صناعة المحتوى على الانترنت.. لماذا أصبحت هوساً يسعى الجميع خلفه؟

عدد القراءات
530
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/25 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/09 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش


يتصل بي صديق بعد غياب طويل ليطلب أن نلتقي، والموضوع هام على حد قوله، حتى أتت ساعة اللقاء كنت أتساءل لماذا يصرُّ على لقائنا هذا وهو الذي تجاهل أن نلتقي كل هذه الفترة الطويلة، وها هو ذا يخبرني بأنه يود أن يصبح يوتيوبر وصانع محتوى، لكن ليس مدفوعاً بتلك الإحصائيات التي تدرُس المحتوى العربي على الإنترنت وإنما بأهداف وأحلام أخرى، أولها أن تُدِر له الدخل الذي يحلم به بحكم ما يشاهده لدى "صناع المحتوى"، وآخرها.. ربما، العقود التي تُمطرها الشركات على هؤلاء في سبيل ترويج منتجاتها لجمهور الإنترنت.

يكمل لي صديقي عن مخططه ويسترسل في حديثه وكأن ساحراً قام بغسل دماغه وأقنعه بأن العملية سهلة للغاية، وأن آلاف الدولارات بانتظاره بضغطة زر، وملايين المعجبين ينتظرون فيديو منه يشرح عن منتج ما أو يصور تجربة، بالطبع لا ألومه في ذلك فصناع المحتوى في أغلبهم يُظهرون هذه الصورة النمطية، لا سيما أولئك الذين باتوا يجمعون في محتواهم مختلف أنواع الفيديوهات التي تتنوع ما بين التجارب واليوميات أو الـ Vlogs وبين استعراض المنتجات وأغاني الراب وما شابهها.

صورة نمطية سائدة وهالة براقة كرّسها هؤلاء من خلال ما يتفاخرون به على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تجد أحدهم فجأة قد انقلب حاله وبات يملك سيارات فارهة كان يحلم بامتلاكها وعقارات وعقود مع شركات يروج لمنتجاتها، وشركات أخرى لتنتج له محتواه، سياحة في البلد الفلاني، ورحلة على شاطئ لا نكاد نسمع باسمه لولا أن عرّفنا عليه من خلال عدسة كاميرته، هذا ما يدفع الكثيرين لأن يؤمنوا بهذه الفكرة ويتجهون نحوها مدفوعين في الغالب بدافع اقتصادي في الدرجة الأولى، وبدافع نفسي بحيازة مكانة مرموقة وحب الشهرة بالدرجة الثانية، والمشكلة تكمن أيضاً في أن المتلقي لهذه المنشورات تتكون عنده فكرة أن النجاح في صناعة المحتوى أو النجاح المبهر على يوتيوب مثلاً من الممكن أن يتحقق بضغطة زر واحدة أو بأيام قليلة دون عمل أو جهد في الإنتاج، ضاعف من ذلك فيديوهات ما يعرف بـ(استقلت من وظيفتي) التي يُنشئها هؤلاء والتي تدفع الكثيرين للمخاطرة بترك عملهم والتوجه للعمل على شبكات التواصل الاجتماعي دون حساب مخاطر هذا القرار، أو دون حساب نوع المحتوى وجودته الذي من الممكن أن يعملو عليه ومفاتيح النجاح في هذه الصناعة.

صناعة المحتوى، واحدة من المصطلحات التي راجت مؤخراً، اسم فخم إلى حدٍّ ما، وغالباً يتركز في فيديوهات يوتيوب الذي اشتهر من بين المنصات بدعمه لصناع المحتوى ممن يحققون مكاسب جيدة على صعيد المشاهدات والتفاعل من قِبل الجمهور، وعوائد مالية كبيرة مقارنة بمهن مختلفة، إذا ما روّج أحدهم لمنتج تقني ما أو مسحوق تجميل أو ما شابهه، لكن إذا ما بحثنا في المحتوى العربي على يوتيوب سنجد أن نسبة كبيرة منه هو محتوى قائم على فكرة التحديات والمقالب، ومعظمها سخيف للأسف، تحديات يميناً ويساراً لا معنى لها سوى جلب المشاهدات والتفاعل ولا قيمة حقيقية تتركها عند المتلقي أو معلومة من شأنه أن يستفيد منها، وهي أبعد عن ذلك، إذ لا تخلق قيمة مضافة للمحتوى العربي الذي يعد الأقل من بين اللغات على الإنترنت، اللهم سوى أنها حالة من التسلية المؤقتة لدى المشاهد، وربما مادة دسمة للباحثين في علم النفس والاجتماع على حد سواء، فما الفائدة التي قد يجنيها أحدنا من مشاهدة شخص ما يتناول 100 قطعة من البرغر؟

لماذا؟

سؤال يطرح نفسه وربما سألت نفسك هذا في خضم كثرة "صُناع المحتوى" الذين تقابل منشوراتهم كل يوم على إنستغرام أو يوتيوب أو فيسبوك، لما يتجه الكثيرين ليصبحوا (يوتيوبرز) أو صناع محتوى؟

يُعرف صانع المحتوى بكونه الشخص الذي ينتج المقالات أو الفيديو أو الصور أو البودكاست بهدف تثقيف الجمهور ومنحه المعلومات، سواء بشكل مستقل كما هو الحال الذي درج مثلاً مع المدونين واليوتيوبرز وصانعي البودكاست، أو قد يكون بشكل عمل وظيفي كما هو الحال بالنسبة للذين يعملون في أقسام أو وكالات التسويق.

فعلياً ما يدفع الأغلبية لهذا الاتجاه هو كون الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي أحدث طفرة وتغيير في حياة الكثيرين، وباتت من أحد محددات معرفة الأشخاص، فإن لم يكن الشخص يهدف للشهرة أو كسب الأموال، فإن الحضور الإلكتروني مهم له لبناء سُمعة إلكترونية من شأنها أن تدعم مسيرته المهنية إن كان يبرع في مجال ما أو إن كان يتقدم لوظيفة يرغب فيها.

ويعتبر يوتيوب من أهم المنصات في ذلك في ظل التنافس العالي بين الشبكات الاجتماعية، إذ يحتل رتبة ثاني أكثر محرك بحث استخداماً على مستوى العالم (بعد جوجل)، والوجهة الرئيسية لأي شخص يود البحث عن فيديو ما، كما أنه يحتل المرتبة الثانية بعدد المستخدمين استخداماً.

يمثل صناع المحتوى لشركة يوتيوب رأس مال مهماً ومورداً جذاباً للمستخدمين والمعلنين، لذلك أدركت الشركة أهميتهم وباتت تستثمر فيهم وفي رعايتهم، ويأتي هذا من خلال عدة طرق كـ أكاديمية يوتيوب التعليمية على الإنترنت، ويوتيوب سبيس التي تنتشر في مدن رئيسية حول العالم وتعطي يوتيوب من خلالها ورشات وتدريبات في كيفية صناعة المحتوى وجذب الجمهور إضافة لأستوديوهات التصوير وإمكانية استخدام تجهيزات ومعدات إنتاج وكاميرا عالية الدقة (قد) لا تتوفر لأي يوتيوبر، أو من خلال مكافأة صناع المحتوى بدرع يوتيوب الذي كلما وصلت القناة لرقم معين من المشتركين بات بإمكان مالكها الحصول على درع باسم قناته، أو حتى من خلال الإعلانات التي يصبح بإمكان مالك القناة تفعيلها وتدر عليه الدخل عند تحقيق شروط معينة ترتبط بمشاهدات الفيديوهات وعدد مرات ظهور الإعلانات والنقرات عليها.

مع المغريات السابقة، يقوم نموذج عمل يوتيوب على سلسلة متصلة أولها هي أن صناع المحتوى ينشئون محتواهم الذي يجذب المشاهدين أو المستخدمين والذي بدوره يحولهم لمستخدمين أوفياء أو متابعين باستمرار ما يجعلهم (مستخدمين نشيطين للموقع)، وهذا يقودنا للحلقة الثانية بأن المشاهدين يتابعون الفيديوهات ما يحقق مشاهدات عالية، وليس هنالك شيء أفضل للمعلنين من مكان لوضع إعلاناتهم أفضل من فيديوهات يوتيوب التي تحظى بالمشاهدة العالية، الأمر الذي يدفع يوتيوب لمشاركة أرباحه مع القنوات الناجحة التي تحقق مكاسب عالية في عدد المشاهدات والتفاعل.

على صعيد آخر يفتح باب الشهرة أمام اليوتيوبر أو الـ إنستغرامر فرصاً عديدة لترويج منتجات الشركات التي وجدت الحل الأمثل لها بالترويج من خلالهم، لاسيما مع وجود صناع محتوى متخصصين في مجالات معينة كالذي يقوم بمراجعات تقنية للهواتف الذكية، أو من يتركز محتواه على مستحضرات التجميل وطرق استخدامها، بالإضافة لوكالات التسويق من خلال المؤثرين التي بات تعتمد على هؤلاء لتكون صلة الوصل ما بين الشركات وما بين الجمهور المستهلك، كما أن هذا الباب وفر دخلاً إضافياً لمن يمتلكون الشهرة مسبقاً كالمغنين أو الممثلين أو مقدمي البرامج الذين اقتحموا عالم السوشيال ميديا بكثرة وتحولت حساباتهم لأشبه ما تكون بصفحات تجارية، حتى إن الأمر دفع بإحدى الممثلات لأن تبدأ مسيرتها في يوتيوب علماً بأنها كانت قد اختفت منذ زمن طويل!

لكن حتى لا نصور الأمر على أنه سلبي للغاية علماً بأن كثيراً من المشاهير بات يروج لكل شيء يطلب منه ترويجه، عليّ أن أعترف بأن منصات التواصل الاجتماعي كانت أداة عظيمة لاكتشاف المواهب بعيداً عن فكرة برامج تلفزيون الواقع التي تبحث عن الموهوبين، إذ إن كثرة المحتوى التافه لا تعني بالضرورة عدم وجود محتوى ذي قيمة، والدليل على ذلك أن القنوات الفضائية أو شركات الإنتاج وصلت للعديد من هذه المواهب من خلال يوتيوب أو فيسبوك أو إنستغرام وباتت تستقطبهم لتنتج لهم برامج تبث على شاشة التلفزيون، كما أن هناك شركات وصناع محتوى متخصصين في مجالات معينة يمنحون معلومات وقيمة للمحتوى الذي يصنعونه عن السفر مثلاً أو ثقافات وموائد الشعوب أو حتى في مجال تعلم المهارات والتصوير والموسيقى وغيرها.

المحتوى العربي على الإنترنت

يُعرف المحتوى العربي على الإنترنت سواء كان نصاً أم صوتاً أم فيديو بنوعين وفق تقرير مسرعة الأعمال "ومضة"، النوع الأول هو محتوى يتم إنشاؤه من قِبل المستخدمين ويعتبر مؤقتاً ينطوي على عدد قليل من المخططات البيانية ومن الصعب محاولة معالجة بياناته، أما النوع الآخر والذي يعتبر مهماً للغاية هو المحتوى الأصلي المتميز الذي يتم إنشاؤه من قِبل الناشرين والمحررين المحترفين.

ويشتهر المحتوى العربي الرقمي بالعموم بقلته، إذ يمثل ما بين 1% إلى 3% من إجمالي المحتوى الرقمي، كما تحتل اللغة العربية المرتبة الرابعة من بين اللغات العشر الأكثر استخداماً على الإنترنت، يواجهه ذلك عدة معوقات مثل عدم ضمان حقوق الملكية الفكرية لصناع المحتوى والناشرين، إضافةً لمشاكل تقنية كضعف البنية التحتية التقنية في عدد من الدول العربية.

في النهاية إن كنت ممن يفكرون بالتوجه نحو هذه الصنعة فكر ملياً باستعدادك النفسي لتحمل موجات التنمر التي يواجهها منشئو المحتوى، هل لديك القدرة على تحمل ذلك أو مواجهته؟ النجاح في هذه الصنعة يحتاج لدراسة معمقة، وجهداً في الإنتاج والتعلم من الأخطاء، لا مجرد الجلوس أمام الحاسوب وكتابة نص ما أو الوقوف أمام الكاميرا والحديث دون أي أفكار مسبقة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بشر عبدالهادي
مهتم بالإعلام والتقنية والتسويق
مدوّن، ومصوّر، مهتم بالإعلام والتقنية والتسويق، أدرس الإعلام والاتصال الجماهيري، تخصص صحافة إلكترونية، وأعمل في مجال التسويق الإلكتروني.
تحميل المزيد