بعد سحل وقتل فتاة المعادي.. أنا خائف على أهل بيتي ولا أستطيع فعل أي شيء

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/16 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/16 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
الشابة المصرية مريم/ مواقع التواصل الاجتماعي

في محاولة كتابة أي شيء للتعقيب على مقتل "مريم"، الفتاة التي تم سحلها حتى الموت في شوارع حي المعادي جنوب القاهرة، بواسطة عديمي النخوة والرحمة والإنسانية، في محاولة الكتابة، تبدو الكلمات، ولأول مرة، أقل قدرة على التعبير.

مع كل حادث كهذا، نكتب نفس الكلمات التي ندين بها التحرش والعنف ضد المرأة، لكن التكرار يبعث على الملل والرتابة، حتى أصبح التنديد واستنكار المصائب التي تقع على المرأة المصرية فعلاً مخزياً يكللنا جميعاً بالعار.

كل مهتم بالشأن العام صار مطالباً بالكتابة كي يدين التحرش، والاغتصاب، والختان، والعنف الأسري والزوجي الذي يؤدي إلی القتل أو هرب الأطفال من عائلاتهم الذين يشكلون لهم الجحيم المستعر.

في كل مقال أخصص جزءاً للحديث عن أولئك الذين يسارعون لقتل أي قضية مثارة بلوم الضحية، بنفس الأسلوب الوضيع الذي يسارعون به لتعليل أسباب الجاني التي دفعته للقضاء على ضحيته، التي تكون في كل مرة امرأة، ولا ذنب آخر لها سوی أنها امرأة وُلدت في مصر.

مصر الآن هي الخطر الأول على المرأة وعلی أي إنسان في العموم. في مصر تعاني المرأة بكل الأشكال، وتنال فيها صنوف العذاب. لا أحد ينصف المرأة هنا، لا أحد يحميها، لا أحد يمنحها سلطة الدفاع عن نفسها ولا أحد يدافع عنها ضد الذكورية القامعة المغلفة باسم الدين أو باسم التمييز الجندري.

في مصر تتعرض النساء للختان بأمر العادات والتقاليد، ثم يتركن يعانين بعد ذلك ولا أحد يهتم لأمرهن. وما إن تكبر المرأة في العمر، تتعرض لكل أنواع التحرش بينما يسارع أصحاب النفوس غير السوية للحديث عن ملابس المرأة وطريقة مشيها ولون ملابسها أو ربما لون حقيبتها أحياناً، المهم أن الذكر المتحرش ليس السبب الرئيسي. تُقتل المرأة بعد محاولة سرقة تعرضت لها لأنها امرأة، كما في حالة "مريم"، وربما ينسی الناس قضيتها اليوم أو غداً للحديث عن قضية أخری أو "مريم" أخرى. 

فيديو جريمة القتل

أين العقل والمنطق في كل هذا؟ أين العقل ونحن بصدد نفس التبريرات في كل قضية، ونحن في مجتمع يناصب المرأة العداء بلا سبب واضح، نحن في الظلام نقاسي أشد عصور الوضاعة والخسة وانعدام النخوة. في عصر دهس فيه الرجل والسلطة المرأة، بعدما استبيح جسدها بكل الأشكال. في مصر، تهان المرأة لأن التبريرات المعلبة جاهزة وحاضرة، تجدها تارة باسم الدين أو باسم الضرورة أو باسم الأغلبية الذكور عديمي السيطرة على أنفسهم.

ما استفزني للكتابة هو ما قرأته في أحد المنشورات على "فيسبوك" والذي أوضحت فيه إحدى الفتيات، أن الله قد قدر لمريم النجاة وذهبت لإثبات الواقعة وتحرير محضر أمني في أقرب قسم شرطة، كان سيتصدى لها الشرطي "الذكر"، وكان ستتم السخرية منها لأنها تود تقديم مجرمين للجناة باعتبار أن كل النساء يتعرضن للمضايقة في كل يوم ولأكثر من مرة. وأنه لو كل امرأة تعرضت لمضايقة أو تحرش قدمت محضراً رسمياً لوضع الرجال جميعاً في السجن، وما إلی ذلك من تعليقات ساخرة وضيعة، تتخللها نظرات تفحص وشك للمجني عليها.

صدقاً، أخاف علی أهل بيتي من هذا المجتمع، المجتمع الذي لا أجد فيه راحتي كإنسان من الأصل، أخاف من أن يصاب أحد من أهل بيتي بمكروه أو يتعرض لما تعرضت له مريم ويتم تقييمه بواسطة المجتمع الذي لا يجد أي صعوبة في إرسال من يشاء إلى الجنة أو النار بناء على تقييمهم لملابسهم. مجتمع لا يجد ما يمنع من وصم تلك بالعاهرة وأخرى من النظرة الأولى. في المجتمع المصري، وفي القرن الواحد والعشرين نعيش في ظلام حالك، حيث الرأي والغلبة للقوي علی الضعيف، والحق مع الجماعة، وكلام الله يتم تأويله وتطويعه لخدمة المستبدين الغالبين القائلين بأن المرأة أقل من الرجل، وأن لا خروج لها من المنزل، من نصبوا أنفسهم آلهة.

في هذه الأيام يجب عليّ القول إنه لا أحد بعيد عن البطش والفتك به، وإن الجميع تحت السطوة، وإن الأمور الأمنية علی أكمل وجه، لأن من يعترض يتم حبسه وإخفاؤه تحت سابع أرض، ولأن أي امرأة تخرج من منزلها يتم قتلها أو استغلالها لأن هناك من يبررون ذلك دائماً.

مصر التي تُعد الخطر الأول علی المرأة وعلی أي إنسان في العموم، مصر التي تعاني فيها المرأة بكل الأشكال، وتنال فيها التعذيب تحت سطوة كل الأدوات، لا أحد ينصف المرأة هنا، لا أحد يحميها، لا أحد يمنحها سلطة الدفاع عن نفسها ولا أحد يدافع عنها ضد الذكورية القامعة تجاهها المغلفة باسم الدين أو باسم التمييز الجندري الذي يعطي السلطة للأقوی.

في مصر تتعرض النساء للختان بالأمر المباشر من المجتمع وتعاني المرأة بعد ذلك أي امرأة طوال العمر ولا أحد يهتم لأمرها، تتعرض للتحرش ويسارع أصحاب النفوس غير السوية للحديث عن ملابس المرأة وطريقة مشيها ولون ملابسها ولون حقيبتها أحياناً، مُعللين أن أي شيء مما ذُكر هو الدافع، تخيل أن يتم تبرير التحرش الذي هو جريمة متكاملة الأركان في دول العالم الأول التي تعطي أي إنسان حقه دون تميز، تخيل أننا هنا نحاول إيجاد أي سبب لنبرر فعل الجاني، نجد البعض خافضين رؤوسهم كالكلاب ومطيعين لقول الأغلبية الجاهلة التي تقول نفس الأسباب وتبرر بنفس التبريرات، تتعرض المرأة للاغتصاب فيسرع المجتمع في قول إن المرأة هي التي تشبك الشباك للرجل ثم تتهمه بالاغتصاب، في أقوال لا تليق إلا بالجهلاء وذوي العقول الممسوخة، تُقتل المرأة بعد محاولات التحرش بها كما في حالة الفتاة "مريم" التي ماتت بالأمس، وربما ينسی الناس قضيتها اليوم أو غداً للحديث عن قضية أخری أو أمر آخر، تقتل المرأة فنجد نفس الأشخاص ينبحون كالكلاب ويملأون التعليقات علی الخبر بأن الذنب ذنبها، لأنها كانت في الشارع لوقت متأخر من الليل، أين العقل والمنطق في كل هذا، أين العقل ونحن بصدد نفس التبريرات في كل قضية، ونحن في مجتمع عدواني بالفطرة تجاه المرأة، في عصر مظلم نعيش فيه أشد عصور الوضاعة والخسة وانعدام النخوة، في عصر دهس الرجل للمرأة واستباحة جسدها بكل الأشكال وفي كل الأعمار، في عصر تهان فيه المرأة لأن التبريرات معلبة وحاضرة باسم الدين أو باسم الأغلبية أو باسم الذكور الذين يمثلون القوی العظمة التي تهدد وتسحل وتقتل بدم بارد لانعدام سيطرتهم علی أنفسهم!

أخاف علی أهل بيتي من هذا المجتمع، المجتمع الذي لا أجد فيه راحتي كإنسان من الأصل، أخاف من أن يصاب أي أحد من معارفي بسوء ويتم تقييمه بواسطة المجتمع الذي لا يجد أي صعوبة في وضع الناس في الجنة والنار وتقييمهم من ملابسهم ووصم هذه بالعاهرة ووصف هذه بالطاهرة بمجرد رؤية ما يغطي الجسد والشعر، في مجتمع يعتبر المرأة "شيئاً" والإنسان الذي لا يتدخل في شؤون غيره ضعيف، لأنه لا يسعی لنصرة الحق!

في المجتمع المصري، وفي القرن الواحد والعشرين نعيش أسوأ العصور، حيث الرأي والغلبة للقوي علی الضعيف، والحق مع الجماعة، وكلام الله تحت أمر من يقولون إن المرأة أقل من الرجل، يجب ألا تخرج من المنزل وألا يخرج صوتها من فمها وألا تتساوی مع الرجل مهما حدث، واضعين أنفسهم فوق أعناق الإناث.

في هذه الأيام يجب عليّ القول إنه لا أحد بعيد عن البطش والفتك به، وإن الجميع تحت السطوة، وإن الأمور الأمنية علی أكمل وجه، لأن من يعترض يتم حبسه وإخفاؤه تحت سابع أرض، ولأن أي امرأة تخرج من منزلها يتم قتلها أو استغلالها، لأن هناك من يبررون ذلك دائماً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد