بعد عام واحد فقط.. كيف تمكّن الشعب البوليفي من إسقاط الانقلاب العسكري؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/07 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/07 الساعة 11:15 بتوقيت غرينتش
اشتباكات بين داعمي ومعارضي رئيس بوليفيا/ رويترز

قبل عام من الآن تقريباً، وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، كان على البوليفيين الاختيار بين أمرين كلاهما "مر" إما المقاومة، أو الرضوخ للحكم العسكري، ودفع ثمن ذلك من استقلالهم الوطني وحريتهم.

على مدار عام كامل، اختار الشعب البوليفي الصمود ومناهضة الانقلاب العسكري حتى نجح أخيراً في تحقيق إرادته، وإزالة آثار الانقلاب، بانتخاب حكومة معبرة عنه.

اليوم تحتفل بوليفيا بفوز رئيس جديد هو لويس آرس، مرشح حزب الحركة الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية، وتجاوز الاحتفال الانتصار في المعركة الانتخابية إلى ما هو أبعد من ذلك.

عبرت بوليفيا مأساة الانقلاب العسكري عندما أسقط الجيش واليمين المتطرف، وبدعم من الولايات المتحدة، حكم الرئيس السابق إيفو موراليس، ونكّلوا بأنصاره وداعميه بطريقة دموية، وكبحوا الديمقراطية وعطلوا مؤسسات الدولة.

يقول أنصار حزب الحركة الاشتراكية البوليفي: إن "المسؤولين عن قتل الناس ورميهم على جنبات الطرق سينالون عقابهم لأن يوم الحساب قريب".

فكيف كانت أبعاد الانقلاب على بوليفيا؟ وما طبيعة فوز حزب الحركة الاشتراكية في الانتخابات؟ وكيف تجاوز البوليفيون ذلك الانقلاب حتى وصلوا إلى مرحلة الانتخابات؟.

الشعب ينتصر

في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020، خرج أنصار لويس آرس، مرشح حزب الحركة الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية إلى الشوارع، احتفالاً بفوزه الحاسم من الجولة الأولى، وحصوله على أكثر من 52% من الأصوات، مقابل حصول منافسه الرئيسي المدعوم من الجيش والأحزاب اليمينية كارلوس ميسا على 31.5%.

وفي أول تصريح له عقب إعلان نتيجة الاستطلاع قال آرس: "بوليفيا تعود إلى الديمقراطية. سنعمل من أجل جميع البوليفيين، وسوف نشكل حكومة وحدة وطنية".

عادت بوليفيا سريعاً إلى حظيرة الديمقراطية، بعد أن تم الانقلاب على الرئيس الأسبق إيفو موراليس، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأجبر على تقديم استقالته التي أوضح أنها جاءت تحت ضغط من قادة الجيش والشرطة.

لويس آرس الذي صار رئيساً الآن كان يشغل وقت الانقلاب منصب وزير الاقتصاد في حكومة موراليس، وشهد فصول الانقلاب عليه والإطاحة به وبحزبه من أروقة السلطة، لذلك تعدُّ عودته وحزب الحركة الاشتراكية إلى السلطة مرة أخرى، نصراً كبيراً احتفل به البوليفيون.

كانت هناك حالة من القلق والترقب بين المواطنين لنتائج الانتخابات، رغم أن عملية التصويت مرّت بهدوء، وسط تخوفات من عدم تداول ديمقراطي للسلطة، أو الانقلاب على النتيجة وتزويرها.

منذ انتهاء عمليات التصويت التي جرت بهدوء، تكثّفت الدعوات للبوليفيين "للتحلي بالصبر" في مواجهة بطء الكشف عن النتائج الرسمية.

وقال رئيس المحكمة الانتخابية العليا سلفادور روميرو خلال مؤتمر صحفي: "في انتخابات حساسة كهذه من أجل مستقبل البلاد، علينا اعتماد اليقين بشأن نتائج الانتخابات".

إلى أن قطع الصمت المطبق صوت الرئيس السابق المنقلب عليه، إيفو موراليس من الأرجنتين التي لجأ إليها، معلناً فوز حزبه قائلاً: إن "الحركة نحو الاشتراكية فازت بالانتخابات بفارق كبير بما يشمل مجلس الشيوخ ومجلس النواب.. آرس هو رئيس بوليفيا".

وبأصوات الشعب البوليفي وبمشاركة بلغت 87% (من بين حوالى 7 ملايين نسمة)، وهي من أعلى النسب في العالم، وإتمام عملية التداول السلمي للسلطة، تجاوزت بوليفيا خطراً محدقاً واضطرابات فوضوية واسعة.

انقلاب صادم 

بعد معركة انتخابية شرسة، انتهت بفوز الرئيس البوليفي (حينئذ) إيفو موراليس، انطلقت احتجاجات كبيرة من أحزاب اليمين مدعومين ببعض الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، استقال موراليس من منصبه، في أعقاب مطالبة الجيش له بترك المنصب، حفاظاً على استقرار البلاد.

وقتها حذَّر موراليس من أن الديمقراطية في بوليفيا تواجه انقلاباً تقوم به مجموعات عنيفة تنتهك النظام الدستوري، وحث الشعب على الدفاع عن الديمقراطية، وقال: "إننا ندين أمام المجتمع الدولي هذا الهجوم على سيادة القانون".

وتزامن مع تلك الأحداث هجمات مسلحة انتقامية من عناصر اليمين المتطرف على مقرات الحركة الاشتراكية، وعلى منازل المزارعين من عائلة وجيران موراليس.

إلى أن جاء التدخل المباشر للجيش ليشكل الخطوة الأخيرة من الانقلاب، وأرغمت قيادة الجيش موراليس على ترك البلاد، وتم نقله بالفعل إلى المكسيك كلاجئ سياسي.

بعدها أعلنت جانين آنيز، أحد أقطاب اليمين المتطرف في البرلمان البوليفي والمعروف عنها معاداتها للسكان الأصليين، نفسها رئيسة مؤقتة للبلاد بعد تصويت هزلي وفي غياب غالبية أعضاء البرلمان. ثم أدلت بخطاب من شرفة قصر الرئاسة بالعاصمة سوكري، وإلى جانبها أحد كبار جنرالات الجيش.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نشرت مجلة "ذي تريبيون" البريطانية، تقريرها عن وقائع الانقلاب العسكري في بوليفيا، وقالت: إن "الأيام الأخيرة شهدت المرحلة التراجيدية لما بعد الانقلاب ضد إيفو موراليس وحكومته في بوليفيا".

وأضافت: "تم إطلاق النار على المتظاهرين المدافعين عن الديمقراطية في مدينة إل ألتو، بالإضافة إلى أنه تم اعتقال مناصري حزب موراليس، الحركة نحو الاشتراكية، من بيوتهم، فيما قام أفراد الشرطة الملثمون باستعراض المسؤولين أمام الكاميرات، وتم نشر الجيش في الشوارع".

وأورد التقرير أن "إخراج الجيش البوليفي لموراليس من الرئاسة جاء بعد موجة من عنف المعارضة التي هاجمت مؤيدي الحكومة التقدمية، وبالذات ضد سكان البلد الأصليين والفلاحين".

وأشار إلى أن "اللافت للنظر هو أن ذلك تضمن تخريب البيت الرئاسي لموراليس وحرق بيت أخته، بالإضافة إلى عمل قوات الأمن مع العصابات اليمينية لاعتقال مؤيديه من المناطق الفقيرة في مدن بوليفيا". 

ومن أبشع ما ذكرته المجلة البريطانية عن الانقلاب "حالة باتريشا آرسي، عمدة منطقة فينتو في مدينة كوتشامبابا، التي تعد قلب التأييد لحزب الحركة الاشتراكية، حيث قامت العصابات الانقلابية باعتقالها وحلق شعرها، ورشها بالصبغ الأحمر، وهو لون اليمين في بوليفيا، وأجبروها على المشي حافية في شوارع فينتو، وأن تركع وتطلب العفو لتأييدها لموراليس".

منذ ذلك الحين انتفض الشعب البوليفي بشكل يومي، في شوارع العاصمة لاباز وغيرها من المدن للمطالبة برحيل آنييز، ووقف الانقلاب العسكري، وعودة الديمقراطية الموؤودة مرة أخرى. 

دعم أمريكي

الخلاف بين الحكومات اليسارية في بوليفيا والولايات المتحدة يعود إلى سنوات طويلة، لكن على وجه التحديد كان الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس، من أشد أعداء وخصوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وفي يوليو/تموز 2018، وصف موراليس الرئيس ترامب بأنه "عدو للبشرية". وقال في تصريحات إذاعية على هامش مشاركته في منتدى "سان باولو" بكوبا: إن "العدو في هذا الزمن هو دونالد ترامب، إنه عدو للبشرية، ولكوكب الأرض".

ظهرت أبعاد ذلك الخلاف مع وقوع الانقلاب العسكري على موراليس، عندما رحب ترامب باستقالة الرئيس البوليفي، معتبراً إياها "رسالة قوية إلى الأنظمة غير الشرعية". وأشاد بدور جيش بوليفيا، معتبراً الاستقالة "لحظة مهمة للديمقراطية".

بعدها اتهم موراليس في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، في ديسمبر/كانون الأول 2019، من منفاه بالمكسيك، واشنطن بتدبير انقلاب ضده للسيطرة على موارد الليثيوم في بلاده.

ولم يكن اتهام واشنطن بالضلوع في الانقلاب خارجاً من بوليفيا وحدها، بل من داخل الولايات المتحدة نفسها، وذلك عندما سخر سيناتور أمريكي سابق من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.أي)، متهماً إياها بالقيام بدور في أحداث بوليفيا.

وكتب السيناتور السابق عن ولاية "ألاسكا" مايك غرافل، على تويتر "تهانينا على فوزكم بالسلطة في بوليفيا"، مع تضمينه حساب الوكالة الأمريكية في تغريدته.

ويعد إيفو موراليس أول رئيس لبوليفيا من السكان الأصليين، وأحد قادة الحركات الاجتماعية والنقابية التي اندلعت بقوة في بدايات القرن الحالي ضد الليبرالية الجديدة، وضد السياسات العنصرية التي تبنّتها الحكومات البوليفية المتعاقبة تجاه الفقراء والسكان الأصليين وضد ثقافتهم وحقوقهم. 

كما شكَّل موراليس ورفاقه من النقابيين والمزارعين الفقراء حزب الحركة الاشتراكية، الذي تمكَّن من الفوز بالانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2005، ووقفوا ضد محاولات الهيمنة الأمريكية والتدخل في شؤون بلادهم. 

مقاومون للنهاية

بعد الانقلاب مباشرة نظَّم البوليفيون صفوفهم، وعلى الفور تحرَّك مئات الآلاف من فقراء الآلتو (المدينة المتاخمة للعاصمة لاباز، وهي معقل الفقراء من السكان الأصليين) بمظاهرات صاخبة للمطالبة بعودة موراليس ووقف الانقلاب العسكري.

بدأ المزارعون الفقراء بتنظيم صفوفهم للدخول في مجابهة أمام القوات الانقلابية، وهو ما أدى إلى قتل كثير من المناهضين للانقلاب، وألقيت جثثهم على قوارع الطرق.

وقتها تضامنت المكسيك مع الشعب البوليفي بقوة، وقال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد: إن بلاده تعتبر ما جرى "انقلاباً، لأن الجيش طلب استقالة الرئيس، ويمثل ذلك انتهاكاً للنظام الدستوري للبلاد".

وأضاف إبرارد في مؤتمر صحفي وإلى جانبه الرئيس المكسيكي اليساري المخضرم أندريس مانويل لوبيز أوبرادور أن "المكسيك لن تقبل حكومة ذات طابع عسكري في بوليفيا، وأوضح أن بلاده ستواصل الاعتراف بموراليس رئيساً شرعياً".

ومع استمرار الاضطرابات والمظاهرات، أصبح واضحاً أمام الحكومة المدعومة من الانقلاب أن الاستمرار في الحكم، وسط غليان شعبي داخلي، بمثابة الانتحار، وهو ما أجبرهم على التعاطي مع ملف الانتخابات والتداول السلمي للسلطة بواقعية سياسية. 

بعد ذلك تجلّت أهم تفاصيل المشهد مع انعقاد الانتخابات الرئاسية، وفوز حزب الحركة الاشتراكية، وعودة أولئك الذين تم الانقلاب عليهم ونكل بهم، برؤية متقدمة ومختلفة عبّر عنها الرئيس المنتخب لويس آرس في أول خطاب ألقاه بعد الفوز.

لخص آرس رؤيته في أنها تعتمد على تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الغالبية الساحقة من البوليفيين، وتعمل على إعادة اللحمة الداخلية وإنهاء حالة الصراع والابتعاد عن الانتقام والمناكفة، والانكباب حصراً على مشاريع التنمية الشاملة والاستفادة من ثروات البلاد وقطع الطريق على الأطماع الأجنبية.

كما شدَّد آرس في خطابه على ضرورة عودة الزعيم البوليفي إيفو موراليس من منفاه، بعد استرداد الديمقراطية وفرض الإرادة الشعبية، فيما شارك الأخير حليفه احتفالية النصر، واصفاً فوزه "بعودة الكرامة والسيادة إلى بوليفيا".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد يحيى
صحفي وباحث
صحفي وباحث
تحميل المزيد