منذ يومين وحتى اللحظة الحالية وصلتني العديد من رسائل الأصدقاء المصريين، يخبرونني بقصة الأسرة العربية التي اتَّهمت روضة أطفال في ألمانيا بالاعتداء على طفلتهم واستغلالها لتصوير أفلام إباحية، ومرفق مع هذه الرسائل الفيديو المسجل لأم الطفلة مريم، الذي تروي فيه التفاصيل، طالبين مني مشاركتهم في المساعدة على إعادة حق الطفلة المجني عليها وإطفاء نار الألم والغضب في صدور الوالدين، وذلك بتقديم الجناة للمحاكم لمعاقبتهم على فعلتهم هذه قانونياً.
وبعد أن اطَّلعت على الفيديو المسجل للأم وجدت نفسي في حالة صدمة شديدة، قد تؤثر بالتأكيد على ترتيب أفكاري، والتي قد تجعلني منساقاً خلف مشاعري، وخصوصاً أنها جريمة بشعة بكل المقاييس، وكما صورته لنا أم الطفلة.
وهنا وجدت أنه من الضرورة أن أتريث في الإدلاء بأي رأي أو اتخاذ أي خطوة حتى أهدأ، لأستطيع رؤية الموضوع بالمنظار الصحيح والبعيد عن التشويش.
حقيقةً، ورغم أن الفيديو المسجل للأم كانت مدته طويلة، فإنه لم يوضح لنا ما هي الإجراءات التي أقدموا عليها، وما الخطوات التي اتَّبعوها من أجل عرض قضيتهم بالطريقة الصحيحة، ليتمكنوا من الحصول على حقهم من الجناة.
وعليه:
وجدت من الضرورة تدوين الخطوات التي يجب اتِّباعها في هذه الحالة هنا في ألمانيا، من أجل أن نصل إلى حقنا القانوني، وذلك كالآتي:
أولاً:
عندما يستشعر المرء أن هناك اشتباهاً في اعتداء وقع على طفله أو طفلته، سواء أكان جسدياً أو جنسياً أو كلاهما فعليه الالتزام بالهدوء التام والاحتفاظ بالسرية والكتمان، ليظلَّ هذا الخبر محصوراً في نطاق ضيق جداً بين أهل الثقة العقلاء، والذين لا تقودهم عواطفهم لاتخاذ خطوات قد تكون سلبية، ثم يشرع في اتخاذ الخطوات التالية:
- الاتجاه فوراً ودون تأخير إلى قسم استقبال الحوادث (Unfallaufnahme)، والأفضل -إن أمكن- في قسم الطب الشرعي (Rechtsmedizin)، وفي أقرب مستشفى لإجراء كشف طبي على الطفل أو الطفلة؛ لإثبات إذا كان تعرض لاعتداء جسدي أو جنسي، بعد أن يخبر الطبيب قائلاً "أنا أتشكك في أن طفلي قد تعرض لاعتداءات جسدية وجنسية"، واكشِفْ لهم عن أماكن الإصابات التي في جسد طفلك، ولكن لا تُفصح عن الجناة وعن المكان الذي وقع فيه الاعتداء، وخصوصاً عندما يتعلق بجهات حكومية، إذا كنت لم تتأكد بعدُ تأكيداً قاطعاً أنهم هم الجناة فلا تُعرِّض نفسك لتهمة السب والقذف، أو تهمة الادعاء الكاذب.
وأخبرهم أنك سوف تخبرهم بذلك لاحقاً فور تأكُّدك، ولكن الآن لا بد من علاج طفلي أولاً. وهنا سوف يتم إيداع الطفل للعلاج في المستشفى إذا كانت هناك إصابات فعليه في جسده أو جسدها، ليحصل بعدها على تقرير (محضر طبي) يتم تدوين الإصابات فيه وأسباب الإصابة، فيصبح لدى المجني عليهم إثباتٌ قانوني قاطع (التقرير الطبي)، ودليلٌ بيّن لوقوع اعتداء على الطفل، يخدم القضية ويُعيد الحقوق.
وهنا أجد ثغرةً كبيرةً في قصة الأم، وهي أنها لم تذكر لنا أنه تم إيداع طفلتها في مستشفى للعلاج، لتؤكد رسمياً أن الطفلة قد تعرَّضت لاعتداءات جسدية وجنسية فعلياً، لأن الكلام المرسل لا يُعمل به هنا في ألمانيا، ما قد يتسبب في إضعاف القضية برمتها، والتي قد لا يُعتَد بها.
وليعلم الجميع أن هناك أخصائيين اجتماعيين في كل المستشفيات، والذين ينحصر دورهم في تتبع الحالة وتبليغ مكتب الطفل (Das Jugendamt)، أو أي جهة أخرى مختصة.
- التواصل مع أولياء أمور الأطفال الآخرين في روضة الأطفال، لَربما يكون هناك مَن تعرَّض طفلُهُ لاعتداءات مثل طفلكم ليتكاتف معكم لتعزيز القضية، ومن دون أن يشعر أحد، لتحصل على شهود (مجني عليهم) يمكن ضمهم للقضية ليشهدوا معك، بجانب التقرير الطبي، لإعطاء قوة ومصداقية أكبر، وتُغلق الباب على أي محاولة لطمس الحقيقة.
ثانياً:
احمل هذه الأدلة واتَّجه إلى الشرطة الجنائية لعمل محضرٍ بالجريمة، لتُنظَر أمام وكيل النيابة (Der Staatsanwalt)، وما أخشاه ألا يُؤخذ بحجة الطفلة لصغر سنها في حالة غياب الأدلة، ما قد يؤدي إلى حفظ القضية لغياب الأدلة.
ثالثاً:
أقول لكم وبصراحة، وأتمنى ألا ينزعج مني أحد، إنني وبالرغم من المجهود الرائع الذي قام به الكثيرون منكم، ومظاهر التضامن الكبيرة التي أبديتموها تجاه هذه الأسرة المكلومة، والتي كانت واضحة وجلية على السوشيال ميديا، فإنني أرى أن هناك سلبيات وأخطاء ارتُكبت لا بد لنا من تجنُّبها في المستقبل، ألا وهي:
- تسجيل فيلم للأم واضح الملامح، مع ذكر الأسماء الحقيقية وهي تَقصُّ قصتها بالتفصيل، ونشرها على نطاق واسع، أراه من وجهة نظري خطأً فادحاً؛ لأنه قد يُشفَى الجرح الجسدي في يوم من الأيام ويلتئم، ولكن سيظل الجرح النفسي غائراً تلازمه الآلام مع تلازم العيون الفضولية، والتي ستظل تلاحقهم.
"يلتئم الجرح ويبقى الأثر"، الأثر هو ما يظل عالقاً بالنفس، وليست التفاصيل، فالجرح مهما كان غائراً فسيأتي يوم ويبرأ صاحبه، ولكن الندبة لا تزول، ومهما عولجت سيبقى منها أثر يلازم صاحبه.
حقيقةً، إن قلبي ليدمي لهذه الأسرة، وإنني أشفق عليهم حقيقة، فكان يكفي أن تقوم بتسجيل الفيديو وتسرد الأحداث والواقعة كما يحلو لها، ولكن بإخفاء الملامح وبأسماء مستعارة.
فأرجو أن تنتبهوا لهذا في المستقبل.
- شنيعة ومباشرة لهم من دون أدلة قاطعة وإثباتات تدينهم قد تكون لها نتائج سلبية كبيرة وخطيرة منها:
– سرعة طمس الحقائق من قبل روضة الأطفال وإخفاء الأدلة، إذا كانت هذه التهم صحيحة (أنا لا أشكك في أقوال الأسرة، ولكن من طبعي الحذر والتدقيق في عباراتي حتى لا تؤخذ عليَّ أخطاء قانونية)
– قد ترفع روضة الأطفال قضية بالتشهير والقذف والسب ضد أولياء أمور الطفلة، إذا لم يكن هناك أي شيء يدينهم.
– طريقة التعامل الخاطئة يمكن أن تؤدي إلى إقحام مكتب الطفل الألماني (Das Jugendamt) في هذه المشكلة، ما يُمكنهم من التدخل وانتزاع الطفل من والديه وأسرته، وذلك وفقاً للبند القانوني (رفاهية الطفل في خطر)، (Kindeswohlgefährdung)، ففي المادة 1666 من الدستور الألماني:
"يمكن لمحكمة الأسرة أن تتدخل لحماية الطفل من الخطر، إذا كانت سلامته ورفاهيته معرضة للخطر، ولم يكن الوالدان مستعدين أو غير قادرين على القيام بذلك بأنفسهم"، "رفاهية الطفل معرضة للخطر إذا كانت هناك خطورة حالية أو على الأقل وشيكة على نمو الطفل، والتي إذا استمرت يمكن أن تُنبئ بضرر كبير على سلامة الطفل الجسدية أو العقلية أو العاطفية"
ندعو الله أن يلطف بهذه الأسرة المكلومة، ويخفف عنهم ويصبرهم، ويخرجهم من هذه الأزمة على خير، وأن ينصفهم بعدله ورحمته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.