ليست “فزعة” وإنما أسلوب حياة.. لماذا يجب أن تستمر مقاطعة فرنسا؟

عدد القراءات
728
عربي بوست
تم النشر: 2020/11/05 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/05 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى جانب ماكرون/ الفرنسية

لم يكن من المقبول أو الممكن أن يمر سلوك الفرنسي إيمانويل ماكرون والنخبة الفرنسية الحاكمة مرور الكرام في تشجيعها للإساءة لرسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) من منطلق حرية التعبير والإبداع. الأديان، وخاصة السماوية، ليست مجرد علاقة بين الفرد وربه، بل هي عامل اجتماعي وشخصي يرتقي بالإنسان روحياً ويضبط سلوكه اجتماعياً، وهي رابطة وعروة وثقى تربط أبناء الديانة ببعضهم البعض. أي أن الأديان تؤدي أدواراً اجتماعية لا غنى عنها، كما أن كل دين له قداسة في الوعي الجمعي لأتباعه. لذا فإن أحد واجبات مؤسسات الدولة المختلفة الحفاظ على احترام ووقار الأديان بين كافة أبناء المجتمع على اختلاف ديانتهم؛ لأن ذلك ينشر الأمن المجتمعي ويجنب الفتن ويعزز السلم العام، والمفترض، في عالمنا الصغير الحالي حيث تتواجد الأقليات الدينية والعرقية في كل البقاع بما فيها الجمهورية الفرنسية، إن كل ذلك من البديهيات التي لا تحتاج الكثير من المراجعة والتكرار. 

تصريحات عوراء

لكن القيادة الفرنسية تعاني من ازدواجية فكرية وكراهية معلنة تارة، ومبطنة تارة أخرى تجاه الدين الإسلامي. والبداية كانت من رأس السلطة، ماكرون الذي تحدث بذلك علناً عندما وعد بأنه لن يتخلى عن الرسوم المسيئة، بعدما احتوت تصريحاته السابقة على جمل تدعو للفتنة المجتمعية، عندما تحدث عن "هجوم إرهابي إسلاموي" و"الانفصالية الإسلاموية"، واعتباره أن الإسلام "ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم".

وكذلك تحدث وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان خلال زيارته معبد يهودي مؤخراً أن بلاده تخوض حرباً ضد ما سمّاه "الإرهاب الإسلامي"، وقد سبقه أيضاً رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس عندما تحدث بوضوح عن أن "مكافحة التطرف الإسلامي" هي أحد "شواغله الكبرى".

تلك التصريحات وغيرها لا علاقة لها بالدفاع عن حرية التعبير بل هي وبوضوح حملة مخطط لها، لإقحام الإسلام في صراعات وحسابات سياسية وانتخابية. ومن ثم ينتج عنها فوضى مجتمعية منظمة في أرجاء الجمهورية، بحيث يزيد الضغط على المسلمين ما قد يؤدي لقيام البعض بعمل ما مخالف للقانون، ويكون ذلك هو المبرر للقمع الذي سيطول المسلمين لاحقاً، ويكون "التطرف الإسلامي" الفزاعة المستخدمة في الحملات الانتخابية القادمة.

لكن تلك التصريحات عوراء، لا ترى إلا جانباً واحداً من التاريخ والحاضر. فالتاريخ والحاضر الفرنسي ليس ناصعاً، وباريس ليست مدينة الأنوار، بل الآمال بل الأفعال. والحقيقة أنني لا أملّ من التذكير بالإجرام والاستبداد الفرنسي، فهي التي قتلت ملايين الأبرياء في الجزائر، وكذلك هي التي استعمرت أغلب دول القارة الإفريقية، وجعلتها "جمهوريات موز" تتربع على قمة الجهل والتخلف والعبودية. كما استعمرت بعض الدول العربية كسوريا ولبنان وتونس ومصر وساعدت الكيان الصهيوني في بناء مفاعل ديمونا النووي. وهي الدولة التي قسمت الدول العربية مع بريطانيا وبتوافق مع روسيا القيصرية فيما يعرف باتفاقية سايكس-بيكو.

مقاطعة المراهقين السياسيين

لم تقبل الأمة الإسلامية التي يصل تعدادها قرابة ملياري مسلم منتشرين في قارات العالم، مثل تلك الممارسات المشينة في حق دينها أو نبيها، ولذلك بدأت الدعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية وكل ما يمتّ بصلة لفرنسا كردة فعل لتصريحات ماكرون ومسؤولي الدولة الفرنسية. تصريحات توّجها ماكرون بقوله خلال تأبين المدرس الفرنسي المقتول على يد أحد طلابه إثر عرضه الرسوم المسيئة: "صمويل باتي قُتل لأن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا ويعرفون أنهم لن يحصلوا على مرادهم بوجود أبطال مطمئني النفس مثله"، وأضاف: "لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات وإن تقهقر البعض".
المقاطعة والتي هي أسلوب حضاري محترم بدأت تؤتي ثمارها بسرعة، ولكن لم تلتقط فرنسا هذا الأسلوب الحضاري كما يجب. فقد قالت الخارجية الفرنسية في بيان إن "الدعوات إلى المقاطعة عبثية ويجب أن تتوقف فوراً، وكذلك كل الهجمات التي تتعرض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقلية راديكالية متطرفة". ونحن نقول إن ملياري مسلم ليسوا أقلية متطرفة، ويجب عليكم التخلي عن تلك النبرة المتعالية والعنجهية؛ لأنها لا تمتُّ للواقع بصلة، وسيكون من الأفضل لفرنسا أن تتخلص من متطرفيها ومراهقيها السياسيين.
المقاطعة سلاح سلمي مؤثر وما كانت وزارة الخارجية الفرنسية ستطالب بوقفه لولا أنه أوجعهم. ولذلك على شعوب الإسلام أن تستمر بمقاطعة كل ما يمتُّ بصلة لفرنسا خصوصاً المنتجات بكل أشكالها، وأن تتخذه أسلوباً دائماً وليس بنظام "الفزعة". خاصة أن المواقف الرسمية للسياسيين في الكثير من بلاد المسلمين جاءت على استحياء، ولن تجبر فرنسا على التوقف عن تلك الممارسات الصبيانية.
إن تشجيع المقاطعة بشكل مستمر قد يأتي بالعديد من المكاسب منها تشجيع ودعم المنتجات الوطنية في بلاد المسلمين، وأيضاً هو وسيلة فعّالة في وضع حد لتطرّف بعض الحكومات الغربية في القضايا التي تتعلق بالدين الإسلامي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي أبو صعيليك
كاتب أردني
كاتب أردني
تحميل المزيد