بـ4 وسائل.. كيف تربي ابناً لا يدمن السوشيال ميديا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/21 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/09 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش

في عصر أصبح فيه شراء اللعب وارتداء الملابس وتناول الحلوى محتوى يتاهفت عليه آلاف بل ملايين المتابعين، ظهر خطر جديد على أبنائنا يُهدد سلامة صحتهم النفسية والعقلية، بل والجسدية أيضاً.

ليس من الغريب الآن أن تجد قناة أو صفحة بطلتها طفلة صغيرة في عمر العشر سنوات تصنع محتوى، وتندرج تحت ما يسمى بالـinfluencer.

نجدها تلفّ متاجر الألعاب، وتصوّر لنا رحلتها في اختيار اللعبة، ثم العودة للمنزل لفتح تلك اللعبة، ثم مرحلة اللعب باللعبة نفسها.

ونجد مئات الآلاف من المشاهدات على ذلك المحتوى.

 ظاهرة الـinfluencers أو صنّاع المحتوى ليست محض صدفة، ولم تنشأ من العدم.

ظهرت لنا مقدماتها في العقد الأخير مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المختلفة للسوشيال ميديا بشكل مبالغ فيه. وفي السنوات الأخيرة شهد استعمال السوشيال ميديا تزايداً مرتفعاً جداً من قبل كل الأعمار.

أتعرفون ذلك الزر الأحمر الذي يضيء مع كل ضغطة إعجاب أو تعليق تحصل عليه من أحدهم، وتزداد الأرقام عليه في انتظارك لتفتحها!

ذلك الزر الذي يتحول بمرور الوقت لإدمان لا يستطيع صاحبه مقاومته. فيجد نفسه كلما شعر بضيق أو ملل يتناول هاتفه بسرعة ليشعر بلذة إضاءة الزر الأحمر.

 السر في الإقبال الشديد على استعمال السوشيال ميديا، ليس في المحتوى الذي تقدمه، ولا المعلومات التي يحصل عليها المتابع. وإنما في اللذة النفسية التي يحصل عليها نتيجة تصفح المنصات المختلفة.

تارة يكتب تعليقاً فيشعر أن له رأياً وأنه شخص مؤثر.

وتارة يشارك منشوراً يراه هاماً أو حتى مُضحكاً، فيستشعر أهميته ومشاركاته ودوره في المجتمع المحيط به.

وتارة ينشر رأياً له أو صورة شخصية وينتظر بلهفة التعليقات والإعجابات التي تغذي عنده الشعور بالحب والقبول والرغبة.

السر يكمن في الاحتياجات النفسية لدى الإنسان بشكل عام، والتي تلعب السوشيال ميديا على تغذيتها ولو بشكل سطحي وهمي حتى تجذب الأشخاص أكبر قدر ممكن من الوقت لاستخدامها.

والأطفال ليسوا بمنأى عن هذا كله. الطفل هو إنسان لديه احتياجات نفسية ورغبات يسعى لإشباعها.

ومن الاحتياجات النفسية التي يبحث عنها الطفل أن يكون مرئياً مسموعاً، والرؤية والسمع هنا ليستا الحاستين الماديتين المعروفتين، ولكنهما رؤية وسمع نفسيان.

يحتاج الطفل أن تتم رؤيته نفسياً، أن يتم رؤية رغباته، أن يستمع أحد لمشاعره ومشكلاته مهما بدت صغيرة وبسيطة في عالم الكبار. بالونته المفضلة التي ثُقِبت هي مشكلة كبيرة بالنسبة له، وسببت له ألماً شديداً. صديقتها التي أخرجت لها لسانها في محاولة لغيظها جرحتها جرحاً كبيراً تحتاج معه الطفلة لحضن واستماع وقبول لتلك المشكلة بدون إصدار أحكام عليها.

نسميها في علم النفس (الشوفان)، ألا يكون الطفل مجرد مشروع يستثمر فيه الأب والأم مجهودهما ليحققا أحلامهما ويثبتان أنهما ذوا كفاءة في التربية.

الحاجة للنجاح والإنجاز:

إن لم يجد الطفل مجالاً يحقق فيه لنفسه النجاح ويشعر بالإنجاز فسيبذل قصارى جهده في اتجاهات أخرى ضارة ليبرع فيها. فهو يحاول أيضاً إشباع احتياجه للنجاح والتميز، إن لم يكن فيما يفيد وينفع سيحققه فيما يضر وما ليس له قيمة.

ومن هنا تظهر مشكلة ألعاب الفيديو جيمز وإدمانها من قبل الأطفال. هم عطشى للنجاح والتفوق والتميز، عطشى للشعور بالإنجاز والكفاءة وهم يرتقون من "ليفل" لآخر داخل اللعبة.

الدوبامين والشعور بالسعادة:

يدخل مستخدم السوشيال ميديا لأي منصة يتصفحها، وعينه معلقة على زر التنبيهات المضيء بالأحمر، فهذا الزر يحقق له السعادة.

يتمثل الأمر في أن ضغطات الإعجاب على الصور والمنشورات، والتعليقات التي تُكتب تحتها تعمل على تنشيط مركز المكافآت في مخ الإنسان بشكل عام والطفل بشكل خاص Reward Centre. ويقوم هذا الجزء بإفراز هرمون الدوبامين الذي يسبب مشاعر السعادة والبهجة بشكل سريع.

وهذا أحد المحاور الأساسية التي تلعب عليها منصات التواصل الاجتماعي لاستقطاب المستخدمين وبقائهم أكبر وقت ممكن عليها.

والمشكلة هنا أن المخ مع الوقت يقتنع أن هذه هي الطريقة الوحيدة للشعور بالسعادة. ويتوقف عن البحث عن بدائل أخرى صحية وأنشطة ومهام تشعره بالسعادة والبهجة في حياته.

ولا يخفى عن الكثير نتائج الأبحاث والدراسات التي أثبتت وجود ارتباط وثيق بين استخدام السوشيال ميديا وبين الإصابة بالأمراض والاضطرابات النفسية مثل القلق النفسي والاكتئاب. وأيضاً تدني مستوى المهارات العقلية مثل مهارات التفكير التحليلي والمنطقي، ومهارات حل المشكلات والتخطيط والتنظيم، مع كثرة استخدام السوشيال ميديا. بجانب ضعف المهارات الاجتماعية والإصابة بالعزلة الاجتماعية.

حسناً، كيف نحمي أطفالنا من خطر السوشيال ميديا؟

استخدام السوشيال ميديا يتحول بالوقت لإدمان. وأصبح مصنفاً كأحد أنواع الإدمان المرضي علمياً.

لكن الخبر الجميل أنه يمكن جداً التغلب عليه ومعالجته ببعض الممارسات السلوكية.

مثل ما يلي:

1- تقنين وقت استخدام الشاشات.

لا نقول هنا بمنعها تماماً، ولكن تقنينها ضروري وحتمي لصحة الطفل النفسية والعقلية والجسدية أيضاً.

وقد أتاحت لنا التكنولوجيا الحديثة الكثير من وسائل حماية الآباء لأطفالهم على الإنترنت والشاشات. ويوجد تطبيقات وبرامج كثيرة تسمح للآباء بغلق الأجهزة بعد وقت محدد متفق عليه مع الطفل.

وغلق عناوين بعض المواقع بعينها، والتي يرى فيها الأب/ الأم خطراً على طفلهما. فلا يستطيع فتح تلك المواقع من الأساس على جهازه.

2- شغل وقت الطفل بشكل منظم.

الفراغ شيء قاتل مضر، ويدفع صاحبه في كثير من الأحيان لارتكاب الحماقات. ما بالك إذا كان صاحبه هذا مازال طفلاً لم ينضج بعد!

من المهم أن يخطط الآباء مع أطفالهم مجموعة من الأنشطة المتنوعة لشغل أيام الأسبوع بالكامل.

وأن تكون تلك الأنشطة منوّعة ومختلفة المجالات، بعضها رياضي وبعضها فني وبعضها ترفيهي.

جزء من تلك الأنشطة مشترك بين الطفل وأحد أبويه، ليتحقق إشباع احتياج الرؤية والسمع النفسي (الشوفان). وأجزاء أخرى يفعلها الطفل بمفرده.

أنشطة لها أهداف يصل إليها ويحققها، ويرتقي فيها من مستوى لمستوى أعلى، فتتحقق لديه مشاعر النجاح والإنجاز.

3- توعية الطفل بخطورة الأمر.

 إدارة الآباء لاستخدام أطفالهم السوشيال ميديا لا تكفي، فهذا الطفل يكبر ويحتاج مع الوقت لمزيد من الاستقلالية وإدارة شؤون حياته بنفسه.

فيجب على الآباء من سن صغيرة أن يعملوا على توعية أطفالهم بمخاطر استخدام السوشيال ميديا.

والتوعية هنا لا تعني إخبارهم بالأمر مرة أو اثنتين وكفى، ولا تعني أيضاً إجلاس الأطفال وإلقاء المحاضرات التثقيفية على مسامعهم. ولكن التوعية الصحية هي التي تتم مراراً وتكراراً، بأشكال وفي أوقات مختلفة، وأيضاً بصيغ وطرق مختلفة، مرة يتحدث الأب والأم معاً عن الموضوع أمام الطفل.

ومرة يتحدثان مباشرة للطفل عن مخاطر ومساوئ السوشيال ميديا، مرة يعرضان عليه قصة توضح أضرار سوء الاستخدام، ومرة يشاهدون معاً فيديو تثقيفياً مخصصاً للأطفال عن ذلك الموضوع.

التوعية هي خط دفاع يبنيه الآباء داخل الطفل يساعده على مقاومة إغراء تلك الاستخدامات.

4- وأخيراً مجتمع داعم.

 لا يمكن أبداً أن أربي طفلاً لا يدمن السوشيال ميديا، بينما أنا لا أترك الهاتف من يدي أو لا أرفع عيني من على شاشة اللاب توب.

يجب أن يرى الطفل في أبويه أنهما يقضيان وقتاً بعيداً عن استخدام تلك المنصات، كيف يجدان أنشطة أخرى ممتعة في حياتهما ويستطيعان قضاء أوقات بعيداً عن تلك الشاشات.

وإذا أمكن أيضاً أن يوسّع الآباء تلك الدائرة المجتمعية، لتشمل بعض الأصدقاء أو الأقارب الذين يؤمنون بنفس الفكر ويريدون حماية أبنائهم من مخاطر السوشيال ميديا، فسيكون ذلك أكثر قوة وتثبيتاً للطفل.

الوقاية خير من العلاج

وفي النهاية نقول دائماً إن الوقاية خير من العلاج. فلا تنتظر حتى يدمن ابنك/ بنتك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ثم تبدأ في العلاج. اتبع تلك الخطة السابقة لحمايته من هذا الخطر. لا تدع له فرصة للوقوع فيه والإصابة بأضراره.

وإن كان بالفعل بدأ ذلك الطريق فلا بأس. تلك الخطوات السابقة كفيلة بعلاجه منها.

فقط تحلى بالحزم والثبات في تنفيذها جميعها، مع التحلي باللطف واللين في التعامل مع هذا الطفل الذي يتعرض لضغط مجتمعي عليه أن يقاومه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

يسرا القارح
مدربة صحة نفسية ومدربة أسرية
مدربة صحة نفسية ومدربة أسرية
تحميل المزيد