يتوجه الشعب الأمريكي بعد 17 يوماً إلى صناديق الاقتراع ومكاتب البريد، من أجل التصويت في انتخابات حاسمة، قد تكون لها تداعيات أكبر على بقية دول العالم مقارنة بأمريكا نفسها.
وحينما نتحدث عن انتخابات يصوت فيها الشعب الأمريكي، لا ينبغي أن نعتقد أنهم يتسابقون فيما بينهم للذهاب إلى التصويت. بل إن معدّل المشاركة في الانتخابات يتراوح بين 50-60% عادة. وهذا يعني أن نصف الأمريكيين تقريباً لا يلقون بالاً ولا مجهوداً إزاء الانتخابات، ولا يهتمون بهوية الرئيس القادم بقدر اهتمامهم بهوية وتوجهات حاكم الولاية التي يعيشون فيها.
دونالد ترامب أم جو بايدن؟
على الرغم من أن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى تقدّم المرشح الديمقراطي جو بايدن، إلا أن هناك ما يشير إلى أنّ حوالي 14%، وهي الفئة المتأرجحة من الناخبين سيحددون النتيجة في نهاية المطاف. ودعونا نتذكر أن عدداً قليلاً فقط من الناخبين رجّحوا الكفة لصالح ترامب خلال انتخابات 2016، بينما كانت الغالبية العظمى واثقة تمام الثقة من فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون دون أدنى شك.
لدرجة أن مجلة نيويورك تايمز وقعت في خطأ جسيم، حيث وضعت صورة كلينتون على غلافها تحت عنوان "الرئيسة المدام"، ليلة الانتخابات، قبيل الإعلان عن النتائج، قاطعة بفوز كلينتون.
والآن انتخابات جديدة تنطلق في 3 نوفمبر/تشرين الثاني القادم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن كما ذكرنا بداية المقال فإن نتيجة هذه الانتخابات تهم بقية دول العالم كذلك، من نواحٍ عديدة. دعوني أقول بعبارة أخرى لعلها تكون أقرب للفهم:
لو أن هذه الانتخابات قدّر لها أن تجري في ألمانيا أو حتى اليابان لرأيت الناس في هذين البلدين يسارعان نحو صناديق الاقتراع جاهدين، لمنع ترامب من تصدر نتائج الانتخابات والفوز بها.
لماذا نقول ذلك؟
لأن بعد مرور 4 سنوات كاملة من حكم ترامب بات الجميع يعرف المزيد عن ردود فعل ترامب ونواياه وسياساته، وعن كثب، لقد بات الجميع يعرف النظرة التي ينظر بها ترامب للعالم.
لقد كانت أثقل رسالة أرسلها ترامب للعالم خلال السنوات الأربع التي مضت هي تحريك أحجار النظام العالمي، الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية، ولقد استطاع من خلال اللعب على وتر القومية الأمريكية أن يطوّر سياسات قفزت على الدول التي كانت تضمن الولايات المتحدة أمنها. لقد أعطى للجميع رسالة واضحة مفادها "إنّ أمريكا ليست مضطرة للدفاع عنكم".
يمكنكم أن تتصوروا مدى الغرابة التي يتصف بها في كيفية إيصال الرسائل، من خلال موقفين: أحدهما حينما رفض مصافحة المستشارة الألمانية ميركل عندما استضافها في البيت الأبيض، على الرغم من إصرار وسائل الإعلام على أخذ صورة لهما وهما يتصافحان، أما الموقف الثاني فهو حينما رفض وضع سماعات الترجمة خلال كلمة رئيس الوزراء الياباني آبي، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وكأنه يقول: لا يهمني ما تقوله يا آبي.
وقبل حضور ترامب قمة مجموعة العشرين في أوساكا، العام الماضي، أدلى ترامب بالبيان التالي الذي أصاب اليابان في الصميم:
"إذا دخلت اليابان في حرب فعلى الولايات المتحدة القتال إلى جانبها، لكننا حينما ندخل نحن في حرب، فإن اليابانيين سيشاهدون تلك الحرب على تلفزيوناتهم السوني".
هل هناك تعبير أوضح من ذلك على أنه لم يعد لديه رغبة في الحفاظ على النظام القائم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
لقد أصر ترامب خلال السنوات الأربع التي خلت على تذكير المنتصرين في الحرب العالمية الثانية بانتصاراتهم، وتذكير المهزومين بهزائمهم.
وعلى صعيد آخر بات من الممكن أيضاً قراءة الحلم الذي يراود روسيا منذ 500 عام، من حيث حجز مكان لها وسط المياه الدافئة بالبحر المتوسط، وقراءة سعي فرنسا في السيطرة على أوروبا والشرق الأوسط، ومحاولات البعض لملء جميع الفراغات التي خلفتها الولايات المتحدة في تلك المناطق.
لقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً أن ترامب لو فاز في الانتخابات القادمة، فسيتجه نحو الانسحاب من حلف الناتو… هل يمكن ذلك؟ أو دعونا نسأل بالعكس: هل من المستحيل ذلك؟
عندما وصف الرئيس ماكرون حلف الناتو بأنه يعاني من "موت دماغي"، ردت عليه المستشارة الألمانية ميركل بالقول "حتى نتمكن من الجلوس معاً واحتساء كوب من الشاي أقوم بجمع الأكواب التي تكسرها كل يوم وأرممها من جديد".
لكن هل استمع ماكرون لميركل؟ لا، هل يَسمع من به صَمَم؟!
من المؤكد أن ترامب لو أُعيد انتخابه من جديد فإن ذلك سيكون بمثابة كوابيس لا تنتهي للدول التي دخلت تحت مظلة حماية الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال ألمانيا واليابان.
لكن ماذا لو تم انتخاب بايدن؟
هل يمكن إذن أن نتوقع حينها أن تكون السنوات الأربع الماضية مجرد كابوس انقشع، ثم ستعود أحجار النظام العالمي إلى مكانها كما كانت وأقوى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.