هكذا يتم استغلالك واستغفالك.. ما وراء فيديو الراقصة البرازيلية في مصر

عدد القراءات
8,779
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/21 الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/21 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
الراقصة البرازيلية لورديانة / سوشيال ميديا


بعد سنوات طويلة من تواجدنا على السوشيال ميديا والمشاركة في التريندات، من المفترض أن تكون هذه الأعوام أمدتنا بالخبرة الكافية وتمكنا من خلالها تكوين فكرة عامة عن طريقة إدارة وإظهار التريند بشكل أعمق وأكثر خبرة، بدلاً من مجرد المشاركة والكتابة عما يتحدث عنه الناس وما يتداولونه، بدون وعي سابق بما نصنعه وما نتشارك في إظهاره وتسليط الضوء عليه.


على مدار العشر سنوات الماضية التي قضيناها من حياتنا على الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، من الفيسبوك وحتى الإنستغرام والتيك توك، تكرر كثيراً انتشار فيديوهات لنساء أوروبيات كن مغمورات عاديات، لكن بمجرد وصولهن إلى مصر لقين شهرة كبيرة بسبب فيديو يرقصن فيه على أنغام أغنية مشهورة، كجوهرة وركسانا وأليكسا وغيرهن من الأوربيات اللاتي سطع نجمهن في مصر بسبب الرقص الشرقي.

لو سألتك عن أسماء الصفحات التي كانت تنشر وتروج لفيديوهات هؤلاء الراقصات الأوروبيات فهل تستطيع التذكر؟ بالتأكيد لا.

فأثناء تصفحك السريع وقيامك بالسكرول داون المعتاد على صفحتك، ظهر لك الفيديو في صفحة عليها الملايين من المتابعين ولها أسماء مكررة مثل احتواء ونوستالجيا وغيرهما، صفحات يُنفق عليها الكثير من الأموال وتنشئ خصيصاً لتكون واجهة إعلانية لظهور شبيهات الراقصات اللاتي ذكرتهن في الأعلى والتي كان آخرهن فيديو الراقصة البرازيلية الذي احتل التريند في مصر بالأيام الماضية.

تنشر الصفحات هذه الفيديوهات وغيرها كنوع من الدعاية مقابل مبالغ مالية تُدفع من قبل الشركات التي تمتلك هذه الصفحات، أو من قبل الأماكن التي تُصور فيها هذه الفيديوهات.
نعم.. أنت مجرد إنسان مستهلك ورقم على ورق مثلك مثل الأموال التي يكسبونها، مجرد رقم يتم يقومون باستخدامه في عملهم، وأؤكد لك أن أغلب الفيديوهات التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وتتصدر التريند بشكل مفاجئ لا تحدث بالصدفة أبداً.
على سبيل المثال فيديوهات الأفراح والعرائس داخل الكوافيرات التي تتحول فجأة إلى تريند وتنتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر في حقيقته ليس مجرد لحظة عفوية وطبيعية، إنما كان بتخطيط مسبق وإعلانات مدفوعة الأجر، وموظفين يعملون لأجل ذلك ويقبضون رواتبهم من المحل والكوافير الظاهر في الفيديو.

وعلى هذا الكلام قس الفيديو الأخير للراقصة البرازيلية الذي تحول إلى تريند على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بالتأكيد فيديو كهذا ونشره لم يكن مجرد صدفة، خاصة عندما تسمع أن الكوافير الذي ظهرت فيه الراقصة لاقى ازدحاماً شديداً وتوافداً غير مسبوق طيلة الأيام الماضية، وعندما تشاهد بعد مدة بسيطة تحول "لورديانة" البرازيلية إلى واحدة من أشهر وأغنى الراقصات في جمهورية مصر العربية ولتلحق بمثيلاتها الأوربيات "جوهرة، ركسانا…"، وتجدر الإشارة إلى أن هذا لم يكن الفيديو الأول للفتاة البرازيلية بل ظهرت مسبقاً في فيديوهات أخرى لكنها لم تلق نفس الرواج والانتشار الذي لاقاه الفيديو الأخير، والتي لم تكن صدفة بالمرة.

دعني أخبرك أنك حالياً أصبحت جزءاً من ترس الرأسمالية أو المال الذي يحكم، فهناك جهات توجهك لتحب وتشاهد ما يريدونه هم، والأمر لا يتعلق بموهبة حقيقية وإنما بسبب أموال تملكها ويريدونك أن تدفعها لهم.

إنه مشروع مثل أي مشروع تجاري تُنفق عليه أموال دعائية وتوضع له خطة تسويقية ناجحة معتمدة على خبرة سابقة للترويج وقائمة على دراسة السوق نفسه، وعلى المستهلك الذي يبدو في شكل فتاة مراهقة تشارك فيديو الراقصة لأنها تود أن ترقص مثلها، أو شاب يود الزواج من راقصة مثلها لكن ظروفه الحياتية والاقتصادية تمنعه من ذلك.. إلخ، كل هؤلاء الأشخاص يتم استهدافهم وترجمتهم على الورق إلى أرقام وفقط.


والمسألة ليست في فيديوهات الرقص فقط، بل قس على ذلك كل شخص وكل فيديو لم يكن يستحق الضجة التي افتُعلت حوله والشهرة التي حققها كالفيديوهات السخيفة التي تنتشر بشكل كبير لشيخ يتحدث بطريقة مبتذلة، وآخر لعروسين في زفافهما والعروسة ترقص بطريقة غريبة هلامية، وآخر لفتاة كل معرفتها باللغة الإنجليزية هي دورة تدريبية وتجدها تتحدث بلكنة عربية "مكسرة" وكأنها أجنبية، وزوجين يصوران أدق تفاصيل حياتهما الشخصية، ويعرضان حياة أولادهما للخطر، وآخرين يحولون برج خليفة إلى سونار يكشفون به جنس مولودهم… والأمثلة كثيرة لا نهاية لها. وفجأة يتحول كل هؤلاء السخفاء إلى مشاهير و"مؤثرين" يجنون الأموال ويفتتحون المطاعم والمقاهي والمحلات، وهنا نتحول نحن بالنسبة لهم إلى مجرد بيزنس ومكاسب وثروات يصنعونها،

لقد باتت هذه الظاهرة سخيفة وقذرة لأبعد الحدود، وبات تكرراها مملاً جداً، فلم تعد هناك ميزة تستحق الشهرة أكثر من الملابس الأنيقة وهز الجسم والوسط، واستعراض تفاصيل الحياة داخل البيوت وغرف النوم واقتحام خصوصية الأطفال، وبات واضحاً أن هذه الفيديوهات لم تعد مجرد مشاركة محتوى على السوشيال إنما صُنعت وصُورت للانتشار وحصد اللايكات والمشاهدات وجني الأرباح وتكوين الثروات، مسألة قد تبدو ناجحة اقتصادياً لكنها خالية من أي روح للأسف.

شاهد كل مدة فيديو لمشاهير سخفاء ذي محتوى مبتذل، واستمتع بتوجيههم لك وإدارتك بطريقة تفيد مصالحهم المالية، شاهد وأنت تظن أنه ذوقك واختياراتك وأنك تملك حرية قراراتك، لكن تذكر جيداً أن الدعاية حصار، والحصار عاجلاً أم آجلاً سيقنعك بأن هذا المنتج وهذا المحتوى هو الأفضل، وأن هذا ما تحبه وفجأة ستجد نفسك تسير خلف هذا المنتج المبتذل دون غيره، وستعجب به في آخر المطاف لتأتي اللحظة التي تدفع فيها من أموالك في مناسبة أو دعاية لتشاهد ما تحب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أمير
كاتب مصري
تحميل المزيد