بدأ رئيس الوزراء الأردني الجديد الدكتور بشر الخصاونة فترة توليه سلطاته الدستورية على وقع جريمة الزرقاء البشعة، التي جعلت الجميع في الأردن ومن قرأ عن الجريمة من خارج الأردن من خلال وسائل الإعلام يطالب بإعدام مجموعة الوحوش البشرية الذين تجردوا من الإنسانية عندما اعتدوا على طفل بتقطيع يديه وفقء عينيه، انتقاماً لجريمة سابقة ارتكبها والده المسجون. وتوضح المعلومات المسربة تدريجياً وجود 172 سابقة إجرامية للمجرم الرئيسي!
ونتساءل: لماذا نضطر شعبياً للضغط والمطالبة بتطبيق عقوبات رادعة بحق المجرمين في مثل هذه القضايا؟ لماذا لا يكون القانون هو الرادع بدلاً من ضغط المواطنين؟
حسب ما تحدث به بعض المحامين منذ وقوع الجريمة، فإن المادة 335 من قانون العقوبات الأردني هي التي قد يندرج تحتها الحكم على الجناة بحق الطفل. وإذا لم تظهر تفاصيل وحيثيات أخرى للجريمة، فتنص المادة على (إذا أدى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف وتسبب في إحداث عاهة دائمة، عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد عن عشر سنوات). وهذا القانون قد يجد فيه بعض الخبراء القانونيين ثغرات تخفف العقوبة عن المجرم، كما يحدث في العديد من القضايا، وفي كثير من الحالات تتدخل العطوات العشائرية وتخفف العقوبة، وهنالك طرق أخرى لتخفيف العقوبات متبعة شعبياً في الأردن.
إن إعادة النظر في بعض نصوص القانون المدني الأردني بما يتناسب مع تطورات الحياة، وخصوصاً بعد الثورة التكنولوجية، لن تكون شيئاً جديداً. ففي عام 1964 وبناء على طلب من رئيس الوزراء تم تشكيل لجنة من بعض أعضاء مجلسي الأعيان والنواب وبعض القضاة وعلماء الدين الإسلامي، منهم قاضي القضاة وعضو من محكمة التمييز وعميد كلية الشريعة ورئيس القسم الديني في الإذاعة الأردنية. ولم يتسن حضور أحد أعلام الفقه والقانون في العالم العربي أمثال العالم المصري الدكتور عبدالرزاق السنهوري وأستاذ الشريعة السوري مصطفى الزرقاء، وتشكلت اللجنة لمناقشة القانون المدني الأردني والذي تم إقراره في عام 1976 ويقوم على العديد من الاتجاهات، منها مسايرة الأسس الاجتماعية والاقتصادية المتطورة في حدود اتجاهات الدولة ضمن نطاق المبادئ الإسلامية، مستمدة من أحكام الفقه الإسلامي مع بعض الميول تجاه المذهب الحنفي.
لكن السؤال المطروح هنا هو طالما أن القانون الأردني يستمد بعض قوانينه من الشريعة الإسلامية في بعض الأمور مثل الزواج والميراث وغيرها، فلماذا لا يتم التوسع في تطبيق التشريع الإسلامي في القضاء ليشمل شريحة من الجرائم، وخصوصاً تلك التي تهز أركان المجتمع، مثل ما حدث مع الطفل "صالح" أو ما حدث في طريقة قتل المرحومة نور العوضات؟
وإذا اتبعنا الشريعة الإسلامية، فلن يكون هنالك مجال للكثير من الاجتهاد كما يفعل المحامون في القضايا التي تخضع لنصوص القانون وتستمر في المحاكم سنوات وسنوات، وقد ينتج عنها جرائم ثأر، لأن المجني عليه يعلم بأن القضاء "حباله طويلة" والطريق طويلة لتحصيل الحقوق في المحاكم!
ومن زاوية أخرى، فإن هذا المستوى من الإجرام الذي يفوق تصورات العقل البشري توجد له تفسيرات في علم النفس، وعلماء النفس أدرى بتخصصهم، ولا يمكن للإنسان السوي العقل أن يرتكب هذا الجرم بدون أن يكون مغيب العقل أو مغيب الفؤاد، وهنالك العديد من الأسباب التي تستحق الدراسة، والتي تؤدي بالإنسان للانحراف حتى يصل لهذا المستوى من العنف، مثل انتشار المخدرات التي أذهبت العقول، وغياب الوازع الديني الرادع لمثل تلك الأفعال الشنيعة، وعدم الإيمان بقدرة الدولة على حفظ الحقوق وصيانة المصالح والأرواح، كالخلل الواضح للعيان في النظام التعليمي والخطاب الديني والقضاء.
لا يمكن أن يتقبل المواطن في الأردن التساهل مع هؤلاء المجرمين الذين قطعوا جسد الطفل صالح، وستبقى قضية رأي عام حتى يحكم فيها القضاء، وستبقى والدة الطفل مكلومة أبد الدهر، وقد يخفف عنها طبيعة الحكم على المجرمين، مع أن نصوص القانون قد لا تؤدي إلى إعدامهم.
هنالك العديد من الملفات الساخنة في انتظار رئيس الوزراء الجديد، أبرزها ملف وباء كورونا، والاقتصاد، وسياسياً هناك تطور علاقات بعض الدول العربية مع "الكيان الصهيوني". وملف القضاء أيضا أحد الملفات الساخنة إذا ما كانت هناك إرادة في تحقيق العدالة، والحكومة مطالبة بتطبيق نصوص الشريعة الإسلامية في النظام القضائي حسبما يمكن تطبيقة، ويتم ذلك من خلال دراسة يعدها مجلس يتم تشكيله من رجال دين متخصصين ورجال قانون كما حدث عام 1964 ويؤخذ بعين الاعتبار أيضاً حقوق المواطنين من الديانة المسيحية وفق تعاليم دينهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.