من ورق العنب، المخلل، إلى القهوة والأجبان، بدأت متاجر وسلاسل بيع بالتجزئة سعودية بإزالة المنتجات التركية المختلفة من رفوفها بعد دعوات سعودية إلى المقاطعة. وبالصدفة، تزامنت تلك الحملة مع وصول أول سفينة شحن إماراتية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020، مع تسريبات عن احتمالية تعاون اقتصادي خفي، بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي قريباً. فمغردون سعوديون ومحللون سياسيون يرون أن تلك الحملة التي تستهدف تركيا تحاول خلق عدو جديد للشعب السعودي والشعوب الخليجية يتمثل في تركيا ورئيسها، ومن وراء تلك الحملة، يتم التمهيد للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
والواضح للقارئ ما بين السطور، أن جهات سعودية وإماراتية تقود حملة لمقاطعة المنتجات التركية كمحاولة لضرب الاقتصاد التركي في إطار العداء السياسي بين الإمارات والسعودية من جهة وتركيا من جهة أخرى. وكشفت صحيفة إندبندنت البريطانية وعدد من وكالات الأنباء العالمية أن الحديث عن قطيعة اقتصادية محتملة بين السعودية وتركيا أصبح أمراً وشيكاً إن لم يكن قائماً بالفعل بصورة غير معلنة، في إشارة إلى تحول الخلاف السياسي بين البلدين إلى التجارة والاقتصاد ورغبة المملكة في مواجهة سياسات الرئيس التركي الداعمة للربيع العربي والعاملة على صيانة المصالح التركية، بكل الوسائل الممكنة.
ماذا يحدث؟
دعا رئيس غرفة الرياض، عجلان العجلان، السعوديين لمقاطعة المنتجات التركية، حيث قال في تغريدة له نشرها على حسابه الشخصي تويتر: "المقاطعة لكل ما هو تركي، سواء على مستوى الاستيراد أو الاستثمار أو السياحة، هي مسؤولية كل سعودي "التاجر والمستهلك"، رداً على استمرار العداء من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا".
واستجابة لتلك الدعوة أعلنت متاجر كبرى بالسعودية بينها أسواق العثيم والتميمي وبندة، أنها ستتوقف عن استيراد وبيع المنتجات التركية.
وبعدها بأيام قليلة انضم مسؤول إماراتي إلى الحملة، عبدالخالق عبدالله، ونشر على حسابه الشخصي تويتر "صنع في تركيا غير مرغوب به سعودياً وخليجياً".
وأعلنت أكبر 8 مجموعات أعمال تركية، حسب Financial Times، تضييق الإجراءات السعودية على الصادرات التركية، وتحذر من أثر التصعيد على العلاقات التجارية، وهناك تقارير دولية تؤكد "الحظر غير معلن"، وتحر من تداعياته الخطيرة على سلاسل التوريد التجارية العالمية.
لكن السلطات السعودية تنفي وضع أي قيود على البضائع التركية، باستثناء ما تفرضه قيود كورونا، وتؤكد التزامها بالتجارة الحرة، والاتفاقيات التجارية الدولية.
مَن المتضرر؟
تركيا تتبع استراتيجية تحييد الخلافات السياسية عن العلاقات الاقتصادية؛ لتجنب إلحاق الأذى بالتجار والمواطنين، وعلى الرغم من الخلافات السياسية، وحملات المقاطعة المتواصلة منذ سنوات، بل على العكس ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا والِإمارات. لذا يحذر اقتصاديون من أن قطع العلاقات التجارية سيتسبب في نفس مستوى الضرر للطرفين.
لكن منذ عام 2016 تراجعت واردات السعودية من تركيا بشكل تدريجي، مع تصاعد التوترات السياسية بين البلدين، بحلول عام 2018 تدهورت العلاقات بينهما، ووصلت إلى مرحلة الحرب الباردة، خاصة بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في السفارة السعودية. حتى صارت تحتل السعودية المركز 15 من بين أكبر أسواق التصدير في تركيا، حيث بلغت مبيعات السجاد والحبوب والأثاث والصلب والمواد الكيميائية 1.91 مليار دولار، في ذلك العام.
ويمكن القول بأن الجودة العالية والأسعار التنافسية التي تتميز بها المنتجات التركية عن غيرها، سببان كافيان لجعل المنتجات التركية تحظى بشعبية كبيرة بين الجماهير العربية، وحملة مقاطعة تلك المنتجات سينتهي بها المطاف فاشلة ولن تدوم طويلاً لعدم توفر بديل يضاهيها في الجودة والسعر. والحقيقة أن الوضع القائم سيضر بالمستهلك السعودي أكثر من غيره.
كما جاءت حملة مقاطعة فرنسا ومنتجاتها بعد الأحداث الأخيرة التي بدأت بنشر الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لتنسف كل آمال الحكومة السعودية في حشد زخم كافي وصنع البروباغاندا اللازمة لإنجاح حملة المقاطعة لتركيا. بل انقلب السحر على الساحر، وحصدت تركيا المديح الأكبر من الشعوب الإسلامية لمواجهتها الغطرسة الفرنسية وسلوكها المعادي للإسلام والمسلمين.
العقل المدبر
وكان التأكيد على أن حملة مقاطعة المنتجات التركية في السعودية جاءت بأوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان، خروج الأمير السعودي المقرب من الديوان عبد الرحمن بن مساعد ليؤيد حملة المقاطعة ويدعو الجميع لها.
وقال بن مساعد في تغريدة له، لتبرير الحملة التي تهدف لمكايدة أردوغان الذي رفض المساومة على دم جمال خاشقجي، إن دعوته لمقاطعة المنتجات التركية، هي "جزء من رد شعبي على سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الرياض، ولا تستهدف الشعب التركي".
لكن تمتلك تركيا اليوم العوامل التي تُؤهلها لإقامة نظام إقليمي بالعالم الإسلامي، وهذا الذي دفع بأمريكا باستخدام بعض الدول العربية لعرقلة هذه المسيرة، فقد ضغطت ولا تزال تضغط بقوة وبشكل مستمر بضربات متعاقبة على الاقتصاد التركي في محاولات منها تحطيمه عبر أدواتها في المنطقة (آخرها إعلان مقاطعة المنتجات التركية).
فنجاح تركيا واستقلالها اقتصادياً يعني تمكين باقي الدول الإسلامية؛ مما سيحقق صعود نظام مستقل عن النظام العالمي الذي تسعى أمريكا لتوطيد أركانه وتثبيتها في بقاع العالم وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.