكتلة مقابل المال. وتاريخياً، دأب اليهود على انتخاب المرشح الديمقراطي بنسبة عالية تتراوح بين (60:80)%. وقبل الانتخابات، تحدثت استطلاعات اللجنة اليهودية الأمريكية عن أن نسبة تصويت يهود أمريكا لبايدن ستصل إلى 75%، وهي نفس النسبة، بالضبط، التي قدرتها صحيفة "هآرتس" ليصوت بها اليهود الأمريكان إلى بايدن، بعد فرز القدر الأكبر من أصوات المقترعين بالولايات الأمريكية المتنافسة.

ربما يبدو ذلك مفاجئاً، ولكن الشريحة الأكبر من يهود الولايات المتحدة تنتمي، عملياً، إلى طوائف معتدلة دينياً، تفضل الاندماج في المجتمع الغربي، متجاوزةً سرديّات التمركز حول اليهوديّة وإسرائيل، وتشعر بأنّ مصلحتها في دعم التوجهات السياسية القريبة من الأقليّات بشكل عام، لا إلى التقرّب اليميني من إسرائيل. فيما ينحسر تأثير الشريحة المحافظة أمريكياً في نطاق المال، والعلاقات العامة، والابتزاز السياسي، والسلوك الشعبوي، وقد حاولت تجمعات يهودية محافظة بالفعل إعاقة الفرز وممارسة العنف في ولايات ميتشجان وأريزونا، إثر تخوفهم من تفوق بايدن في هذه الولايات.

وتعد تلك الشريحة هي الأقرب ليهود الداخل الإسرائيلي، وفق مقياس النظرة إلى الانتماء الديني والتعلّق بالسرديات الدينية المحافظة. وعلى الرغم من أنّ الداخل اليهودي لا يمكنه، عملياً، التأثير في نتائج الانتخابات الأمريكية، فإن الساحات العامة، مادياً ومعنوياً، عجّت بالدعاية الدينية والسياسية لترامب. فأفردت القناة الـ20 العبرية المقربة من عائلة نتنياهو مساحةً كبيرة من البث ليلة الانتخابات لدعم ترامب والترويج الزائف لانتصاره، وشهد الحرم الإبراهيمي صلوات جماعية من مندوب الحزب الجمهوري، مارك تسيل، للدعاء لترامب بصحبة رؤساء بعض المجالس الاستيطانية، وخرج حاخامات اليهود الأرذوكس المتحالفون مع نتنياهو في مقاطع مصورة، لحث يهود الخارج على التصويت لترامب، ومحاولة إقناع الشعب الأمريكي نفسه بانتخابه، بدعوى نجاحه في إعادة أمريكا لمكانتها في العالم. وبحسب القناة الـ13 العبريّة، فإن أكثر من 63% من يهود إسرائيل كانوا يتمنون فوز ترامب.

التمدد العسكري التركي والإيراني

موضوعياً، وعلى عكس الشائع، لم يكن ترامب خيراً محضاً لإسرائيل، ولم تكن علاقته بنتنياهو إيجابية دائماً بالنسبة للدولة. صحيح أنه اعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وأمر بنقل السفارة الأمريكية إليها، واعترف بقانونية الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وساعد في إجبار الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل، واشترى معدات عسكرية إسرائيلية لا تحتاجها بلاده لإنعاش صناعة الدفاع الإسرائيلية؛ إلا أن آثار انسحاب بلاده من الشرق الأوسط، أمنياً، كانت وخيمة على إسرائيل، وبالأخص سماحه بالتمدد العسكري لتركيا وإيران، ضد كل من الأكراد والسعودية، كما كانت قراراته الكبرى مفصلة، في أوقات اختيارها، لدعم نتنياهو في معاركه السياسية ضد خصومه بالداخل. 

بهذا المضمون تقريباً، نوّه يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية الحالي بعد اتجاه بيني غانتس زعيم "ائتلاف أزرق أبيض" للاتفاق سياسياً مع نتنياهو على تقاسم السلطة، في كلمته، عشية الانتخابات الأمريكية، نوّه إلى العلاقة العضوية التي حرص نتنياهو على صياغتها مع ترامب، بالمخالفة لتقاليد كل من إسرائيل وأمريكا، بتكريس الوقوف على مسافة واحدة، تقريباً، من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وهو ما يعني، أن المعارضة، لا تحبذ انتصار ترامب الذي يدعم اليمين بشكل عام، ونتنياهو بشكل خاص. وقد حفلت الكتابات الصحفية اليسارية الإسرائيلية قبل الانتخابات، وخلالها، بتخوفات "اجتماعية" من فوز ترامب، الذي قد يساهم في إلحاق الأذى باستقرار الشعب الأمريكي ومستقبل الدولة، كما أدت سنوات نتنياهو الأخيرة في الحكم إلى هذه النتيجة في إسرائيل. 

بايدن وإسرائيل

من غير المنتظَر أن يقوم بايدن بعقاب نتنياهو على علاقته الوثيقة بترامب، أو أن يقوم بنكوص ثوري عن خطط سلفه ترامب، بخصوص القدس والجولان لأسباب كثيرة، منها تركيزه الجم على الوضع الداخلي وأعباء كورونا والتعافي الاقتصادي، والقَبول العربي العام بخطوات ترامب، والثوابت التاريخية المستقرة نحو إسرائيل. ولكن، من المؤكد، أنه سيقطع الطريق على نتنياهو نحو الدعوة لانتخابات رابعة جديدة كان يعوّل على انعقادها مدعوما بسطوة ترامب، كما اعتاد في الماضي، كما يرجح أن يعيد العلاقات الأمريكية مع السلطة الفلسطينية، وأن يحجّم من داعمي نتنياهو الشرق أوسطيين، وأن يتبنّى سياسةً أقلّ عدائيّة نحو إيران. لذلك، حاول نتنياهو، في مفارقة كاشفة، تجنب مجاراة ترامب بالإساءة لبايدن، عندما سأله دونالد عما إذا كان جو قادراً على دفع السودان، مثله، للتطبيع مع إسرائيل، فاكتفى نتنياهو بالتأكيد على ترحيبه بجهود كل أمريكي لتعزيز السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.

موقف السلطة الفلسطينية

السلطة الفلسطينية بدأت هي الأخرى خطواتٍ احترازية، فيما يبدو، نحو عودة علاقتها مع الحكومة الإسرائيلية، استجابةً للتطور الأخير المحتمل: وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وعودة الخطاب السابق الخاص بضرورة إحياء المفاوضات وبحث سبل السلام وحل الدولتين. فاقتربت، بحسب تأكيدات صحافية، من استرداد أموال المقاصة المحجوزة لدى إسرائيل وتفعيل التنسيق الأمني مجدداً، وهي خيارات إيجابية مؤقتاً. ولكنها لن تفيد القضية على المدى البعيد، بعد قطع أشواط في طريق المصالحة من ناحية، وفي ظلّ تنفيذ عملي لصفقة القرن من ناحية أخرى، خاصة مع احتمال قيام نتنياهو بدعم خطة الضم قبل أيام من مباشرة بايدن صلاحياته الرئاسية بتحريض من قيادات برلمانية وأمنية.. فعودة العلاقات مع الاحتلال ستعرقل مشروع المصالحة، وفي نفس الوقت لن تردعه عن تنفيذ مخططاته الاستعمارية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد سلطان
كاتب مصري مقيم بأستراليا
كاتب مصري مقيم بأستراليا
تحميل المزيد