مثّلت الجريمة البشعة التي ارتكبها أحد أرباب السوابق في محافظة الزرقاء القطرة التي أفاضت كأس الأردنيين، فعمَّ غضب عارم بين جميع فئات المجتمع، وبرز مطلب مشترك هو سَنُّ عقوبة الإعدام؛ كونها الحل الأمثل و"الوحيد" لوقف الجرائم، وبعيداً عن الانجرار وراء العواطف، وضرورة تحكيم العقل والمنطق فإن المهم هو النظر إلى الجريمة بإطارها العام، وليس إلى جريمة بعينها، والأكثر أهمية هو سؤال: هل الإعدام هو المخرج الوحيد، أم أن هناك بدائل أخرى؟
قبل الإجابة عن السؤال بصيغة مباشرة ينبغي معرفة أساس تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه، فعند النظر إلى طرَفَي المؤيدين والمعارضين، سنجد مبرِّرين أساسيين لكلٍّ منهما؛ فالأول يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي قطعت بوجوب "القصاص" من المجرم، "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ"، أما الرأي الآخر فهو يتماشى مع إطار الدولة المدنية، والتي تنظر لعقوبة الإعدام على أنها لا تتماشى مع متطلبات العصر والنظم الحديثة.
ويجب إيضاح نقطة جوهرية، وهي أن سَنّ عقوبة الإعدام قد يكون له تبعات لاحقة، أبرزها ربط جزء كبير من المساعدات التي يتلقاها الأردن بملف حقوق الإنسان الذي التزم به على مدار عقود، وشكَّل داعماً له في المحافل الدولية، وقد يمثل سنّ عقوبة صريحة بإعدام مرتكبي الجرائم ضربةً لملف الأردن الحقوقي أمام المجتمع الدولي، وقد رأينا السودان كيف عانى من العقوبات بسبب سِجله القانوني، وحَرَمته من المساعدات التي يحتاجها لبرنامجه الاقتصادي، إذاً ما الحل؟
يمكن القول إن الحل البديل يتمثل أولاً في تغليظ العقوبة التي نصَّ عليها القانون الأردني ضد مرتكبي الجرائم، بما يُحقق العدالة للمجني عليه، ويقتصّ من الجاني بما لا يُعرِّض الأردن إلى ضغوطات دولية، وثانياً وهو الأكثر أهمية بحيث لا يتم انتظار الجريمة لتقع ومعالجة الجريمة في إطارها العام، وذلك من خلال إعادة النظر في فاعلية مراكز الإصلاح والتأهيل، وإعطاء مساحة أكبر للجانب الفكري، وعدم التركيز فقط على الجانب السلوكي.
فينبغي استحداث برامج تركز على إعادة تهذيب طباع الأشخاص المتواجدين حالياً في السجون أو مراكز الإصلاح، ويمكن الإشارة إلى برنامج "القراءة مقابل تخفيض مدة الحكم"، والذي طبقته البرازيل، وقد أثبت نجاحه بأن قلت نسبة العائدين للسجن لمن انخرطوا في البرنامج بنسبة 40%، أما الحل الأكثر شمولاً فهو القضاء على مسببات الانخراط في الجريمة، والذي يشكل هيكله الأكبر "البطالة والفقر".
فلقد كشف تقرير الأمن العام لعام 2019 ارتفاع معدل الجريمة بأكثر من 7.5% عن عام 2018، في حين شكّل أصحاب الأعمال الحرة وغير الثابتة "عمّال اليومية"، والعاطلون عن العمل أكثر مَن ارتكب الجرائم، وبالتالي فإن تحسين الأوضاع المعيشية هو الحل الأول والأكثر نجاعة الذي يجب أن تلجأ إليه الحكومة، وتنصبّ عليه سياسة الدولة، من أجل تقليل نسب العنف والجرائم، وذلك يتطلب وجود أرضية صُلبة لتشريع القرارات ومراقبة تنفيذها.
لقد لمس الملك عبدالله الثاني جوهر القضية، ووضع حجر أساس للتعامل مع المشكلات من خلال الورقة النقاشية السادسة، فأكد الملك على أن "الضامن للحقوق الفردية والعامة، والباني لمجتمع آمن وعادل هو سيادة القانون…"، مضيفاً: "إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون بمساواة وعدالة ونزاهة تقع على عاتق الدولة، ولكن في الوقت نفسه يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية".
إن المشكلة الأكبر التي نواجهها هي رفض التسليم بالواقع المرير الذي نعيشه، فكلنا يرفض أن يسلّم بأن المشكلة أولاً تبدأ من الوازع النفسي، فإن الحاصل اليوم يقودنا لأكثر من قضية، وأكثر من سؤال، أبرزها: مَن الذي يغلّب ثقافة العشيرة ويرسخ مفاهيم الثأر والقوة الهمجية "بردّ الصاع صاعين"، ويرفض اللجوء إلى القانون، أليس نحن؟ ومن يعتد ويستقوي بقريبه ويحذر من المساس به ولو كان متهماً بارتكاب مخالفة أو جرم، أليس نحن؟
إنَّ على المجتمع أن يقف دقيقةً صمتاً مع نفسه، وينظر إلى مرآة الحياة التي يعيشها، ويجب أن يعلم أن ثقافة الغاب هي التي أوصلتنا إلى هنا، وإن اختيار الرجل المناسب ووضعه في المكان المناسب بعيداً عن أسس الاختيار الجاهلية، بالنظر إلى النَّسب والمال وصلة القرابة… إلخ هو ما سيحقق المراد بالوصول إلى مرحلة سيادة القانون، وجعل الجميع تحت مظلته، بما يضمن ضبط الشؤون الإدارية، وبالتالي تقليل الجريمة وإنعاش الاقتصاد، وعند الخروج من الزجاجة التي فرضها علينا الواقع الاقتصادي يمكن الحديث عن عقوبة الإعدام، بعيداً عن نير المنظمات الدولية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.