في بداية كل عام دراسي يكون موضوع استخدام الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي للأطفال والمراهقين إحدى النقاط الأساسية في اجتماعات أولياء الأمور، ويعد هذا الموضوع من المواضيع التي تلقى اختلافاً شديداً بين أسرة وأخرى، بعض الأسر تعتقد أن الطفل ينبغي أن يتعامل مع كل ما يحيط به في المجتمع، وأن يكون مُطلعاً على أحدث التطبيقات ليواكب عصره، وأن منع الطفل من التعاطي مع تلك التطبيقات هو تدخل في خصوصياته واختياراته، بينما البعض الآخر يرى أن مسؤولية حماية الطفل تقع على كاهل الوالدين.
بشكل شخصي لا أسمح لأبنائي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مطلقاً، سواء فيسبوك، أو إنستغرام، أو تيك توك، حتى الآن، حيث إن أكبرهم في الثانية عشرة من العمر، ثم 9 و6 أعوام. هذا المنع جاء بعد مناقشات واقتناع منهم أن تلك المواقع غير مناسبة على الأقل الآن، ساعدنا في ذلك المعلومات التي يتلقونها في المدرسة، والتي تعتمد بالأساس على كيفية حماية أنفسهم والمخاطر التي قد يتعرضون لها من خلال الإنترنت.
لكن بطبيعة الحال الممنوع دائماً مرغوب، إلا أن معرفة الطفل وإدراكه لماهية المخاطر التي قد يتعرض لها تجعله حذراً أثناء محاولته تخطي القواعد المتفق عليها سابقاً، وحتى إن قام بتخطيها فإنه يعود في أغلب الوقت للالتزام بها.
تخبرني ابنتي ذات التسعة أعوام أن زميلتها في الفصل تحصل على إعجابات كثيرة جداً على تطبيق تيك توك، وأنها تريد حساباً على تيك توك لتنال إعجابات كثيرة مثلها وتصبح مشهورة! سألتها باهتمام ما المحتوى الذي تقدمه؟ أجابتني تقوم بالرقص وبعض الحركات المضحكة، رغم أنها لا تجيد القراءة ولا الكتابة، وأن معلمة قامت باستدعاء أولياء أمرها بعدما رأت تلك المقاطع.
أخبرتُ ابنتي أني لا أريدها أن تكون محلاً لتقييم الناس، وأنها ما زالت صغيرة جداً على أن تتعرض لمثل ذلك الضغط النفسي، وأن يصير تقديرها لذاتها معتمداً على تقدير غيرها لها وإبداء إعجابه. وأنه لا مانع أن يكون شخص ما مشهوراً إذا كان يقدم شيئاً نافعاً لغيره وللإنسانية، وأن ذلك لا يأتي دون تعب وكلل وبحث دقيق وبناء الذات، والعمل على تطوير المهارات الشخصية، كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، أما ما يقدمه بعض الأطفال والمراهقين من رقص وحركات مضحكة، فإنه يجعل منهم بهلوانات، وشخصيات هشة مهزوزة، مقياس نجاحهم وفشلهم ورضاهم عن أنفسهم هو رضا الناس عنهم.
في رأيي، فإن الشهرة في هذه السن المبكره مثل النار، تبدو متوهجة، ولكن إذا اقترب منها الإنسان دون حذر تحرقه، وقد أظهرت العديد من الدراسات أن أعراض إدمان الإنترنت تحدث بشكل متكرر لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب أو عدم الأمان أو القلق في التواصل الاجتماعي، أيضاً الذين يشعرون بتدني احترام الذات أو نقص الدعم الاجتماعي من أسرهم يهربون بمعدل أعلى إلى مواقع التواصل الاجتماعي لإشباع حاجتهم النفسية بأنهم ذوو أهمية، ويزيد ذلك الشعور كلما حصلوا على إعجابات أكثر، فيزيد شعورهم بأنهم مقبولون اجتماعياً بمجهود أقل ودون تعب، فالمراهق يستطيع تسجيل فيديو صغير مبهر بإمكانيات عالية في دقائق معدودة، بينما هو جالس في غرفته، دون حاجته للكتابة أو القراءة، أو حتى البحث عن معلومة يحصل بعدها على إعجابات ومشاهدات تُشعره بالرضا عن نفسه وذاته بشكل سريع، دون الحاجة لإحدى الاستراتيجيات طويلة المدى لحل المشاكل التي تواجهه، ما يزيد من تفاقم المشكلة. بينما وجدت تلك الدراسات أن الأشخاص الذين لا يجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين ويتمتعون بشخصيات منضبطة وصبورة يكونون أقل عرضة لإدمان الإنترنت أو السعي وراء الشهرة.
فما هو إدمان الإنترنت وما هي أعراضه؟ وكيف نحمي أبناءنا من ذلك الخطر؟
يُستخدم مصطلح الإدمان للتعبيرعن الاستخدام المفرط للإنترنت أو أي تطبيقات أخرى، بشكل يؤثر على حياتهم الشخصية واليومية، وتواصلهم الاجتماعي في الواقع وليس في العالم الافتراضي، ولإدمان الإنترنت أشكال مختلفة، فبعض الأطفال والمراهقين يدمنون الألعاب أو المواقع الإباحية، بينما يدمن آخرون مواقع التواصل الاجتماعي كالماسنجر وإنستغرام وفيسبوك وواتساب، ومؤخراً تيك توك. في ألمانيا على سبيل المثال أُجريت دراسة، في عام 2013، قدّرت نسبة المراهقين المدمنين للإنترنت بأشكاله بـ3,5%، وبالتأكيد زادت تلك النسبة في السنوات الأخيرة.
الوقت الذي يقضيه شخصٌ ما على الإنترنت ليس في حد ذاته معياراً حاسماً لوجود الإدمان، الذي يحسم ذلك التشخيص هي الآثار السلبية المترتبة على ذلك، يمكن اعتبار ذلك الاستخدام إدماناً في الحالات التالية:
1- عندما تظهر أعراض القلق أو الغضب الشديد على الطفل أو المراهق، في حال لم تكن لديه فرصة للاتصال بالإنترنت.
2- أو عندما يصبح قضاء الوقت على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي السبيل الوحيد للشعور بالرضا أو السعادة.
3- فشل محاولات التحكم في الاستخدام، والالتزام بقواعد وقت الاستخدام التي يضعها الوالدان.
4- عندما يفضل المراهق أو الطفل اللعب أو الدردشة أو تقديم نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، على الخروج مع الأصدقاء أو قضاء وقت طيب مع العائلة، أو ممارسة هوايات أخرى كان يمارسها من قبل.
5- إذا تأثر مستوى الطالب الدراسي وأداؤه في المدرسة، أوعلاقاته الاجتماعية مع إخوته وأصدقائه يكون هذا أيضاً أحد أعراض الإدمان.
6- الهروب من أعباء الدراسة والالتزامات الأسرية والمشاعر السلبية إلى قضاء وقت أطول في اللعب أو وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من مواجهة المشاكل وحلها.
كأب أو أم، ماذا أفعل كي أحمي أولادي من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟
1- القبول
نعم، علينا تقبل أن أبناءنا سيستخدمون الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في حياتهم اليومية بطبيعة الحال، وأنه ربما نستطيع في مرحلة عمرية ما السيطرة بشكل ما على ما يتعاملون معه، لكن ستأتي مراحل عمرية لن نستطيع فرض تلك الرقابة، علينا أن نعطيهم الثقة ونؤهلهم لتلك الفترة.
2- فهم الوالدين لوسائل التواصل الاجتماعي:
يجب أن نعلم جيداً ماذا يستخدم أبناؤنا، وماذا يلعبون، في إحدى المحاضرات الخاصة بحماية الأطفال من الابتزاز عبر الإنترنت، نصحنا المحاضر أن نقوم بلعب الألعاب التي يستخدمها أبناؤنا قبلهم، وكذلك كل التطبيقات الأخرى، كي نكتشف المحتوى الذي سيتعرضون له ونقرر بناءً عليه ماذا سنفعل.
معرفة سياسات حماية الخصوصية الخاصة بكل موقع أو تطبيق.
3- توعية الأبناء
● تعليم الأطفال كيفية الاستخدام المناسب للمحادثات (الشات)، ووسائل التواصل الاجتماعي.
● توعية الأبناء بمخاطر مشاركة بياناتهم الخاصة وصورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
● مساعدتهم في معرفة خصائص كل تطبيق، بما يناسب سن الطفل ووعيه، وتحديد مواعيد وقواعد واضحة للاستخدام.
سيساعدهم ذلك على الاستخدام الأمثل لتلك المواقع، وتحسين مهاراتهم في التواصل الاجتماعي، وزيادة ثقتهم في أنفسهم، وشعورهم بالأمان، والتفكير في حلول بديلة، وطلب المساعدة عند الحاجة.
4- التنظيم الذاتي:
عندما يتعلق الأمر بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، فليس فقط جيل الأطفال والمراهقين هو من يسأل، لكنْ أيضاً البالغون، حيث إن الأطفال يتخذون منهم مثلاً أعلى، يجب أن يجيبوا بصراحة عن سؤال ما أهمية تلك الوسائل في الواقع لأنفسهم.
التنظيم الذاتي هو مهارة يتم تدريسها في مواقف مختلفة في سن مبكرة، سواء كان الأمر يتعلق بعدد الحلوى التي يمكن تناولها، أو كيفية مشاركة الألعاب مع الأطفال الآخرين. مثل هذه المواقف تُعلّم الطفل عدم الانغماس في الاستهلاك المفرط، وتدعوه إلى التحكم في رغباته وسلوكه.
هذا هو نفس النهج الذي يجب اتّباعه من قِبل الآباء مع أبنائهم، عندما يتعلق الأمر باستهلاك وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام، لا ينبغي أبداً استخدام الإنترنت كأداة للمكافأة أو العقاب، وأيضاً أن يكون الوالدان نموذجاً، فعلى سبيل المثال، إذا كانت العائلة مجتمعة على طعام العشاء فليس من المنطقي أن يطلب من الطفل ترك هاتفه بينما يُمسك الأب بهاتفه، أو يشاهد مباراة رياضية أثناء تناول الطعام.
علينا أن نسأل أنفسنا قبل سؤال أطفالنا، هل يمكننا قضاء بعض الأوقات بسعادة وراحة دون استخدام الهاتف وما يحويه من تطبيقات؟ ما مدى أهمية فيسبوك وواتساب وإنستغرام وغيرها من التطبيقات لدي؟ هل يمكنني التحكم في استخدامي لها؟
إذا لم يمكنك الإجابة عن تلك الأسئلة فسيكون من الصعب إقناع طفل أو مراهق بما لا تقتنع به أو تقوم بتطبيقه بالفعل.
ستظل مواقع التواصل الاجتماعي كغيرها لها إيجابيات وسلبيات، وستظل التحديات التي تواجه الآباء أيضاً، كيف نحمي خصوصيات أبنائنا دون أن نخترق نحن تلك الخصوصية، وأن ندرك الحد الفاصل بين الحماية والتسلط، وكيف نجعل آبناءنا منفتحين على مواقع التواصل، وأن يستخدموها لصالحهم دون أن يتأثروا بها سلباً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.