لم تنتهِ بعدُ تداعيات انقضاض النظام السياسي وأداته الحكومية الطاغية على نقابة المعلمين، لم يستعِد المعلمون نقابتهم بعد، ولم تُلغَ القرارات التعسفية بحقهم، لكن الأخطر والأهم من هذا أنّنا شاهدنا إماطة النخبة الحاكمة اللثام عن وجهها الدكتاتوري القبيح، مستخدمة وسائل الترهيب والعنف، في الوقت الذي تحشد فيه الجماهير "في زمن كورونا" لانتخابات مجلسٍ نيابيٍّ معطّلٍ منذ أكثر من نصف عام. ورغم هذا نشاهد تهافت الأحزاب السياسية على القيام بدورٍ ما في مشروع النظام السياسي الجديد (الانتخابات النيابية)، وهي في هذا تتجاوز مذبحة الديمقراطية التي لم يغادرها المجتمع بعد في أزمة نقابة المعلمين، لتعلن عن موت السياسة، وأكثر من ذلك تجاوز قيم النضال بين صفوفها، واقتصار دورها على الهوامش والفتات الذي يلقى لها من النظام دون أي محاولة جدية لانتزاع حقوق الشعب، أو مواجهة -ولو محدودة- مع النظام.
أحزاب اليسار خائفةٌ من بطش النّظام بكوادرها، إن هي لم تشارك في "العرس الديمقراطي"، وجماعة الإخوان المسلمين تحاول التعلّق بأي قشّة قبل أن ينقضّ النظام عليها، وأحزاب الديكور والمحاصصات و"عبي الكذب" مستعدةٌ لالتهام حصّتها من الكعكة. يدور كل هذا في الأردن، فيما تعلم الأحزاب، ويعلم النظام، هامشية الدور الحزبي في الانتخابات اليوم، وإن كان -أي النظام- يحبذ إضفاء صفة الحزبية على إحدى واجهات الانتخابات، تلبيةً لطموحات الممولين.
لكن تبقى الحقيقة ألّا شيء تغيّر في نهج النظام ومشروعه النيوليبرالي الفاشل والمتطرّف، لا بل أكثر من ذلك لقد أصبحت الديمقراطية بالنسبة له وسيلةً لتمرير فشله وتسويقه، في مقابل سحق أي إمكانية لظهور ممثلين حقيقيين لمصالح النّاس وطموحاتهم، ولنا في نقابة المعلمين خير مثال.
يمكن تفهُّم مشاركة حزبٍ ناشئ ساعٍ للترويج لمبادئه وانحيازاته، ولِمَ لا "أيديولوجيته"، وهذه الصفات تنطبق على حزب "الشراكة والإنقاذ"، الذي -ياللدهشة- يختار مقاطعة الانتخابات، وينحاز لقيم الديمقراطية التي لطالما انتهكتها النخبة الحاكمة، فأي مبرراتٍ لأحزاب ذات باعٍ طويلٍ -سواء كان في النضال أو الحكم- لكي تشارك اليوم في انتخاباتٍ تتّخذ كملهاةٍ للشعب عن معاناته الاجتماعية والاقتصادية "أو هذا ما تظنّه النخبة".
ما دام ميزان القوى مُتحكَّماً به من قِبل هذه النخبة المحتكرة للسلطة، وما دام لا استعداد لدى تلك الأحزاب لمساندة أي تحركٍ أو منجزٍ ديمقراطيٍ، فلا فائدة تُذكر من مشاركتها في هذا العبث، وأقصد ألّا فائدة لها هي نفسها من المشاركة فيه، فهي لن تستطيع أن تغيّر شيئاً في المعادلة السياسية، وهي أكثر من ذلك ستكون جزءاً من مشروع النظام، وإن كانت على هامشه.
وأخيراً، بعد عامين من الوعود الطنانة والشعارات الرنانة بنهضةٍ حتميةٍ، ترحل حكومة الليبرالي المتطرف عمر الرزاز تجر أذيال الخيبة، بعد فشلها في كل الملفات الوطنية، التي ادّعت قدرتها على التعامل معها. لا بل أكثر من ذلك ترحل حكومة الأجندات الخارجية "أجندات صندوق النقد والبنك الدوليين"، مثقلةً بإرثٍ فاشيٍّ وظَّف جائحة كورونا لتحطيم المؤسسة الديمقراطية الأهم في البلاد (نقابة المعلمين)، وتغوّل على قوت الأردنيين ورواتبهم، حمايةً لحلفاء الرزاز من الطبقة الرأسمالية (البنوك والشركات والأثرياء).
مع نسب بطالة قياسية ومديونية في ازدياد وقمع إرهابي للحقوق والحريات، جاءت الجائحة فرصةً لتنصّل حكومة الليبراليين المتطرفين من التزاماتها، ولتبرير تطاولها على الأردنيين، خدمةً للنخبة الحاكمة المحتكرة للسلطة.
إن الرّجل الذي روّج لنفسه ولمشروعه كريادي ساعٍ للتحول صوب دولة الإنتاج، والذي سبق له التشديد على أهمية الارتقاء بالعمل الحزبي والنقابي، بما هو ممثلٌ فعليٌّ للناس في مواجهة القمع المسقط من السلطات غير الديمقراطية، تحوّل إلى واحدٍ من أشدّ أدوات القمع المعادية للديمقراطية، التي اعتاد النظام السياسي على توظيفها كواجهة للبطش بأي توجهات ديمقراطية في المجتمع، مثلما نكث بوعود التحول صوب الإنتاج، الذي تعاكسه نسب البطالة والمديونية والعجز في الميزان التجاري.
ترحل حكومة الرزاز وقد فشلت فشلاً ذريعاً في التصدي لجائحة كورونا، بما هي أزمةٌ صحيةٌ عالميةٌ "لا تنشف ولا تموت"، بحكم محاولة وزراء الحكومة التعاطي مع الأزمة عبر الحلول الأمنية، وعبر تحميل المواطنين مسؤولية انتشار الوباء، دون اتّخاذ الخطوات اللازمة للتصدي للوباء عبر توسيع قدرات وطاقات القطاع الصحي، وهو ما قد يحل علينا وبالاً في الأيام المقبلة، في حال استمرت "حكومة عمر الخصاونة" على ذات النهج من التعاطي الأمني البدائي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.