على الرغم من تبني الولايات المتحدة الأمريكية القيم الديمقراطية ودعمها للحكومات المدنية المنتخبة، إلا أن الموقف الرسمي الأمريكي إزاء الانقلاب العسكري في مصر يوم الثالث من يوليو/تموز 2013 يدل على "انتقائية" واشنطن للتجارب الديمقراطية. فقد عدت الولايات المتحدة أحداث 30 يونيو انتفاضة شعبية ضد الرئيس محمد مرسي، إذ جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، غاي كارني: "إن الرئيس مرسي لم يكن يحكم بطريقة ديمقراطية وإن ملايين المصريين خرجوا للشوارع والميادين مطالبين بعزله وهم يرون أن مساندة الجيش لهم لا تشكل انقلاباً".
سنحاول في هذا المقال استعراض الموقف الأمريكي من الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وعلاقة واشنطن مع الحكومة اللاحقة لحكم الرئيس مرسي، ودعمها للجيش المصري، والأسباب التي يعزى إليها دعم واشنطن الانقلاب على الرئيس مرسي.
دلالات الموقف الأمريكي من الانقلاب
على الرغم من إشادة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" بالعملية الديمقراطية في مصر عبر مكالمة هاتفية مع الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي قُبيل الانقلاب بيومين، إلا أن الموقف الرسمي الأمريكي "وقع" في حيرة من أمره، كون مصر تمثل عمقاً استراتيجياً للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. وبالتالي، فإن مصالحها وأهدافها تقتضي التصرف وفق "المصلحة القومية العليا" على حساب مبادئ العقيدة الأمريكية "الديمقراطية". فقد صورت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "جين باكي" الصورة الأوضح في الموقف الرسمي الأمريكي: "لم تكن حكومة مرسي تشكل حكماً ديمقراطياً، وخرج حوالي 22 مليون مصري للتعبير عن آرائهم وإظهار أن الديمقراطية ليست مجرد الفوز في صناديق الاقتراع". وعليه يتضح من التصريحات الرسمية الأمريكية بأن واشنطن رحبت بالتحول السياسي في مصر، وإسقاط حكومة مرسي، ذلك أن الموقف الأمريكي ينطلق من مبدأ رئيس في السياسة الخارجية الأمريكية، والذي يمثل "المصلحة القومية العليا للولايات المتحدة" وهذا ماثل في العقود التي تلت توقيع الرئيس المصري أنور السادات معاهدة السلام "كامب ديفيد" في مارس 1979 والاتجاه غرباً (فيما يتعلق بمصر).
الدعم الأمريكي للانقلاب
إن التزام الولايات المتحدة الصفة الرسمية إزاء ما حدث في مصر، يتنافى مع ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز "عن حملة ضغط شديدة لإقناع واشنطن بأن مرسي والإخوان المسلمين يشكلون خطراً على المصالح الأمريكية". وما يلفت الانتباه أن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري قد خاض نقاشاً داخل أروقة البيت الأبيض مجادلاً بأن ''الإطاحة بمرسي لم تكن انقلاباً، وأن الجنرال السيسي استجاب للشارع المصري''.
وقد صرح الفريق عبدالفتاح السيسي، الرئيس المصري الحالي، في حوار مع قناة CBC خلال ترشحه للرئاسة "إن الولايات المتحدة سعت لتأجيل استيلاء الجيش على السلطة من مرسي في 3 تموز الماضي". هذا فضلاً عن دعوة الحكومة الإسرائيلية الإدارة الأمريكية تطالبها بعدم المس بالمعونات الأمريكية المقدمة للجيش المصري، والمقدرة بـ1.3 مليار دولار، لأن في ذلك انعكاساً سلبياً على الأمن القومي الإسرائيلي.
ومن الأهمية بمكان الوقوف عند جملة من التوصيات التي قدمها بيان لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس باسم رئيسها الجمهوري "إد رويس" والعضو الديمقراطي "إليوت إنجل" في 5 يوليو/تموز 2013 حول الأوضاع في مصر:
- إخفاق جماعة الإخوان المسلمين في فهم الديمقراطية.
2. يجب على الجيش والحكومة الانتقالية الراهنة تبني التحول الديمقراطي عن طريق إشراك الشعب في كتابة الدستور.
3. إن ما حدث في مصر ليس انقلاباً وإنما تطور ديمقراطي.
إلى جانب ذلك، هناك فريق من المعارضين للانقلاب دعوا إلى وقف المساعدات العسكرية لمصر، لكن، أُجهض الطلب بعد رفض 86 عضواً من مجلس الشيوخ، في مقابل 13 صوتاً مؤيداً للقرار. وبناء على ذلك يتضح أن الولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما لم تكترث بالتجربة الديمقراطية، إذ إنها رأت في حكومة مرسي تهديداً في مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً مع تنامي الصعود الإسلامي في العالم العربي، والتقارب المصري التركي، والتوتر المصري مع إسرائيل.
الرهانات الأمريكية على الانقلاب العسكري
إن الموقف الأمريكي تجاه الانقلاب والمتمثل في دعم الحكومة اللاحقة، يعكس في الواقع أهمية الرهانات التي تعقدها الولايات المتحدة على ذلك الانقلاب، وسعيها إلى إعادة العلاقات المصرية الأمريكية إلى ما قبل ثورة 25 يناير 2011، والتي أضرت في مصالحها واستراتيجياتها بعد ثلاثة عقود من التحالف الوثيق. وفي هذا السياق يتعرض المقال لجملة من الرهانات:
- إذابة الجليد
شكلت الثورة المصرية عام 2011 مفصلاً تاريخياً في العالم العربي بعامة، والعلاقة مع الولايات المتحدة بخاصة؛ إذ رأت الإدارة الأمريكية في سقوط نظام حسني مبارك ضربة قاصمة في مستقبل العلاقات بين البلدين. وما زاد من تخوف واشنطن، هو تنامي دور الحركات الإسلامية، وتحديداً حركة الإخوان المسلمين، فمع وصول مرسي لسدة الحكم في مصر عام 2012، بدا واضحاً للبيت الأبيض أن مصر اليوم ليست كما الأمس، وخاصةً في الملفات الهامة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية (الأمن الإسرائيلي، والتحولات السياسية، والتحالفات الإقليمية، ومصادر الطاقة).
وعليه فقد اتسمت العلاقات بين البلدين في فترة حكم مرسي بالجمود والحذر، ففي سبتمبر 2012، صرح الرئيس الأمريكي السابق أوباما بعد أحداث السفارة الأمريكية في القاهرة على خلفية قضية الفيلم المسيء للإسلام: "الحكومة المصرية الحالية ليست حليفاً ولا عدواً للولايات المتحدة". وبالتالي، فإن تلك التصريحات، إشارة واضحة لتقهقر العلاقات بين البلدين. أما مرسي وأوباما فإن المحادثات بينهما كانت تتم عبر المكالمات الهاتفية، بمعنى أنهما لم يلتقيا طيلة فترة حكم مرسي. إذ يعزى أهم أسباب ذلك، في خيبة أمل واشنطن بموقف مرسي من إسرائيل. والذي تجلى في موقفه التاريخي إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منتصف نوفمبر 2012؛ إذ دعا مرسي "تل أبيب" لوقف العدوان فوراً، وأرسل رئيس حكومته هشام قنديل إلى قطاع غزة. وبالتالي، لاحت في الأفق أزمة سياسية بين القاهرة وتل أبيب، استدعت تدخل الرئيس الأمريكي أوباما وسيطاً لحل الأزمة، عبر المكالمات الهاتفية المكثفة مع نتنياهو ومرسي.
فمع عزل الرئيس مرسي اتضحت الصورة لدى البيت الأبيض بأن "الرعب" الأمريكي من خسارة الشراكة الاستراتيجية مع الدولة المصرية قد اندثر. ومن هنا، تصاعدت القرارات والاجتماعات في مراكز صنع القرار (الكونغرس، والبيت الأبيض، والبنتاغون) متجنبةً الخوض في المسائل التي تلت الانقلاب (حقوق الإنسان، وفض الاعتصامات) مع بعض التحفظات هنا وهناك. ولعل استمرار تدفق المعونات العسكرية الأمريكية للجيش المصري، ينسف إدانة واشنطن الإعلامية لمجزرة رابعة العدوية في أغسطس/آب 2013.
- ضبط التحولات السياسية في المنطقة العربية
أدركت الولايات المتحدة من خلال دعمها وتأييدها الضمني؛ بأن الانقلاب في مصر سيكبح جماح أي محاولات عربية ديمقراطية لإقامة تحالفات وتوازنات إقليمية تقوض سياساتها في العالم العربي، وتهدد شركاءها الخليجيين من موجة ثورية تسقط العائلات الحاكمة، وبالتالي تهديد تدفق مسار النفط، لاسيما مع تقديم بعض الدول الخليجية 12 مليار دولار لمصر بعد الانقلاب مباشرة، ودعم محور "الاعتدال العربي" والذي يضم جل الدول الخليجية. ومن هنا تنامت ظاهرة "الثورات المضادة" بدعم وتمويل خليجي، أجهضت بعض التجارب الديمقراطية، كما مصر وتونس وليبيا.
- تقويض دور الإسلام السياسي
لطالما شكلت "الفواعل الإسلامية" في منطقة الشرق الأوسط، خطراً وهاجساً مرعباً للولايات المتحدة؛ وخاصةً مع انهيار المنظومة الاشتراكية عام 1991 وتنامي دور الحركات الإسلامية المندفعة لحماية ونشر التعاليم والقيم الإسلامية، تزامناً مع ظاهرة "الصحوة الإسلامية" وانتصار "المجاهدين الأفغان" في طرد القوات السوفييتية من كابل بمساندة واشنطن، لمنع التمدد الشيوعي. لكن وبعد انتهاء الحرب بدا واضحاً للولايات المتحدة، بأن الخطر القادم يتمثل في الفواعل الإسلامية كافة، سواء المتطرفة كالقاعدة أو الوسطية ذات الشعبية الجماهيرية العريضة والمتشبعة فكرياً. فمع أحداث 11 سبتمبر 2001 استغلت واشنطن الفرصة لتمرير أهدافها في مبدأ جورج بوش "الحرب على الإرهاب".
وقد عانت جماعة الإخوان المسلمين جراء الحرب الشرسة ضد الجماعات الإسلامية، وباتت الأنظمة العربية ترى فيها عدواً وخصماً بإيعاز من الولايات المتحدة، رغم ذلك بقيت "الحركات الإسلامية الوسطية" تتصرف ببراغماتية وصلت في بعضها إلى تبني الديمقراطية الغربية والتعددية الحزبية في محاولة عرقلة أية محاولة أمريكية من شن حملة ضدها، مستفيدة من ذلك بالجماهيرية الشعبية الواسعة والمتزايدة، والإقصاء السياسي العربي الذي منيت به ما قبل الربيع العربي، والذي مهد الطريق أمامها للوصول للحكم بالطرق الديمقراطية. ولاحقاً "الحرب الشرسة" التي تعرضت لها في سياق مكافحة "الإرهاب والتطرف".
- الأزمة السورية والتقارب التركي المصري
لم يتضح بعد موقف واشنطن الصريح فيما يتعلق بالأزمة السورية والثورة عموماً، ففي بداية الاحتجاجات، طالب أوباما بشار الأسد بالرحيل، ثم تراجع بالاكتفاء بمطالبة دمشق بإصلاحات اقتصادية وسياسية، وفي بعض الأحيان تحالفت واشنطن ودمشق لمحاربة "الإرهاب" ضمن التحالف الدولي. وبالتالي، فإن من مصلحة واشنطن تأزيم الحل السياسي في سوريا، لأن في ذلك تهديداً مباشراً على "الدولة العبرية" في حال وصول نظام ديمقراطي إسلامي ربما يشكل طوقاً حول "إسرائيل" مع مصر. وعليه، ومع اشتداد الحرب السورية عام 2012 و2013 بدا واضحاً أن المعارضة السورية أحرزت انتصارات، متقدمةً نحو العاصمة، قُبيل التدخل الروسي والإيراني المباشر. والأهم من ذلك، دعم الرئيس مرسي لـ"الثورة السورية" وإغلاق سفارة النظام السوري بالقاهرة قُبيل الانقلاب بأسبوعين. فلو استمر مرسي في الحكم، لكانت سوريا قد شهدت توازنات وتحالفات تفضي إلى تحولات تزيح الأسد، أو تضمن مشاركة المعارضة في الحكم.
من جانب آخر، كانت العلاقات والتقاربات التركية المصرية سبباً هاماً لدعم الولايات المتحدة الانقلاب، ويتضح ذلك في الصعود التركي في المنطقة؛ وخاصةً أن تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة آنذاك رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الحالي، تحفظت على العديد من السياسات الأمريكية في المنطقة، كان أولها رفض البرلمان التركي ذي الأغلبية الإسلامية انتشار القوات الأمريكية في الأراضي التركية لغزو العراق عام 2003، ثم دعم أردوغان للحكومات المنتخبة وليدة الربيع العربي عبر الاستثمارات الاقتصادية ودعم التنمية، وتوتر العلاقات التركية الإسرائيلية على إثر حادثة "مرمرة" عام 2010، والأهم من ذلك الدعم التركي لمصر عام 2012 بتوقيع 27 اتفاقية تعاون واستثمارات بقيمة 5 مليارات دولار، وتماثل السياسات التركية مع حكومة مرسي فيما يتعلق بالمسألة السورية بدعم "فصائل ثورية"، واحتضان قيادة حركة حماس. فبات واضحاً أن التقارب المصري التركي ذو الثقل العسكري والاقتصادي المهم ينذر بتحولات جذرية في طبيعة العلاقة مع الغرب عموماً، ومع طريقة تعاطيها بالأزمات والصراعات في المنطقة العربية.
- الحفاظ على العلاقة مع الجيش المصري
إلى جانب الأهمية الاستراتيجية والسياسية المصرية في المنطقة العربية، والتي من خلالها ترتكز الولايات المتحدة على دور القاهرة في حفظ التوازن العربي والإقليمي، وخاصةً بعد توقيع "كامب ديفيد" عام 1979؛ فإن واشنطن استفادت من القوة العسكرية المصرية في الأزمات والحروب التي شنتها الولايات المتحدة، ففي العام 1991 شاركت مصر ضمن التحالف الدولي "عاصفة الصحراء" لإخراج العراق من الكويت، بحوالي 34 ألف جندي، إلى جانب دور مصر الدبلوماسي والسياسي أثناء الأزمة.
قدمت الولايات المتحدة منذ عام 1948 وحتى العام 2015 مساعدات عسكرية تقدر بـ76 مليار دولار. فضلاً عن الدعم السنوي والمقدر بـ1.3مليار دولار منذ عام 1978، لذلك فإن مصر إلى جانب إسرائيل من أكثر دول المنطقة التي تتسلم المساعدات العسكرية الأمريكية.
وفي حين كانت قوات تابعة للجيش المصري تفُض بالقوة اعتصام رابعة العدوية السلمي في أغسطس/آب 2013، عقدت شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية مع المقاتلات الجوية المصرية صفقة بقيمة 14 مليون دولار، في إطار سماح وعلم القوات الجوية الأمريكية. فقد بدا واضحاً أن الولايات المتحدة كانت "شريكاً" بطريقة غير مباشرة في فض الاعتصامات السلمية في مصر، من خلال سماحها بعقد صفقات أمريكية مع الجيش المصري، رغم بعض التصريحات الإعلامية "المناوئة" للمجازر بحق المعتصمين.
- إعادة السياسة الخارجية المصرية للمسار الأمريكي
أثار فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية المصرية منتصف العام 2012، عدة أسئلة ونقاشات مضنية داخل أروقة البيت الأبيض حول مستقبل العلاقات بين البلدين. والأهم من ذلك، السياسة الخارجية الجديدة للدولة المصرية، وإمكانية تقاربها مع دول منافسة للولايات المتحدة، وصاعدة في آن واحد، كروسيا والصين. وبالفعل، فإن الرئيس مرسي لم يستهل زيارته الأولى للولايات المتحدة أو أوروبا؛ وإنما قصد في البداية زيارة المملكة العربية السعودية، في رسالة واضحة بالنأي بالنفس عن سياسة المحاور والتكتلات الإقليمية، والتزام مصر بالعمل العربي المشترك، وأن مصر تمد يدها للجميع. ففي الشهر نفسه من زيارة الرياض، زار مرسي إيران بعد قطيعة دامت 33 عاماً ليؤكد في قمة عدم الانحياز ما سبق ذكره. إضافةً لإرسال رسائل لطهران فيما يتعلق بالأزمة السورية، وتبني الحلول السلمية والسياسية لوقف الحرب.
أما الموقف من الولايات المتحدة، فقد وجّهت الإدارة المصرية برقيات تتضمن حفاظ مصر على العلاقة مع الولايات المتحدة، دون تبعية أو إملاء أمريكي. إذ أراد مرسي تطبيع العلاقات مع جل الدول (عدا إسرائيل) قاصداً بذلك تطوير القطاعات الاستثمارية والتجارية وإرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن مصر في ظل حكمه المدني الناشئ عن تجربة ديمقراطية، منفتحة على جميع الأطراف.
أما على المستوى الدولي، فقد توجه مرسي للصين بقصد توقيع اتفاقيات تعاونية واقتصادية في زيادة الاستثمارات الصينية في مصر والاستفادة من الخبرات الصينية. أما في مجال الطاقة فقد مثّلت زيارة مرسي للهند، توقيع خمس اتفاقيات تهدف لتعزيز التعاون في مجالي الطاقة والتكنولوجيا؛ خاصةً أن الهند تحتل موقعاً عالمياً مميزاً في مجال التقنية والبرمجة.
سعى مرسي إلى إحداث نوع من التوازن في الميزان التجاري بين روسيا ومصر، وذلك بتعزيز زيادة الصادرات المصرية لروسيا؛ تجلى ذلك في المباحثات الثنائية بين الرئيس بوتين ومرسي خلال زيارة الأخير لروسيا في إبريل/نيسان 2013.
وفي سياق الحديث عن الزيارات الرسمية، فإن مرسي زار أثناء فترة رئاسته دولاً عظمى كروسيا والصين والهند وألمانيا، ودولاً إقليمية كإيران وتركيا والسعودية والبرازيل، لكنه لم يزر الولايات المتحدة.
إجمالاً، يمكن القول إن السياسة الخارجية المصرية في ظل حكم مرسي شهدت "انتعاشة" في علاقة مصر بالدول الكبرى (روسيا، والصين، والهند). وبالتالي، أثارت تلك التحركات حفيظة واشنطن والتي رأت في ذلك "استغناء" عن مساعداتها ودعمها، وتهديداً لمصالحها في الشرق الأوسط.
دلالات نجاح الرهان الأمريكي
يمكن القول إن الرهانات الأمريكية على الانقلاب قد نجحت مع تولي الجنرال السيسي رئاسة الجمهورية المصرية في إبريل/نيسان 2014؛ إذ إنه أعاد العلاقات مع الولايات المتحدة كما كانت عليه قبل ثورة يناير 2011، بتجديد الشراكة الاستراتيجية. اقتصادياً، تعمقت الشراكة المصرية مع واشنطن في قطاع الاستثمار والذي شكل ثُلث الاستثمارات الأمريكية في مصر؛ إذ تعد الولايات المتحدة أكبر المستثمرين في قطاع النفط بحوالي 12 مليار دولار.
ثم تماثُل السياسة الخارجية المصرية مع نظيرتها الأمريكية في المنطقة العربية، والأهم من ذلك حرص السيسي على توثيق العلاقة مع "تل أبيب" سياسياً وأمنياً.
ومن الجانب الاقتصادي، بدأت "إسرائيل" بتصدير الغاز الطبيعي لمصر بموجب اتفاقية وقعت بين الجانبين في يناير 2020، وعليه وصفت الخارجية الإسرائيلية بأن تصدير الغاز "يوم تاريخي".
ومع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، تجلت العلاقات الأمريكية المصرية، بتأييد السيسي خطة ترامب فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إبريل/نيسان 2017.
أما على المستوى الداخلي، أعلن السيسي جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية محظورة"، بدءاً من فض الاعتصامات السلمية، ومروراً باعتقال جُل أعضاء الحركة، ووصولاً لدعوة السيسي واشنطن بتصنيف الإخوان المسلمين "حركة إرهابية"، عدا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية ومسألة حقوق الإنسان وملاحقة المعارضة على اختلافاتها.
لقد دعمت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري في مصر على الحكومة المنتخبة برئاسة مرسي رغم خطابها الديمقراطي وتكرارها المفرط بدعوة النظم العربية بإجراء انتخابات، إلا أن الانقلاب في مصر كشف زيف الدعاية الأمريكية وقيمها الليبرالية والحرية تجاه الشعوب الأخرى، والتعدي على رغباتها وطموحاتها. وما يثير الدهشة، تغاضيها عن انتهاك حقوق الإنسان والحريات وقمع المعارضين واستبداد النظام المصري الحالي.
لم تدعم واشنطن الانقلاب لولا أن الحكم المدني الناشئ برئاسة مرسي لم يتطابق مع الرؤية والسياسة الأمريكية، والاتجاه بمنظور وطني وعروبي، ومحاولة إعادة الاعتبار للدولة المصرية، وحثه على "إنتاج الغذاء والسلاح والدواء بالإرادة الوطنية". والأكثر وضوحاً أن الانقلاب وما عقبه من نظام سياسي كان أكثر انسجاماً مع واشنطن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.