أمريكا في العالم الإسلامي ليست وجهين لعملة واحدة!

عدد القراءات
586
عربي بوست
تم النشر: 2020/11/05 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/05 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش

ثمّة حالة من الصدمة تهيمن على شريحة اجتماعية واسعة في العالم العربي، برزت خلال عملية التصويت على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهم يتابعون الأخبار عن ارتفاع مبيعات الأسلحة والخشية من اندلاع مواجهات، وحجم الانقسامات الكبيرة التي تعصف اليوم بالمجتمع الأمريكي، وهي صورة مناقضة تماماً لتلك الصورة الجميلة التي حملها العرب والحالمون بالهجرة إلى أمريكا، التي لطالما كانت في مخيلة الشباب العرب بمثابة أرض الخلاص والأحلام، التي تتحقق فيها الكرامة والحرية والإنسانية، فما الذي حدث حتى انقلبت الأمور خلال مرحلة ترامب، بل وصلت إلى تخوم الخشية من أن تنهار مع تداعيات الصراع الشديد بين أنصار المرشّحين الديمقراطي والجمهوري. 

 ثم صورتان لأمريكا -كما تظهر أغلب استطلاعات الرأي العام- في اتجاهات المواطنين العرب؛ الصورة الأولى هي تلك المرتبطة بالسياسة الخارجية الأمريكية، وما يطلق عليه جوزيف ناي "القوة الصلبة" Hard Power، التي يكرهها أغلب العرب، واتكأت عليها القاعدة وإيران والقوى المخاصمة للولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي في بناء سردية العدو الأكبر والشيطان الأكبر، ومهاجمة المصالح الأمريكية، والقيام بعمليات 11 سبتمبر/أيلول. وهي الصورة المشتبكة مع دعم إسرائيل اللامتناهي منذ تاريخ تأسيسها، والصفقة التاريخية مع الأنظمة الأوتوقراطية العربية، وتفضيل التحالف معها على دعم الديمقراطية.

على الطرف المقابل، ثمة صورة مغايرة (The Soft Power) تماماً ومختلفة إلى أبعد مدى، بل متناقضة مع الصورة الأولى، وهي: بلد الحريات الشخصية والعامة، والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإثبات الذات والقدرة على الاندماج، والعمل والبحث عن فرص حياة أفضل. هي تلك الصورة التي تداعب خيال نسبة كبيرة من الشباب العربي، وصلت في بعض المجتمعات (كما تظهر استطلاعات الرأي العام) إلى أغلبية مطلقة أصبح حلمهم وهدفهم الهجرة إلى الغرب، وأمريكا تحديداً، تلك القارة الكبيرة التي بنيت أصلاً من قبل المهاجرين والمستوطنين وفيها متسع لآخرين لكي يبدأوا حياةً جديدة. 

حتى هذا الحلم، الذي شكّل مهرباً محتملاً من الواقع البائس في العالم العربي "Exit Point"، هو الآخر في طريقه للتبدد، والاختفاء، وأمل الهجرة إلى الخارج مع ما يحدث في أمريكا، يتراجع كثيراً، ذلك في حال لم يفكّر من هناك في الرجوع إلى بلادهم الأصلية في حال تجذّرت الانقسامات والهواجس الداخلية وتفككت تلك العقائد والمسلّمات التي كان يفاخر الأمريكيون أنّها تمثّل "الحلم الأمريكي"، أو الروح الأمريكية التي مثّلت شعار حملة المرشّح الديمقراطي الأمريكي جو بايدين، من أجل استعادتها أو الدفاع عنها أمام الخطر الحقيقي الذي يتهددها من الداخل، من خلال ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لا نبالغ إذاً بالقول إنّ نسبة كبيرة من العرب والمسلمين الذين يعلنون عداءهم وسخطهم على السياسات الأمريكية، كانوا يتمنون خسارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، ليس فقط لما يحمله من مشروع ورؤى متطرفة في الولاء لإسرائيل والعداء للفلسطينيين، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، بل لما يشكّله من تهديد لذلك النموذج البديل عن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي، والحياة الأخرى غير المسكونة بهواجس البطالة والفقر، بل المفتوحة على سيناريو امتلاك الحقوق الأساسية، تلك التي يفتقدها ملايين الشباب العربي!

هنا المفارقة، يا سادة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي لم تساعد الشعوب العربية في الوصول إلى الديمقراطية، بل وبسرعة تخلت عن ثورات الربيع العربي، وكانت ولا تزال عدوّاً لملايين المسلمين والعرب بسبب سياستها الخارجية؛ لا تزال تمثّل نموذجاً ديمقراطياً تتوق إليه المجتمعات العربية. وهنا، أيضاً، تكمن خشية كثيرين في حال فاز ترامب أو حدثت انهيارات داخلية، فإنّ الديمقراطية الأمريكية، كما هي حال الفرنسية، ستصبح تحت التهديد أو في خطر، وتحت سيطرة التيارات اليمينية أو الشعبوية المتشددة، وهو ما يعزّز من قبضة الحكومات والأجهزة الأمنية، ليس فقط على حريات الشباب وحقوقهم في العالم العربي، بل أحلامهم أيضاً بالهروب وإيجاد أوطانٍ أخرى.

صحيح أنّ الإدارات الأمريكية لم تقف -في أيّ وقتٍ كان- موقفاً حقيقياً حاسماً مع الشعوب العربية في سبيل الوصول إلى الديمقراطية، وطالما كانت الأخيرة على آخر سلّم أولويات السياسة الأمريكية؛ إلاّ أنّ بعض الضغوط الأمريكية -من هنا وهناك- كانت تشكّل في أوقاتٍ عديدة مساحة للمدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان؛ وليس غريباً أنّه مع إدارة الرئيس الأمريكي ترامب وصلت السلطوية العربية إلى أكثر صورها قسوة وشدة، ما يمكن أن نطلق عليه "السلطوية الجديدة"، فما دامت الديمقراطيات الغربية نفسها في موضع شكّ، مَن سيحاسبنا، هذا هو لسان حال أغلب الزعماء والحكام العرب اليوم!.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أبو رمان
كاتب في الفكر والإصلاح السياسي
كاتب في الفكر والإصلاح السياسي
تحميل المزيد