لم تكن ردة فعل الشارع الأردني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على الإعلان غير الرسمي عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، أقلَّ من تفاعله خلال السباق المحموم مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ورغم أن الضجة الكبيرة تأتي في سياق طبيعي عند النظر إلى الحدث غير العادي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل ستؤثر الانتخابات الأمريكية والسباق الذي لم ينتهِ إلا في الأمتار الأخيرة على إقبال الأردنيين على انتخاباتهم؟
لقد شهد الفضاء الإلكتروني في المملكة تفاعلاً واسعاً مع الاستقطاب الذي حصل والذي انتهى بتتويج رئيس جديد، حيث رافق السباق الأمريكي المثير تكهنات انقسم معظمها بين ترقب لولاية جديدة لترامب، وهو ما يعني مرحلة أخرى من "البلطجة" السياسية التي مارسها مع كل خصومه، خاصة العرب، وبين من رأوا أن فوز بايدن سيعود بالسياسة الأمريكية إلى رشدها، خاصة تجاه القضية الأولى، قضية فلسطين، وستتم الموازنة في المواقف بين العرب وإسرائيل، بعد الانحياز الصريح والدعم غير المنقطع لإسرائيل من إدارة ترامب.
وليس المكان هنا لتفسير الموقف الأمريكي الجديد، والسياسات التي سوف تتغير تجاه عدد كبير من القضايا العربية الطارئة على الساحة، ولكن النقاش حول: كيف يمكن أن ينعكس التفاعل الإيجابي الذي شهدناه من أطياف المجتمع، خاصة فئة الشباب، مع الديمقراطية الأمريكية، على الانتخابات النيابية بعد أيام قليلة، وهل يمكن أن يعيد النظر كل من يناشد لمقاطعة الانتخابات، خاصة أنهم أنفسهم مَن يتغنون بحرية اختيار الناخب الأمريكي لمرشحه، وما يرافقه من تقدم وازدهار على جميع الأصعدة.
منذ أن تصدّرت دعوات المقاطعة المشهد ووسائل التواصل، جاء التفاعل الكبير مع بداية الانتخابات كصدمة لا أخفيها، لسبب وجيه، وهو أن شريحة واسعة من المجتمع، وتحديداً أولئك الذين ينادون بالمقاطعة اعتبروا أن الديمقراطية هي نعمة الرب لأمريكا، وتركته للشعوب المتقدمة، وأننا نفتقد هذا الأمر، وغالباً ما يرجع هؤلاء ذلك لمصطلحات فضفافة مثل المؤامرة الكونية، والدولة العميقة، والعائلات المتنفذة وغيرها، إن الحل المنطقي هو البحث عن الخلل وكيفية إصلاحه، فما هي النقطة السوداء التي تتسبب لنا دوماً بخروج مجلس نواب لا يمثل إلا مصالحه، أليس العزوف عن الانتخاب؟
لا أذكر منذ أن بدأت أعاصر الانتخابات النيابية أن نسبة الاقتراع تجاوزت الـ50%، بمعنى أن غالبية الشعب لا يختارون، وحتى من يختار فهم يختارون على أُسس العشائرية، وللأسف كثير منهم على ركيزة "من يدفع أكثر".
لقد طغت مرحلة يمكن وصفها بتزاوج السلطة والمال على ذاكرة الأردنيين، حيث شهدنا فترة "الخصخصة" وما تبعها من ركود اقتصادي فعلي، وإن تحقق نمو اسمي، إضافة إلى مشهد الربيع العربي الذي لم يزهر، إضافة إلى أحداث متسارعة أبرزها تمرير صفقة الغاز الإسرائيلي، وصولاً إلى ما نجم عن الحظر وارتفاع مخيف للفقر والبطالة والمديونية، كل هذه النقاط السوداء وغيرها جعلت الناخب الأردني يعزف عن المشاركة، ويستجيب لكل الدعوات الهدامة بالبقاء في منزله، وترك الساحة لـ"ذئاب المال الأسود".
لقد عمل الملك عبدالله الثاني على مدار عقدين من الزمن على توفير بيئة سياسية مناسبة وفعالة، فقد كرّس نهج المشاركة السياسية والديمقراطية الفعالة، إلا أن جهوده دوماً ما كانت تنقصها اللمسة الشعبية، التي تفرز حقيقةً تطلعات كبيرة توصلنا إلى بر الأمان، والهدف الأسمى هو الحكومات البرلمانية، التي تعبّر عن مكنون الشعب وآماله.
إن المطلوب اليوم ليس أن ينجح تيار معين ويحقق الأغلبية، ولكن الطموح هو إيصال أشخاص متوافقين على مصلحة الوطن، وإن اختلفت توجهاتهم الفكرية وخلفياتهم الحزبية، لقد رأى الأردنييون كيف أن الصندوق يذهب برئيس هدّد الأمن القومي الأمريكي باستقطابه تجاه المسلمين والسود واللاتينيين، أي "يذهب بالسيئ ويأتي بالأفضل"، معادلة بسيطة يجب أن يستوعبها الناخب الأردني، وعندها فقط سنكون قادرين على ممارسة اللعبة الديمقراطية.
إن الإصلاح عملية عسيرة أشبه بالولادة القيصرية، ولكن ما بعدها سيكون مولوداً جميلاً يُدعى "مجلس نواب قوي"، قادر على تغيير شكل السلطة التشريعية، وإفراز ما نحتاجه وما نطمح إليه، إنّ على الشعب الأردني أن يُثبت رغبته في تطبيق الديمقراطية، وأن يتبع نهج أبناء العم سام، الذين يقولون للأردنيين: حان دوركم للتغيير!.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.