ماذا تعني خسارة ترامب الانتخابات الأمريكية بالنسبة للصين؟

عدد القراءات
612
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/25 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/25 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الصيني والأمريكي في لقاء سابق لهما / رويترز

أصبح من المعلوم بالضرورة بالنسبة للكثيرين حول العالم الحساسية والتنافس الكبيران بين الولايات المتحدة والصين في مجالات الاقتصاد والنفوذ الإقليمي والتكنولوجيا والقوة العسكرية، وهي منافسة توضّح تنامي النفوذ الصيني في المجالات المذكورة، كما توضّح في الوقت نفسه تغيير الأولويات بالنسبة لصناع القرار في الولايات المتحدة ومراكز أبحاثهم وأجهزة استخباراتهم. فالاتحاد السوفييتي والشيوعية كانا العدوين الاستراتيجيين الأولين في فترة الحرب الباردة، وخاصة عقدي الستينيات والسبعينيات. ولاحقاً تم تصوير اليابان في ثمانينيات القرن الماضي بأنها المهدد الاقتصادي الأكبر للولايات المتحدة، بعد تربّعها على عرش الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة. تلاها الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي.

ولأسباب متعلقة بتفجيرات 11 سبتمبر وانتخاب الجمهوري جورج بوش الابن للمرة الثانية في 2002، تم تأجيل وضع الصين على قائمة منافسي الولايات المتحدة في مطلع الألفية الحالية، حيث انتبهت الولايات المتحدة مبكراً لتنامي الاقتصاد والجيش والنفوذ الخارجي للصين، رغم تظاهر الأخيرة بأنها لا تزال دولة نامية، واهتمامها بالتنمية والحد من الفقر. وقد ذكر أكاديمي صيني بارز ذات مرة في محاضرة، أن الصين استفادت جداً من تأخّر الاستهداف الأمريكي لها خلال العقدين الماضيين في تطوير نفسها في كافة المجالات، مستغلة انشغال الولايات المتحدة بالحرب على الإرهاب، واجتياحها لأفغانستان والعراق، وتوجيه طاقة أجهزة استخباراتها نحو الشرق الأوسط. وهو أمر انتبه له الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أعاد في فترته الرئاسية الثانية للواجهة الاستراتيجية الأمريكية التي سُميت بـ"العودة لآسيا" (Pivot to Asia)، وهو أمر أثار حنق الصين، التي اعتقدت أن فوز قطب العقارات دونالد ترامب، الذي يتميز بعقلية تجارية وله استثمارات في الصين نفسها، سيكون مفيداً لها.

ولو عاد الزمن بقادة الصين لتمنّوا فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وعملوا من أجلها، حيث دخلت الولايات المتحدة خلال فترته الرئاسية المنصرمة في حرب تجارية مع الصين، وصلت مراحل متقدمة في فرض التعريفات الجمركية، ومنع الشركات الصينية من العمل في الولايات المتحدة، بل والضغط على دول أخرى لمنع هذه الشركات من العمل في بلدانهم، مثل حالة شركة هواوي، وفرض عقوبات على شركات صينية تعاونت مع إيران أو نفّذت مشاريع بنية تحتية في جزر ببحر الصين الجنوبي. 

كما هاجم الصين مراراً وتكراراً في سياق حديثه عن فيروس كورونا المستجد، قائلاً إنها المتسبّب في موت عشرات الآلاف من الأمريكيين، الأمر الذي أثار عليه حنق القيادة والشعب الصينيّين، المعروفيْن بحساسيتهما العالية تجاه أي نقد قادم من الخارج. ويعتبر ترامب أن الصين -وليس روسيا- هي المتدخّل في الانتخابات الأمريكية لصالح منافسه جو بايدن. وأعاد الرئيس ترامب في هذا الشهر نشر مقال كان منشوراً على موقع Breitbart المؤيد له، وحمل عنوان "يبدو أن الصين تفضل جو بايدن في الانتخابات الرئاسية"، وكتب ترامب "بالطبع يريدون بايدن. فقد أخذتُ مليارات الدولارات من الصين وأعطيتها لمزارعينا وخزانة الولايات المتحدة. ستتملك الصين الولايات المتحدة إذا فاز بايدن وابنه هانتر!".

ويبدو أن هناك اتفاقاً في الأوساط السياسية والأمنية في واشنطن على حقيقة التدخل الخارجي في الانتخابات لصالح مرشح بعينه، لكن هذه الأوساط تختلف في حجم التدخل ونوعيته. فقد قال مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس وليام إيفانينا، وهو المسؤول المشرف على مراقبة التدخلات الخارجية في السياسة الأمريكية، في بيان نشره قبل ثلاثة أشهر: "حسب تقديراتنا فإن الصين تفضّل ألّا يفوز الرئيس ترامب -الذي تعتبره بكين متقلباً- بولاية ثانية. 

لقد عزّزت الصين جهودها للتأثير على المناخ السياسي قُبيل الانتخابات، كما تعمل الصين على توسيع جهود نفوذها، قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لتشكيل البيئة السياسية في الولايات المتحدة، والضغط على الشخصيات السياسية التي ترى أنها تتعارض مع مصالح الصين، وتحجيم النقد المضاد للصين. ورغم أن الصين ستستمر في تقييم مخاطر وفوائد هذا العمل العدواني فإن خطابها العام على مدى الأشهر القليلة الماضية أصبح ينتقد بشكل متزايد استجابة الإدارة الحالية لكورونا، وإغلاق قنصلية الصين في هيوستن، والإجراءات المتعلقة بقضايا أخرى. وخلُص البيان إلى أن بكين "تدرك أن كل هذه الجهود قد تؤثر على السباق الرئاسي".

هذا البيان وتصريحات ترامب التي اتفق فيها مع بايدن في أن الصين تشكّل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة، مع اختلاف الاثنين في المرحلة الحالية في أن بايدن يعتقد أن الصين قوة يجب مواجهتها، يوضّحان الخوف من الصين، واستغلال هذا الخوف في المعركة الانتخابية. وقد سعى بايدن لدرء اتهامات الرئيس ترامب له بأنه مرن مع الصين، ووعد بأن يكون "حازماً" بخصوص حقوق الإنسان وقضايا أخرى، لكنّ بايدن والديمقراطيين عموماً يرون أنه عندما يتعلق الأمر بالتدخل في الانتخابات الأمريكية فإن روسيا هي الخطر وليس الصين، بينما يدافع ترامب عن روسيا، ويتهم الصين بأنها هي من تتدخل في الانتخابات ضده. 

وأضيفت إلى قائمة المتدخلين في الانتخابات القادمة إيران، حيث قال بيان وليام إيفانينا أيضاً إن التدخل الإيراني "من المحتمل أن يركّز على التأثير عبر الإنترنت، مثل نشر معلومات مضلّلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإعادة نشر محتوى معادٍ للولايات المتحدة. ويعود دافع طهران للقيام بمثل هذه الأنشطة جزئياً إلى تصوّر أن إعادة انتخاب الرئيس ترامب ستؤدي إلى استمرار الضغط الأمريكي على إيران، في محاولة لإثارة تغيير النظام".

التدخل الصيني عبر التأثير عبر الإنترنت أو عبر اللوبيات داخل الولايات المتحدة غير مستبعد، وللتدليل على ذلك يكفي الإشارة إلى أن غالبية المؤسسات المرتبطة بالخارج: وزارة الخارجية، وتلفزيون الصين المركزي (CCTV)، والجامعات المرموقة، والشركات الكبرى، وكبار موظفي الدولة العاملين في هذه المؤسسات لديهم حسابات في منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة والمعروفة في الولايات المتحدة والعالم، مثل فيسبوك وتويتر وغيرهما. 

والغرض من هذه الحسابات في هذه المنصات المغلقة والممنوعة داخل الصين هو تقديم الصين إلى الخارج ضمن دبلوماسية القوة الناعمة، وخدمة أهداف الصين في معارك تشويه السمعة المتبادلة بين البلدين. وليست هناك إشارة أبلغ من تغريده الناطق الرسمي باسم الخارجية الصينية، بعد واقعة مقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض، التي قال فيها "لا أستطيع التنفس". كما أن هذه المنصات وحسابات أخرى يمكن أن تستخدم في دعم ناخب ضد آخر، في حال أرادت الصين استخدامها للتأثير على العامة الذين لا يعرف الكثير منهم شيئاً عن الصين والسياسة الخارجية.

العلاقة بين الصين والولايات المتحدة علاقة من الأهمية بمكان لكلا البلدين، فبخلاف حقيقة أن البلدين هما من أكبر الشركاء التجاريين لبعضهما البعض (الصين هي الشريك الثالث للولايات المتحدة بعد الاتحاد الأوروبي وكندا من حيث الصادرات والواردات، بينما الولايات المتحدة هي الشريك الأول بالنسبة للصين)، هناك حقيقة قديمة للصينيين تقول إن نهضتهم خلال الأربعة عقود الماضية يعود الفضل فيها لسياسة الانفتاح التي أقرّها الزعيم الراحل دنغ شياوبينغ تجاه الولايات المتحدة والغرب عموماً. وهو انفتاح اقتصادي سبقه انفتاح سياسي بدأ مطلع السبعينيات مع رحلتي كسنجر ونيكسون الشهيرتين. بينما تعتبر الصين مصدراً اساسياً للبضائع بالنسبة للولايات المتحدة، ليس لرخص أسعارها فقط، وإنما لتنوع سلاسل الإنتاج ووفرتها في الصين مقارنة بأي بلد آخر. وسبب آخر متعلق بحجم رؤوس الأموال المتوفرة لدى الصين حالياً، والمستثمرة في الولايات المتحدة في شكل سندات أو شركات مستثمرة أو أثرياء أو طلاب يدرسون في الجامعات الأمريكية.

خلاصة القول إن الحرب التجارية والإعلامية الدائرة حالياً بين إدارة ترامب والصين هي فصل صغير من الحرب الباردة المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة، والتي يُتوقع من الطرفين استخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، والتقليدية والمستحدثة، والحرب التجارية، والحرب بالوكالة، والعقوبات وغيرها. 

ومثلما تحتجّ إدارة ترامب على التدخل الصيني  والروسي في الانتخابات الأمريكية، تحتجّ بكين على التدخل الأمريكي في الشؤون الصينية الداخلية، ابتداءً من شين جيانغ وليس انتهاء بهونغ كونغ. ورغم النفي الصيني للتدخل في خيارات الناخب الأمريكي فإن تدخلها المزعوم يستند إلى حجّة تقول إنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، حيث تدخّل في الانتخابات الأمريكية السابقة الروس والخليجيون، وكل من له مصلحة في مساندة طرف ضد طرف يعتقد أنه معادٍ له. وفي حالة الرئيس ترامب فإن وجود أصدقاء أو داعمين أجانب له هو الاستثناء. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد زمراوي
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
تحميل المزيد