في استاد إيلاند رود، ملعب نادي ليدز يونايتد، كان الصراع محتدماً بين بيب غوارديولا (التلميذ كما يصفه البعض) أمام معلمه (مارسيلو بييلسا). كانت المباراة مثيرة في تفاصيلها ومجرياتها، فالنسق مرتفع، والفرص متبادلة كما اللكمات، أعلم جيداً أن تلك المباراة التي انتهت بالتعادل الإيجابي 1-1 أبهرت متابعيها، لكن لماذا لم تبهر تلك المباراة بيب غوارديولا على الإطلاق؟ بعيداً عن سوء الفريق بشكل عام في تطبيق الضغط العكسي وعدة تفاصيل تكتيكية وفردية لم ترُق للإسباني، فقد جرت العادة الكروية أن فرق غوارديولا لا تنساق وراء نسق خصومه، بل تفرض النسق الذي يقرره غوارديولا الذي يحب أن يتحكم فريقه في نسق المباراة، ويحب أن يتحكم في أسلوب لاعبيه، وفي أسلوب خصومه في بعض الأحيان، لكن تلك المباراة أظهرت لبيب أن فريقه لم يعد بتلك الجودة والقدرة على التحكم وفرض الإيقاع، بل أصبح ينساق وراء مجريات المباراة في أغلب الوقت، بمعنى أدق أصبح مانشستر سيتي رد فعل للمباراة بشكل عام.
ما ظهر في رأس غوارديولا في ذلك الحين هو صورة ديفيد سيلفا، ولعله أسرّ في نفسه "آهٍ لو لدينا ديفيد سيلفا لأظهرت للجميع أنني المعلم"، لكن لماذا افتقد بيب ديفيد سيلفا؟
الإجابة بسيطة، لكن تفسيرها معقد، الذي يكمن في مصطلح "la pausa"، فماذا يعني المصطلح؟
la pausa من المصطلحات الإسبانية التي يستخدمها محللو كرة القدم على اللاعبين القادرين على إبقاء أقدامهم حول الكرة دون ركلها، اللاعبون الذين ينتظرون لثوانٍ معدودة حتى تحين الفرصة المناسبة، ومن ثم ينفذون قرارهم بدقة عالية، باختصار هم اللاعبون القادرون على منح بعض الهدوء والتنظيم في خضم الفوضى.
الآن، تفكر في قرارة نفسك بأنها إحدى تلك الكلمات التي يستخدمونها لتحويل اللعبة الشعبية إلى نوع من الرومانسية الحزينة، غير المهمة إطلاقاً في مسار اللعبة، لكن المثال واضح، أمامك فريق غوارديولا من دون la pausa هو فريق ينساق وراء الفوضى.
المدرب الإكوادوري فيليبي ماتيوس يقول: "الوقت يتوقف وكل شيء يصبح منطقياً. كل شيء مرتب حول الكرة، التي توقفت أخيراً بعدما سئمت من التدحرج، سئمت الطيران من مكان إلى آخر، تقع عند الحذاء في انتظار ممر للتمرير، رجل حر، مهاجم يبتعد عن مراقبه".
يقول أنخيل كابا، أحد أوائل ملهمي غوارديولا: "la pause في كرة القدم تعني السرعة، كرة القدم من دون توقف بطيئة، لأنها فوضى رتيبة".
ومع ذلك، يمكنك أن ترى أن الأمر يتعلق بالنظام والسيطرة، وهو أمر أساسي لتوازن فرق غوارديولا. وديفيد سيلفا هو التجسيد الحي لـPausa، وهو مثال رائع ومثالي عند وضعه في صخب كرة القدم الإنجليزية.
في البداية، علينا أن نفهم أنك سواء كنت تمتلك القدرة على التوقف أم لا فهذا لا يحدد مدى جودتك كلاعب، الدليل على ذلك أن كيفين دي بروين أفضل لاعبي البريميرليغ لا يمتلك تلك القدرة، لكن لا أحد يختلف على مدى جودته أثناء امتلاك الكرة، كذلك الحال بالنسبة لفيل فودين، لذا فإن جودة الأخير أو دي بروين في منتصف الميدان ليست محل شك، لكن ما يقدمه كلاهما مختلف كثيراً عما كان يقدمه ديفيد سيلفا.
لماذا يحب غوارديولا غوندوغان؟
المسألة الرئيسية هي التحكم في إيقاع اللعب، أفضل مستوى قدمه مانشستر سيتي عندما كان يدافع بالتمريرات والاستحواذ، كان بذلك يحد من الهجمات المرتدة للخصم، لأنه إذا كانت حركة التمرير سريعة، ومع التمرير بلمسة واحدة، فعندما يستعيد الخصم الكرة لن يكونوا في مناطق الهجوم.
من السمات الرئيسية للاعبي خط الوسط أمثال سيلفا وغوندوغان أنهم يفعلون كل شيء بسرعة كبيرة، بلمسة واحدة غالباً (على عكس فيل فودين).
إذا نظرت مرة أخرى إلى أداء غندوغان فسترى أنه يفعل بالضبط ما يريده غوارديولا؛ نقل الكرة بسرعة مذهلة، والخروج من الضغط وضبط الإيقاع. (هذه هي الإجابة الرئيسية عن سؤال لماذا يحب غوارديولا غوندوغان).
أظهرت مباراة ليدز أن السيتي قام بالفعل بـ23 تسديدة، أي ضعف ما سدد ليدز يونايتد (ومع ذلك تفوق عليهم ليدز في التسديدات على المرمى ومعدل الـ xG). إحصائية كهذه تظهر أن مانشستر سيتي لم يعد قادراً على تحريك خصومه بالتمريرات، فأصبح ينساق للتسديدات عن بعد، باستخدام الأجنحة العكسية ومهاراتهم الفردية لخلق المساحات.
لذلك السؤال الذي يدور في آفاق ملعب الاتحاد: كيف سيعوض بيب غوارديولا الراحل عن الفريق ديفيد سيلفا؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.