ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي، الأيام الماضية، بالحديث عن فيلم الرعب العربي الجديد "خط دم"، وتم الترويج له على أنه أول فيلم عربي عن مصاصي الدماء، فانتشر الإعلان الدعائي الخاص به مصحوباً بعبارة "+18″، التي وعدت الجمهور بكثير من الخوف والرعب، ثم كانت المفاجأة، عندما نجح الفيلم ليس في إثارة الخوف، بل في إثارة الضحك وإيقاظ حس السخرية داخل كل مشاهد!
فيلم "خط" دم من بطولة النجمة نيللي كريم والنجم ظافر العابدين والتوأم بيتر رامي وجون رامي، ومن تأليف وإخراج رامي ياسين، وإنتاج عدد من الجهات، من بينها: إيمج نيشن أبوظبي، واستديوهات MBC، وماجد الفطيم للسينما، وفيلم كلينك محمد حفظي، وعُرض على منصة شاهد VIP الرقمية، المنافس الأقوى عربياً فيما يخص البث عبر الإنترنت.
تدور أحداث الفيلم حول عائلة صغيرة ثرية، مكونة من الأم لمياء والأب نادر والطفلين التوأم مالك وآدم، حادثة مأساوية تتسبب في دخول الطفل مالك في غيبوبة لمدة 18 شهراً، ترفض الأم الرضا بالقضاء والقدر وتسعى بمساعدة الأب لإيجاد وسيلة لبث الحياة في الطفل النائم من جديد، فيتفقان على تحويله لمصاص دماء، وتتسارع الأحداث.
لماذا نصنع فيلماً عربياً عن مصاصي الدماء؟
أفلام مصاصي الدماء جزء لا يتجزأ من صناعة سينما الرعب حول العالم، فقد أتحفنا التراث الشعبي الغربي بعدد كبير من القصص حول هذه الأسطورة التي بدأت تنتشر حكاياتها في دول أوروبا الشرقية وتحديداً رومانيا، ثم وصلت إلى دول أوروبا الغربية ومنها إلى الأمريكيتين وبقية دول العالم.
أتساءل: لماذا نصنع فيلماً عن أسطورة لا تخصنا، بينما التراث العربي يزخر بكثير من القصص التي تنتظر أن تُجسَّد على الشاشة؟ فقصة إنقاذ طفل غارق في غيبوبة بتحويله إلى مصاص دماء، تبدو قصة ملفَّقة وغير مقنعة بالمرَّة، ففي الثقافة العربية عادةً ما سيذهب التفكير ناحية السحر والشعوذة، فالتفكير الشعبي البسيط قد يذهب في اتجاه أن الغيبوبة عرَض جانبي لحسدٍ أو مس أو سحر، وهي قصة تبدو أكثر إقناعاً مما عرضه فيلم "خط دم" على الشاشة.
منافسة شرسة
هل اعتقد المخرج رامي ياسين أنه لن ينافس إلا نفسه، لكونه يُقدم أول فيلم عربي عن مصاصي الدماء، وهو أمر تنقصه الدقة، فقد سبقه الفيلم الكوميدي الموسيقي "أنياب" عام 1981، عندما جسَّد المطرب الشعبي أحمد عدوية شخصية "دراكولا".
عندما تصنع فيلماً عن مصاصي الدماء فأنت تنافس مئات الأفلام الغربية، فهناك على سبيل المثال لا الحصر: الفيلم الألماني "Nosferatu" عام 1922، و"Bram Stoker's Dracula" عام 1992، و"Interview with the Vampire" عام 1994، وسلسلتا "Underworld" و"The Twilight Saga".
لكن يبدو أن المخرج لم يشاهد هذه الأفلام عندما صنع فيلم "خط دم"، وهو الذي صرح في أحد الحوارات بأن الفيلم "بمثابة المشروع الحلم بالنسبة لي على مدى سنوات"، وهي السنوات التي لا نشعر بأثرها عندما نشاهد فيلمه، حيث تشعر بأنه عمل صُنع على عجل.
هل حقق الفيلم المراد منه كفيلم رعب؟
الخوف والقلق والتوتر مشاعر سلبية لا يرغب أحد في أن يمر بها على الإطلاق، مع ذلك تجد أن سينما الرعب الأكثرَ رواجاً بين التصنيفات الأخرى، والسر يرجع إلى أن مشاهدتها تحقق قدراً من التنفيس عن هذه المشاعر، التي لا تجد لها متنفساً في الحياة العادية.
في بعض الأحيان تكون أفلام الرعب هي السبيل الوحيد أمام المشاهد للحصول على بعض الإثارة، بالمنطق نفسه الذي نخشى فيه السقوط من المرتفعات، ثم نتزاحم على الألعاب الأفعوانية في مدينة الملاهي، اللاعب يدخل إلى اللعبة مدفوعاً بحماسة التجربة، وهو متيقّن أن الأمر عدة دقائق وينتهي ويصل إلى الأرض بسلام.
المشاهد سيتوحَّد مع قصة الفيلم/العمل الفني، سيشعر بأنه البطل المحاصَر الذي تحاول الكيانات الشريرة أن تتخطفه من كل اتجاه، سيشعر بالتوتر والرعب وتتسارع أنفاسه، لكنه في قرارة نفسه يعلم أن هذا فيلم سينتهي وسينجو هو/البطل في النهاية، وهو الأمر الذي لم يتحقق في تجربة مشاهدة "خط دم"، فببساطة القصة لا تعنيني ولم تمس شيئاً في داخلي.
هل هناك احتمالية أن أعيش في بيتٍ مسكون في حياتي؟ الإجابة نعم؛ فهناك عدد لا بأس به من معارفي مرُّوا بالتجربة، وهناك عديد من القصص عن بيوتٍ مسكونة في الذاكرة العربية، ماذا عن احتمالية أن أصادف مصاص دماء في حياتي؟ احتمالية منعدمة، لأن الفكرة غير قائمة لا في ثقافتي ولا بيئتي، وبالتأكيد إذا تعرض أحد أحبائي لغيبوبة، فمن المستحيل أن أفكر في تحويله لمصاص دماء! أعتقد أن محاولة سفره للعلاج في الخارج لا بأس بها.
سينما الرعب منجم الذهب
تتميز أفلام الرعب في هوليوود على سبيل المثال، بتحقيق أرباحٍ خيالية بالمقارنة بميزانية الفيلم، بالنظر إلى فيلم مثل فيلم الرعب الأمريكي "Get Out"، فقد حقق إيرادات تجاوزت 250 مليون دولار، في حين كانت ميزانية الفيلم 5 ملايين دولار فقط. كذلك فيلم الرعب الأمريكي "It" في جزئه الأول، تجاوزت أرباحه حول العالم 700 مليون دولار، بينما كانت ميزانية الفيلم 35 مليون دولار فقط.
بشكلٍ عام، ميزانية أفلام الرعب قليلة مقارنة بالتصنيفات الأخرى، حيث يكون التركيز على القصة المثيرة وتطويع التقنيات الفنية والمؤثرات لخدمة هذه القصة، لذلك غالباً ما تنجح رغم اعتمادها على ممثلين متوسطي الشهرة وليس نجوماً كباراً.
سينما الرعب أشبه بمنجم ذهب للمنتجين، لكن يبدو أن المنتجين العرب مصرُّون على ردم هذا المنجم من خلال اختياراتهم الغريبة لصناع أفلام الرعب، أو تجاهل كمّ الأساطير الشعبية العربية التي تصلح لأن تكون مشاريع أفلام رعب عظيمة، وأهم الأسباب قاطبة، الشح فيما يتعلق بالصرف على التقنيات الفنية، إذ يذهب الجزء الأكبر من ميزانية الفيلم لصالح أجور الفنانين النجوم، الذين لا يضيف حضورهم شيئاً وسط ركاكة بقية العناصر، ولنا في تمثيل الفنانة نيللي كريم والفنان ظافر العابدين خير مثال في فيلم "خط دم"، الذي تحوَّل إلى فيلمٍ كوميدي بامتياز، متفوقاً على فيلم المقاولات "أنياب"، للمخرج "محمد شبل"
لماذا فشل فيلم "خط دم"، وهل استحق كل هذه السخرية؟
يُمكن القول دون تجنٍّ، إن جميع عناصر الفيلم كانت تعاني خللاً ما، فالقصة وهي أهم عناصر أي عمل فني، عليها كثير من علامات الاستفهام، فلم يعرف المشاهد كيف وصل "نادر" إلى دماء مصاص دماء، ولماذا اختار هذا الحل لإعادة الحياة إلى ابنه.
أما عن اختيار الممثلين، فلا يُمكن اتهام ممثلة بحجم موهبة نيللي كريم بأنها اختيار سيئ، فعادةً ما يضيف وجودها إلى العمل إذا كانت بين يدي مخرج متمكن من أدواته، كما حدث مؤخراً مع المخرجة "كاملة أبو ذكري" في مسلسل "100 وش". أما اختيار ظافر العابدين، فيبدو أنه تماشياً مع التريند، لكونه نجم مسلسل "عروس بيروت" وليس لصلاحيته لتجسيد شخصية "نادر"، حيث قدم أداءً باهتاً للغاية، أما الطفلان فقد كان تمثيلهما بارداً وحديثهما كأنه صادر عن روبوتات.
السيناريو والحوار، السيناريو لم يكن محكماً، كثير من المشاهد ليس لها داعٍ، كثير من لقطات الكلوز أب في غير محلها، غياب منطقية كثير من الأحداث وخلل في تسلسلها. أما الحوار فكان عبارة عن جملة مقتضبة بصوتٍ مبحوح؛ في محاولة فاشلة لإضفاء طابع الإثارة والتشويق.
ثم الطامة الكبرى حلَّت عندما فشل المكياج في أن يُقنع المشاهد بأنه أمام مصاصي دماء، وليس أمام أشخاص يلعبون بأنياب بلاستيكية الشكل لإخافة بعضهم بعضاً، بينما جاءت الدماء المنسابة من جوانب الفم لتجعلهم أشبه بمن يعانون التهاب اللثة، فأثارت هذه المشاهد الضحك عوضاً عن الخوف والتوتر.
لا يوجد عمل فني يستحق أن يكون مثاراً للسخرية، فدائماً ما يكون هناك جهد مبذول من القائمين عليه يستحق أن يُحترم، لكن في حالة فيلم "خط دم"، شعر المشاهد بأن المخرج يسخر من عقليته، فقرر أن ينتقم بسخرية مضادة. من الصعب على الأجيال التي شاهدت أفضل ما أنتج العالم من أدب وأفلام ومسلسلات مصاصي الدماء، أن يقبل بهذا الفيلم غير المنطقي، ويُمكن تخليص الأمر بجملة تكررت كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي "ضيعتوا هيبة مصاصي الدماء في مصر".
أخطاء وعثرات وغياب للمنطقية
إذا قررنا أن نستسلم لقصة مصاص دماء تجري على أرضٍ عربية، فعلى الأقل هناك أخطاء من المعيب أن يقع فيها صانع أفلام يعتبر نفسه من عشاق قصص وأفلام مصاصي الدماء، كما صرح في أحد الحوارات الصحفية.
بحسب الأسطورة، قلب مصاص الدماء لا ينبض لأنه ميت، عكس ما جاء في أحد مشاهد الفيلم بعد لحظة تحويل الطفل مالك إلى مصاص دماء، ثم تأتي طريقة التحول إلى مصاص دماء، والتي تتطلب أن يقوم هو بشرب دماء شخص طبيعي لقدرٍ معين؛ ليحوّله إلى مصاص دماء، وليس كما نصح نادر/ظافر العابدين زوجته لمياء/نيللي كريم بأن تتجنب أن يشرب الطفل آدم دماء أخيه مصاص الدماء مالك، وقد أجابت الزوجة إجابة نموذجية بالفعل: "ومين ده اللي هيشرب من دمه؟!".
ثم كيف يحرص نادر على أن يظل واضعاً دبلته الفضية، في الوقت نفسه تصرُّف كهذا كفيلٌ بأن يُفقده إصبعه، لأن مصاص الدماء لا يتحمل الفضة، كما لا يتحمل أشعة الشمس، وهو الأمر الذي انتبه الفيلم إليه أحياناً وتجاهله في أحيانٍ أخرى، ثم مَن أخبر المخرج بأن مصاص الدماء صوته مبحوح على الدوام، حتى أصبحت ترجمة حوار نادر تحتاج خبير شفاهٍ؟!
ثم جاءت النهاية ختاماً لكل هذا العبث، عندما يختار الأب نادر مصيراً غريباً، يجعلك تتساءل لماذا قبِل في البداية أن يتحول لمصاص دماء، كأنه اتخذ القرار على عجل دون دراسة تبعاته. وأما الأم لمياء فاختتمت القصة بقرار لا يقل غرابة، يشبه "احنا اضطرينا نضحي بالأم علشان الجنين يعيش"، ربما ظن المخرج أنه بذلك يجعل النهاية مفتوحة لمزيد من التشويق، فكانت سبباً لمزيد من الضحك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.