بدأ العد التنازلي لانتخابات البرلمان الأردني التاسع عشر، حيث يتنافس المرشحون للبرلمان الأردني بشدة هذه الأيام لتقديم أنفسهم بالشكل والطريقة التي تمكنهم من إقناع الناخبين ومن ثَم الوصول إلى مقاعد البرلمان القادم. وتخبرنا المؤشرات الأولية بأننا قد نشهد العديد من الوجوه الجديدة وخصوصاً الشبابية منها نظراً لما يمكن تسميته "احتراق أوراق" العديد من المحاربين القدامى لأسباب عديدة ليس أقلها زيادة ثراء البعض في وقت ازداد فيه الناخب فقراً وقهراً!
الحقيقة أن شدة التنافس على عضوية البرلمان تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات، أبرزها على سبيل المثال: على ماذا يراهن المرشح الذي سيصل فعلاً للبرلمان؟
وكيف سيحقق ولو جزءاً يسيراً من وعوده الانتخابية لقاعدته الشعبية؟
الدولة الأردنية تعاني مادياً واقتصادياً بشدة، فكيف يقدم البعض وعوداً مع أن الوضع العام أصبح مكشوفاً؟
بماذا سيختلف النائب في البرلمان التاسع عشر عن النائب في البرلمان الماضي وما هي الإضافة التي سيشكلها وجوده للناخبين؟
يمكن النظر إيجابياً لتجارب بعض النواب السابقين –على قلتهم- حيث اجتهدوا في أداء دورهم الرقابي كما ينبغي، ترافق ذلك مع تقديم ما في وسعهم من خدمات انتظرها منهم المواطنين. لكن تبقى تلك التجارب نادرة ولا يمكن القياس عليها بالمقارنة مع غياب العدد الأكبر من النواب السابقين عن أداء دورهم الرقابي مقابل حصولهم على بعض الامتيازات الشخصية، وترافق ذلك مع فقدان الثقة بهم وفي العملية البرلمانية ككل.
الوضع الاقتصادي المتدهور هو التحدي الأكبر حالياً للحكومة الأردنية، ولذلك سيواجه البرلماني القادم صعوبات في تقديم الخدمات المنتظرة منه لناخبيه. ومن أبرز المشاكل التي يواجهها النائب الأردني القادم، على سبيل المثال، توفير فرص العمل، حيث إن التدهور الاقتصادي يلقي بظلاله على الحياة العامة منذ سنوات طالت كثيراً رافقها غياب تام لعملية "استحداث فرص العمل"، وأصبح هناك تكديس للعمالة أو ما يسمى "بطالة مقنعة" وهي التي توقفت مؤخراً بسبب التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا، نظراً لعدم توفر ميزانيات تسمح باستمرارها.
وسط هذا الحال، غالباً لن يستطيع النائب تقديم فرصة عمل للمواطنين ولن يكون بمقدوره العمل على تنمية الدائرة التي يمثلها خلال الفترة القادمة وعلى الناخب أن يعي ذلك جيداً وألا يحمل النائب ما لا طاقة له به، مع الأخذ بعين الاعتبار أن توفير فرص العمل هي أساساً من مهام الحكومات وليس النواب.
المواطن الأردني غير معنيّ كثيراً بالصراعات الأيديولوجية أو صراعات السلطة والقوائم الحزبية، بل جُلّ ما ينتظره هو بعض الخدمات التقليدية من النائب (بعيداً عن التوظيف) وفي هذه النقطة ينقسم النواب أيضاً فهنالك من يمتلك الشخصية القيادية والحكمة لبناء علاقات تمكنه من مساعدة المواطنين وتلبية ولو جزء يسير من آمالهم وطموحاتهم، ويمتلك هؤلاء تلك الميزات التي تجعلهم يقايضون مواقفهم بمقدار الخدمات المقدمة إلى ناخبيهم.
تداعيات جريمة الزرقاء
أما على الصعيد التشريعي، فقد أثارت قصة "جريمة الزرقاء" الرأي العام واتخذت الدولة الأردنية إجراءات صارمة في الحد من هذه الظاهرة التي تثير العديد من الأسئلة حول كيفية تشكلها سابقاً، ويحسب كثيراً للأجهزة الأمنية موقفها الذي تمارسه هذه الأيام، حيث كانت على الموعد وحظيت بدعم شعبي كبير، وهنا يأتي دور النائب في البرلمان القادم من حيث دعم الجهد الأمني، فهنالك ملف القوانين التي تحد من الجريمة والعنف والتي بمضمونها الحالي لا تلبي الطموح، والمجتمع الأردني الذي يغلب عليه طابع التسامح أصبح يطالب بتشديد العقوبات على الإجرام.
في هذا الملف تحديداً وجد بعض النواب أنفسهم في مواجهة مع المواطنين تحديداً على مواقع التواصل، حيث تم الكشف بالأسماء خلال الأيام الماضية عن وجود علاقات ومصالح متبادلة مع هؤلاء المجرمين، وقد يكون البعض منهم فقد فعلاً الكثير من قوته في صراع الانتخابات بعد أن تم اعتقال المحسوبين عليه والذين كانوا أحد مصادر كسب الأصوات.
ولا يمكن إغلاق هذا الملف بسهولة حيث لا تنتهي ظاهرة الإجرام بالقبض على المجرمين، فهنالك العديد من الأدوات التي تؤدي إلى الإجرام مازالت موجودة في الميدان أهمها المخدرات وتجارها وهي التي تسببت في العديد من الظواهر الاجتماعية الشاذة والتي يجب أن يعمل المجلس القادم على تطوير التشريعات بما يساعد في زيادة تجريم تلك الآفة.
انتخابات صامتة
الحقيقة الواضحة للمتابعين هي انخفاض الاهتمام الشعبي بالمشاركة في الاقتراع القادم لأسباب عديدة أبرزها الوضع العام اقتصادياً ومعنوياً منذ بدء انتشار جائحة كورونا وأيضاً تراجع التوقعات بالفائدة المرجوة من النواب، ولكن أيضاً يجب أن يؤخذ بجدية إمكانية إجراء الانتخابات وسط زيادة دراماتيكية في أعداد الإصابات بوباء كورونا، حيث أصبحت أعداد المصابين في الأردن قياسية وتتصدر المشهد عالميا نسبة لعدد السكان، ولماذا الإصرار على إجراء الانتخابات في هذا الوضع الوبائي الصعب؟
يبقى أن نقول إن على المجلس القادم أعباء كثيرة فهو يأتي في منعطف تاريخي في تاريخ المملكة حيث تأتي التغييرات السياسية الجذرية التي تعصف بالمنطقة العربية والإقليمية وهذا قد يتخلله العديد من المواقف الكبرى، فهل يا ترى يستطيع النائب في البرلمان القادم تقديم ما يليق بالمواطن من مواقف وطنية تعكس نبض المواطن؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.