يمر بأزمات سياسية واجتماعية تهدد الجمهورية.. لماذا لا يحل ماكرون مشاكله بدلاً من تصديرها للمسلمين؟

عدد القراءات
10,131
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/28 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/28 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - رويترز

أصبح الصراع الغربي – الإسلامي محور حديث العالم بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة على خلفية حادثة مقتل المعلم صامويل باتي على يد أحد طلابه. الكثير من الاتهاماتِ والأسئلة وُجهت للطرفين دون ربط أجوبتها مع بعضها البعض لمعرفة جميع أحداث القضية وأسبابها. لكن ماذا بعد؟ هل يبقى الصراع دينياً لإثبات أفضلية طرفٍ عن الآخر؟ أم أنه صراع وجودي لاستحقاقِ حقوق الأقليات في العالم الغربي ووضع الدول الغربية موضع المسؤول عن المشاكل التي يحاول تصديرها للخارج؟

تصدير الأزمة

بدايةً يجب علينا فهم ما يدور في فرنسا والعالم الغربي، خاصة بعد اندلاع أزمة اللاجئين. الكثير من الدول لاحظت صعوداً كبيراً لليمين المتطرف وتنامي معاداة اللاجئين والأجانب، عرباً وأفارقة وجنوبَ أمريكيين. إذ تروّج الكيانات اليمينية المتبنية لمنظور العرق الأبيض الذي يؤمن بتفوقه على باقي الأعراق، إلى أن وجود اللاجئين والأجانب في المجتمع سيؤدي إلى الخراب وارتفاع معدلات الجريمة والإرهاب وإهدار موارد الدولة على أشخاصٍ لا يستحقون العيش بينهم ولا يتبنون قيمهم.

إنّ اليمين المتطرف لا يمثل الجميع في ذلك الجزء من العالم ولكنه المكون الأوضح في تلك المعضلة بفكره الراديكالي. لكن على الجانب الآخر هناك الأصوات الليبرالية التي تدعو إلى الانفتاح وتقبل الآخر والتخلص من الأفكار المحافظة وتحث على حرية التعبير، وعندما ننظر لذلك العالم من ذلك المنظور نرى عالماً مثالياً يعيش فيه الجميع متحلين بالحرية والمساواة، ونرى أفراداً متبنين أفكاراً تقدمية. لكنها تبقى أفكاراً ومثلاً عليا لمجتمعاتٍ أوروبية لا تمت للواقع بكثير الصلات ولا تضع وزناً لاختلاف الثقافات والعادات بين المجتمع الأوروبي ومجتمعات الوافدين واللاجئين.
على سبيل المثال، يرى المجتمع الغربي أنه يحرر المرأة بإعطائها حرياتٍ تفتقدها في المجتمعات الشرقية، ولكن ما تلك الحريات إلا تحريرٌ من قيودٍ دينيةٍ يتم استبدالها بقيودٍ جنسيةٍ واجتماعية، تضع المرأة في قالبٍ أنثوي يحررها ظاهرياً، لكن بلا حرية اختيار اقتصادي أو سياسي.

وبين هذين التيارين المتصارعين نستطيع أن نستشف الحالة المجتمعية التي تعيشها الأراضي الفرنسية، فنحن أمام مجتمع يرى نفسه الأفضل وهو من يقود الدفة دون الالتفات للآخرين. وأن أي مشكلة هي بالضرورة مشكلة الآخر غير القادر على حل أزماته والتماهي مع الثقافة الفرنسية، أو بالأحرى يرفض الخضوع والذوبان داخلها.

لذا لا أستغرب قول الرئيس الفرنسي "إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية"، فبالنسبةِ له المجتمعات الإسلامية مجتمعاتٌ متطرفة لا تستطيع العيش في الجمهورية الفرنسية إلا بانعزالية. لكن هل تعتني الجمهورية الفرنسية بتوفير البيئة المناسبة لكثير من الأقليات للانخراط فيها؟ بالطبع لا. فجميع الجهود والمبادرات القائمة على إشراك أي أقلية عرقية أو دينية في المجتمعات الغربية تقوم على تجريدها من مبادئها وأفكارها ككل وتعزيز العنصرية تجاه مجتمعاتهم الأصلية بوصفها متخلفة لا تتواجد فيها أي من أعمدة الدولة الديمقراطية.

كيف نتوقع بعد ذلك انخراط المجتمعات الإسلامية في أوروبا مع وجود هذا الكم من العنصرية والاحتقار؟

إن مصير صامويل باتي المؤسف هو نتاج لمجتمعٍ قائمٍ على عدم التقبل ورفض الآخر، وليس التطرف الإسلامي. الكثير من المتطرفين الأوروبيين يفكرون بذات الطريقة التي فكر بها الطالب الشيشاني، تجاه الأقليات الأخرى في مجتمعاتهم، وما قام به ذلك الطالب هو ما يريد الكثيرون منهم فعله بالمسلمين على سبيل المثال. ونرى ذلك واضحاً في المشاهد العنصرية التي يتعرض لها الكثير من العرب والمسلمين في أوروبا وعادة ما تصل إلى العنف الجسدي وبالطبع العنف النفسي والمعنوي لهذه الأقليات. ولا توجد إجراءات رادعة لمثل تلك التصرفات أو حتى تسليطٌ للضوء الإعلامي عليها. إن المتسبب الأول لهذا التطرف هو المجتمع الذي يشكو منه ويريد أن يحاسب الضحية عليه. ذلك، بالطبع، لا يبرر جريمة القتل الأخيرة ولكن لا يراها من منظور واحد فقط.

وبالنظر إلى مجتمعاتنا ذات الغالبية المسلمة التي تأثرت واستُفِزت بسبب تصريحات الحكومة الفرنسية، نرى ردات فعل متفاوتة، ولكن لا نرى أي فكرة تدعو للبحث عن إصلاحٍ للأمور والوصول إلى حلٍّ أو إثباتِ موقفٍ أو وجود من غير أن تكون متطرفةً أو منغلقةً لا تجدُ لنفسها مكاناً إلا في ساحة الجهادِ لنصرة الدين.

إنّ الموضوع ليسَ حرباً دينيةً، بل هو معركةٌ وجودية تتطلب وعياً مجتمعياً ثقافياً.

ولذلك فإنّ حملات مقاطعة المنتجات الفرنسية ما هي إلا إثباتٌ للوجود والأهمية، وتذكيرٌ بعدم تبعيتنا للغرب وأفكاره. الموضوع أكبر من مجرد كاريكاتير.
فما يحتاجه المجتمع الإسلامي اليوم هو انتزاع الاحترام والحقوق التي يستحقهما من المجتمعات الغربية، والحد من خطاب الكراهية الذي يتبناه الكثير من المتشددين تجاه الغير؛ لأنه ذات الخطاب الغربي الذي يقوم بإيذاء وتشويه صورة المجتمع الإسلامي. وانتزاع الاحترام لا يكون إلا بردة فعل قوية قدر المستطاع مثل المقاطعة.

أما بالنسبة لردود الأفعال العربية الرافضة لنداء المقاطعة وتشكك في المجتمعات العربية وتصفها بـ"الاستهلاكية" التي لا يملك بدائل عن المنتجات الفرنسية، أو من يصف مناصري المقاطعة بالتبعية للإخوان المسلمين أو تركيا.  فهؤلاء لا يجب الالتفات إلى خطابهم الانهزامي، فتلك الأفكار بحد ذاتها تمثل تبعية للفكر الغربي وتنظر للمجتمع الإسلامي على أنه متخلف ولا يستطيع فعل شيء من تلقاء نفسه، ويعتبرونها معركة دينية لا يريدون الانخراط فيها.. وهي ليست معركة دينية، بل ملف تم فتحه وسط محاولات ماكرون تصدير مشاكله للخارج واستقطاب أصوات اليمين في فرنسا من أجل انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة.لا للاستعمار
مجتمعاتنا تعبت من الاستعمار وما زالت تعاني منه، وهذه فرصة لوضع المستعمر في موضع المسؤول عن تلك المشاكل وليس تقديم خطاب اعتذاري للمستعمر. ربما لن تؤثر المقاطعة كثيراً على فرنسا، ولكن من الممكن أن توجد مجتمعات تنصت لصوت الحق وقادرة على أخذ زمام المبادرة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالله مقداد
طالب ماجستير في جامعة أوتفوش لوراند في العاصمة الهنغارية بودابيست، حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة- صناعة الأفلام، من جامعة اليرموك في إربد، مهتم بشؤون الأقليات العرقية في المجتمعات العربية والغربية والتحديات التي تواجهها، وتمثيلها في السينما والأدب.
طالب ماجستير في جامعة أوتفوش لوراند في العاصمة الهنغارية بودابيست، حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة- صناعة الأفلام، من جامعة اليرموك في إربد، مهتم بشؤون الأقليات العرقية في المجتمعات العربية والغربية والتحديات التي تواجهها، وتمثيلها في السينما والأدب.
تحميل المزيد