“الرهانات الصعبة”: الأردن والانتخابات الأمريكية

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/20 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/20 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
ملك الأردن، الملك عبدالله الثاني/ رويترز

يترقب المسؤولون الأردنيون باهتمام شديد الانتخابات الأمريكية بداية الشهر القادم (نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، وقد تكون من أكثر الانتخابات الرئاسية أهمية بالنسبة للأردن، مقارنة بعقدين سابقين، إذ من الواضح أنّها ستكون بمثابة "مفترق طرق" ليس في علاقة الأردن بالولايات المتحدة، فهي بالنسبة لعمّان مسألة استراتيجية محسومة، إنّما على خيارات الأردن ورهاناته لمرحلة ما بعد الانتخابات فيما إذا كان سيضطر لإحداث انعطاف كبير في مواقفه تجاه الملف الأبرز القضية الفلسطينية.

بالعودة إلى المرحلة الراهنة، عشية الانتخابات، فقد تصاعد في عمّان نقاش عاصف -بعد الاتفاقيات الإماراتية والبحرينية الإسرائيلية- عن خيارات الأردن الاستراتيجية في المرحلة القادمة، في كيفية التعامل مع هذه الفجوة المتنامية بينه وبين حلفائه؛ الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، وحتى الموقف المصري من الخطط الأمريكية، وفي كيفية التعايش مع الأزمة الواضحة بين السياسة الأمريكية نحو التسوية السلمية والقضية الفلسطينية، بداية من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مروراً بالخطة الأمريكية للسلام (صفقة القرن) وصولاً إلى اتفاقيات التطبيع العربية-الإسرائيلية.

عارض الأردن بشدة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصعّد الملك شخصياً خطابه محذّراً من خطورة ذلك، ما جعله في مواجهة دبلوماسية مع إدارة ترامب، كما لم يرحب الأردن بمبادرة صفقة القرن، ورفض ضغوط صهر الرئيس الأمريكي والممسك بالملف جاريد كوشنير لاتخاذ موقف مؤيد، كما فعلت أغلب الدول العربية، وأخيراً كان موقف الأردن –ما بين السطور- متحفّظاً على اتفاقيات التطبيع.

لا تقف نتائج المواقف الأردنية عند حدود الأزمة مع الحلفاء ولا عند مستوى العلاقة الشخصية بين الملك والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ لم يلتقيا منذ فترة طويلة، بل تصل (في النقاشات الداخلية الأردنية) إلى الحديث عن "الدور الجيو استراتيجي الأردني" في المنطقة، الذي مثّل تاريخياً أحد موارد القوة الأردنية، ومصدراً من مصادر الدعم الدولي والإقليمي، فيما يبدو اليوم الأردن منزوعاً من هذا "السلاح الاستراتيجي" بسبب أولاً السياسات الأمريكية والعلاقات العربية-الإسرائيلية، ما يعني تجاوز الأردن كوسيط أو لاعب مهم في السياسات الأميركية-الإسرائيلية في المنطقة، وثانياً بسبب تراجع أولويات المسألة الفلسطينية.

الأهم من ذلك أنّ المسارعة في "تصفية القضية الفلسطينية" توقظ هواجس أردنية دفينة بحل أمريكي-إسرائيلي للقضية الفلسطينية على حساب الأردن والأمن الوطني والسلم الداخلي، عبر ضغوط لتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين أردنياً، وربما في حال تفكك السلطة الفلسطينية محاولة رمي العبء على الدور الأردني في الضفة الغربية.

أمام هذه المعضلة في الحفاظ على المصالح الوطنية الأردنية مع الأصدقاء والحلفاء (أمريكا، الدول العربية الداعمة للأردن: السعودية والإمارات) من جهة ومخاطر سياسات الإدارة الأمريكية على الأردن والموقف الفلسطيني من جهة ثانية، حاول الأردن – خلال المرحلة الماضية- تجنب الانحياز لأحد الخيارين السابقين، باجتراح خيار ثالث كوسيط أو وسطي بين الطرف الأول والفلسطينيين.

حظيت السياسة الأردنية بتأييد شعبي كبير، وللمرة الأولى يكسر الأردن الدعاية الإعلامية العربية ويسجل موقفاً تاريخياً بمقاومته الإدارة الأميركية، وهو أمر من المعروف أنّه بقرار ملكي، فالسياسة الخارجية الأردنية تدار مباشرة من الملك، ودور وزير الخارجية (فيما تبدو الحكومة لاعباً ثانوياً) هو السير على الخط الملكي وتنفيذ هذه السياسات، وهو الدور الذي قدّمه ببراعة ملحوظة وبإخلاص شديد وزير الخارجية النشيط الحالي، أيمن الصفدي، في الدفاع عن المواقف الأردنية وفي بناء تحالفات وعلاقات مع الأوروبيين لعدم السير مع الخطوات الأميركية، بخاصة نقل السفارة إلى القدس وخطة السلام، كما وصل الصفدي إلى العلاقة مع الفلسطينيين إلى مرحلة متقدّمة في الثقة والتنسيق بما أضعف الشكوك التاريخية بين الطرفين (الأردني والفلسطيني).

لكن، في المقابل، يشنّ خصوم الصفدي -من سياسيين مقربين لدوائر القرار في عمّان- هجوماً شرساً عليه، في الجلسات المغلقة، ويرون أنّه كان من المفترض أن يكون أكثر "حكمة" في التعامل مع الأمريكيين، بخاصة جاريد كوشنير، الذي أصبح يفضل التواصل مع مسؤولين آخرين في الأردن ويلتف على وزير الخارجية،  وتوترت علاقة الصفدي مع الإسرائيليين، فيما لا تبدو الأمور –وفقاً لخصومه- في حال جيدة مع كل من السعودية والإمارات.

ثمّة نزوع واضح لتيار آخر في السياسات الأردنية بتدوير الزوايا الحادة في العلاقة مع الأمريكيين والإسرائيليين وكل من الإمارات والسعودية، وفي إعادة توجيه السياسة الحالية بما يخفف من الاندفاع مع الفلسطينيين، على حد تعبير بعضهم، وفي البحث عن المصالح الأردنية وسط هذه التحولات بصورة مختلفة.

ما سبق يضعنا في صلب الرؤى والرهانات الأردنية المتعلقة في الانتخابات الأمريكية؛ ففي حال فاز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فذلك يعني أنّ هنالك تداعيات كبيرة على السياسات الأردنية، وقد يؤدي ذلك –كما يرى خصوم الصفدي- إلى تغيير وزير الخارجية الحالي، وقدوم آخر لديه علاقات شخصية أو توجهات سياسية أكثر مرونة في التعامل مع الأمريكيين والإسرائيليين، وكان هذا السيناريو مطروحاً من البعض حتى في عملية تشكيل الحكومة الحالية قبل أيام، إلاّ أنّ توجيهات الملك كانت بإبقاء الوزير الصفدي، كي لا يفهم ذلك بوصفه تغيراً في السياسة الأردنية، وقد يكون الأمر برمته تأجل إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية.

كيف سيتعامل الأردن مع إدارة ترامب إذا نجح في الانتخابات؟!

الملمح الأول تحجيم السياسات والمواقف الأردنية التي تصاعدت ضد الرؤية الأميركية للتسوية السلمية وللتطبيع بين العرب وإسرائيل، أما الملمح الثاني فمراقبة ما يحدث على صعيد السلطة الفلسطينية، التي دخلت في صدام سياسي مع الإدارة الأمريكية وإسرائيل والدول العربية المطبعة، ما انعكس على مصير السلطة نفسها، بخاصة مع الأزمة المالية والصراعات في أوساط السياسيين الفلسطينيين، ومن الواضح أن السيناريو الأمريكي-الإسرائيلي سيتمثل بمزيد من الضغوط وربما تغيير القيادة الحالية، أو تقويض السلطة نفسها إن تطلب الأمر، وذلك كلّه سينعكس بالضرورة على المصالح الأمنية الأردنية، ويؤثر عميقاً في خيارات الأردن في المرحلة القادمة، فإمّا يغير مواقفه لقبول هذه التحولات، كما يدعو سياسيون في عمان، أو يشهد عزلة حقيقية إقليمية ودولية في ظل أزمة اقتصادية- مالية ومصاعب شديدة داخلية!

في المقابل إذا انتصر جو بايدين فإنّ ذلك يعني تجنب الكابوس السابق، وإن كان الجمهوريون تاريخياً أقرب للأردن من الديمقراطيين، بيد أنّ ترامب قلب كل تلك المعادلات، ومن الواضح أن بايدين ما يزال يتمسك بالحل التقليدي، حل الدولتين، ويعارض جزئياً الخطة الأمريكية للسلام، ويرفض الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، ويتمسك بضرورة الحوار مع الفلسطينيين، لكنه لن يتراجع عن خطوات حاسمة قام بها ترامب منها نقل السفارة إلى القدس، وكذلك اتفاقيات التطبيع العربية- الإسرائيلية.

بايدين سيعود إلى بعض سياسات أوباما ورؤيته الاستراتيجية في المنطقة (وأغلبها في المقال المعروف في مجلة الأتلانتيك بعنوان عقيدة أوباما)، في العلاقة مع إيران وفي الموقف من الحرب اليمنية، وربما الفتور مع السعودية، والأهم في التخفيف من التدخل الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.

مثل هذه السياسات ستخفف حجم الأعباء عن الأردن وتعطيه مساحة من الوقت والتفكير للتكيف مع بعض التحولات وبناء الجسور مع الإدارة الجديدة، لكنها لا تعني –في المقابل- أنّ رهان الأردن على "حل الدولتين" ما يزال قائماً، فمن الواضح أن الاتجاه اليميني المهيمن في إسرائيل والوقائع على الأرض تلغي هذا الرهان، ويبقى الأمر أردنياً معلّقاً على حلول أصبحت بعيدة المنال. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أبو رمان
وزير أردني سابق، ومتخصص في الفكر الإسلامي
وزير أردني سابق، ومتخصص في الفكر الإسلامي
تحميل المزيد