مخاطر اتفاق توريد النفط الإماراتي لإسرائيل عبر خط “إيلات-عسقلان”

عدد القراءات
2,892
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/23 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/23 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
iStock \ قناة السويس

في سياق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل وقع الجانبان اتفاقاً لنقل النفط الإماراتي من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر خط أنابيب إيلات-عسقلان فيما يبدو أنه تأسيس لمسار بديل عن نقل النفط عبر قناة السويس. ورغم أن الصفقة تأتي في إطار عدد من الصفقات والاتفاقيات التي جاءت كنتيجة لاتفاق السلام الموّقع بين الطرفين إلا أنه سيكون من المهم توضيح تأثير صفقة نقل النفط الإماراتي عبر خط "إيلات-عسقلان" على عائدات قناة السويس والتأثير الجيوسياسي الذي يمكن أن تتسبب فيه الصفقة.

خط إيلات-عسقلان.. تاريخ لا يزال غامضاً

إحدى المشاكل الرئيسية التي كانت تواجه إسرائيل منذ نشأتها عام 1948 وأثناء مواجهتها العسكرية مع مصر وسوريا خلال فترة الخمسينات وحتى السبعينات، كانت تتعلق بتوفير النفط.

وسمحت العلاقات القوية بين إسرائيل ونظام الشاه في إيران، والتي بدأت مبكراً باعتراف إيران بإسرائيل في 1948 بتوفير جزء كبير من حاجة إسرائيل للنفط عبر ناقلات تتحرك من إيران وتفرغ حمولتها من النفط في ميناء إيلات. لكن مع إغلاق قناة السويس في عام 1967 واجهت إيران صعوبات في نقل صادرات النفط المتوجهة إلى أوروبا، حيث صار البديل لقناة السويس هو طريق رأس رجاء الصالح ذا التكلفة الأعلى من قناة السويس، فضلاً عن الوقت الطويل الذي يحتاجه هذا المسار لوصول النفط إلى أوروبا. لذا أسرعت كل من إيران وإسرائيل بإنشاء شركة مشتركة (Trans-Asiatic Oil Company) في عام 1968 لنقل النفط الإيراني الى إسرائيل وأوروبا حيث أنشئ خط أنابيب إيلات-عسقلان أو ما يعرف بخط (Trans-Israeli Pipeline) والذي يتيح لإيران بديلاً جيداً عن قناة السويس حيث تتجه ناقلات النفط الإيراني إلى ميناء إيلات وينقل النفط عبر خط الأنابيب إلى ميناء عسقلان في البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا فضلاً عن إمداد إسرائيل نفسها بحاجتها من النفط.
(مرفق خريطة تعود لعام 1970 توضح مسار الخط من ميناء إيلات إلى ميناء عسقلان).

مسار الخط من ميناء إيلات إلى ميناء عسقلان

لكن مع بداية عام 1979 كان هناك متغيران رئيسيان ساهما بشكل كبير في تغير خريطة واردات النفط في إسرائيل، حيث توقف التعاون بين إسرائيل وإيران بعد اندلاع الثورة الإيرانية وانقطاع العلاقات بين الطرفين، مما أدى إلى توقف إمدادات النفط القادمة من طهران، ولكن في المقابل سمحت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بوصول النفط المصري إلى ميناء إيلات ومنه إلى ميناء عسقلان عبر خط الأنابيب.

فمنذ عام 1979 استولت إسرائيل على خط الأنابيب وتوقف العمل في الخط باستثناء شحنات النفط المصري التي تصل إلى ميناء إيلات وفي نفس الوقت بدأت إيران في حملة قانونية مطالبة بالحصول على حقوقها في خط إيلات-عسقلان، وفي عام 2016 قضت المحكمة الفيدرالية السويسرية بتعويض قدره 1.1 مليار دولار لصالح إيران وحتى الآن ترفض إسرائيل دفع التعويض. وظل خط إيلات-عسقلان معطلاً أو "سرياً" لا تعلن عنه أي معلومات منذ عام 2003 حين عقدت كل من إسرائيل وروسيا اتفاقاً يسمح لروسيا بنقل النفط من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر بعد تعديلات فنية تسمح للنفط بالمرور في اتجاه عكس الاتجاه الموجود بالفعل.

وجدير بالذكر أن نشر معلومات تتعلق بخط إيلات-عسقلان سواء حجم تدفق النفط أو البيانات المالية أو الكشف عن أسماء العملاء أو الدول التي تستخدم الخط في تصدير النفط، أو حتى الحديث عن الشركة التي تدير الخط (EAPC) يخضع للرقابة العسكرية الإسرائيلية ويتعرض من يخالف قواعد حظر النشر إلى الحبس لمدة تصل إلى 15 عاماً.

تأثير الصفقة على عائدات قناة السويس

للتحقق من التأثير المباشر للصفقة على عائدات قناة السويس سيكون علينا معرفة حجم النفط المتجه من الخليج العربي والذي يمر عبر قناة السويس في اتجاه أوروبا وأمريكا الشمالية والذي يأخذ مساره عبر القناة والذي يمكن أن يمثل خط إيلات-عسقلان بديلاً عنه. في عام 2018 بلغت شحنات النفط التي تمر بقناة السويس في اتجاه الشمال إلى أوروبا حوالي 123 مليون طن بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (أغلب الشحنات قادمة من السعودية والإمارات والكويت بالإضافة إلى إيران والعراق والهند).

في نفس الوقت بلغت إيرادات قناة السويس في عام 2018 حوالي 5.7 مليار دولار مقابل مرور 1.1 مليار طن من مختلف البضائع والمنتجات، يمكننا هنا أن نستنتج بشكل مبدئي أن العائدات القادمة من شحنات النفط المارة باتجاه الشمال في قناة السويس تبلغ حوالي 640 مليون دولار أي ما يمثل 11% من إجمالي عائدات قناة السويس (الأرقام تقريبية مع الأخذ في الاعتبار الفروقات الطفيفة في رسوم عبور الطن للمنتجات المختلفة). على الناحية الأخرى تبلغ الطاقة الاستيعابية لخط إيلات-عسقلان حوالي 600 ألف برميل يومياً أي ما يعادل 30 مليون طن سنوياً.

وقبل أن ننتقل إلى الحسابات الاقتصادية، من المهم أن نوضح المميزات التي يمتلكها خط إيلات-عسقلان بحيث تجعله بديلاً أرخص من قناة السويس، والتي تتركز في القدرة الاستيعابية لميناءي إيلات وعسقلان حيث يستطيع كل منهما استيعاب ناقلات النفط العملاقة من النوع VLCCs والتي تصل حمولتها إلى 2 مليون برميل، في حين أن هذا النوع من الناقلات لا يستطيع عبور قناة السويس بسبب عمقها وعرضها المحدود الذي يسمح فقط بمرور ناقلات من نوع Suezmax vessels والتي تصل حمولتها إلى نصف حمولة الناقلات العملاقة. ومن ناحية أخرى تعد رسوم مرور ناقلات النفط عبر قناة السويس مرتفعة حيث تتراوح بين 300 ألف إلى 400 ألف دولار وهو الأمر الذي دفع بعض السفن إلى الاتجاه لطريق رأس الرجاء الصالح لتجنب التكلفة العالية. هذا يعني ببساطة أن مصدري النفط الذين كانوا في حاجة إلى سفينتين لنقل شحنة نفط عبر قناة السويس ودفع رسوم العبور لهما سيمكن لهم استخدام سفينة واحدة عملاقة لتصدير الغاز عبر خط إيلات-عسقلان.

عائدات قناة السويس من ناقلات النفط

يمكننا الآن أن ننتقل إلى الحسابات الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر على عائدات قناة السويس بعد إتمام اتفاق نقل النفط الإماراتي إلى إسرائيل، حيث ستفضل ناقلات النفط القادمة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط استخدام خط إيلات-عسقلان كبديل عن قناة السويس، وباعتبار الطاقة القصوى لخط إيلات-عسقلان فإنه يمكن أن يستوعب سنوياً 30 مليون طن أي حوالي ربع الكمية تقريبًا التي تمر سنوياً عبر قناة السويس في اتجاه الشمال.

بمعنى أكثر تحديداً يمكن أن تتسبب الصفقة في خسارة مصر ربع العائدات القادمة من شحنات النفط المارة باتجاه الشمال، أي حوالي 160 مليون دولار سنوياً أو ما يبلغ 3% من إجمالي عائدات قناة السويس.

البعد الجيوسياسي.. الأهم والأكثر خطورة

بطبيعة الحال عند النظر إلى هذا النوع من الاتفاقيات مع إسرائيل سيكون من الخطأ حصرها فقط في البعد الاقتصادي وما يتعلق بالخسائر المادية، حيث يتيح الاتفاق لإسرائيل وضعاً جيوسياسياً أفضل يمكن أن نلخصه في عدة نقاط مختصرة:

  • دخول إسرائيل في معادلة تجارة واستثمارات النفط في المنطقة، وهو أمر سيزيد من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
  • نقل النفط إلى أوروبا عبر خط إسرائيلي من شأنه زيادة النفوذ الإسرائيلي داخل أوروبا ومنافسة النفوذ العربي الناتج عن سيطرة صادرات النفط العربي داخل أوروبا لعقود طويلة.
  • سيعد الخط بديلاً أرخص من قناة السويس وسيمثل بوابة جديدة للتطبيع والاتصال المباشر بين إسرائيل ودول الخليج، وربما يزيد من احتمالات ربط الخط بشبكة خطوط الأنابيب السعودية لنقل النفط مباشرة من الخليج إلى البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا.
  • سيكون من الوارد تطوير الخط ليسمح بنقل الغاز الطبيعي أيضاً، وهذا يعني زيادة قدرة إسرائيل لتصدير الغاز الطبيعي على حساب مستقبل مصر كمنصة إقليمية لتصدير الغاز. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد فؤاد
باحث سياسي
باحث سياسي ومتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الاوسط.
تحميل المزيد