حميدتي والتطبيع بين السودان وإسرائيل

عدد القراءات
838
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/09 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/09 الساعة 07:43 بتوقيت غرينتش
الفريق محمد حمدان "حميدتي" قائد الجنجويد/ رويترز

في حديث له مع إحدى القنوات التلفزيونية السودانية قبل يومين أعلن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" أن بلاده سوف تقيم علاقات مع إسرائيل، وذلك للاستفادة من إمكانياتها المتطورة على حد قوله. ولعله من الطريف أن "حميدتي" لا يعتبر أن هذا تطبيع وإنما مجرد علاقات عادية! وعلى ما يبدو فإن "حميدتي" لا يعرف أنه لا يوجد فارق بين الأمرين، أو أنه يعرف ولكنه يتناصح ويتذاكى علينا!

حميدتي، الطامح لرئاسة السودان ولو بعد حين، يعرف جيداً أن الطريق للسلطة لابد أن يمر عبر بوابة تل أبيب، تماماً كما يفعل بقية أقرانه من الحكام العرب سواء أولئك الذين طبّعوا قبل عقود، أو من ينتظرون دورهم في التطبيع، كما هي الحال مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يبدو على أتمّ الاستعداد لمقايضة عرش بلاده، بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكنه ينتظر اللحظة المناسبة للقيام بذلك. 

تحدّث حميدتي بقدر عالٍ من الصراحة، وأحياناً الوقاحة، مبرّراً تطبيع بلاده بأنه ليس البلد الوحيد الذي يفعل ذلك، وأن بلاده ليست أقل أو أفضل ممن طبّعوا مع إسرائيل خاصة تلك البلدان التي لها حدود مع إسرائيل مثل مصر والأردن. وكأن لسان حاله يقول "لن أكون ملكياً أكثر من الملك"! 

بل الأكثر من ذلك أن يتحدث حميدتي بجرأة متحدياً أي "زول" أن يقف ضد مسألة التطبيع قائلاً "(نحن نحتاج إلى إسرائيل بصراحة، ولا خايفين (خائفين) من زول (أي رجل)، عايزين علاقات وليس تطبيع، وماشيين (مواصلين) في هذا الخط)". ثم وصل حميدتي إلى بيت القصيد، مشيراً إلى أن رفع اسم بلاده من قوائم الإرهاب الأمريكية مرتبط بالتطبيع مع إسرائيل. 

"الزول" حميدتي يرى أن التطبيع مع الكيان الصهيوني سوف يفتح آفاقاً جيدة من التعاون، كون إسرائيل لديها إمكانات متطورة في التكنولوجيا والزراعة تحتاجها بلاده قائلاً "كل العالم شغال مع إسرائيل، والدول العظمى شغالة مع إسرائيل من ناحية تقنية ومن ناحية زراعة". بيد أن ما قد يُحسب لحميدتي أنه كان أكثر جرأة وشجاعة، وإن في خيبة الأمل، من أقرانه الإماراتيين الذين حاولوا مداراة اتفاق تطبيعهم مع إسرائيل بمسألة مخطط وقف الضم الاستيطاني في الضفة الغربية، والذي نفاه أيضاً قبل يومين السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان حيث أشار إلى أنه تم تأجيل الأمر لمدة عام وليس إلغاءه.

قبل أسبوعين تقريباً عاد الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني من زيارة سريعة لأبوظبي التقى فيها مسؤولين أمريكيين، وفي الغالب أيضاً إسرائيليين، من أجل التفاوض حول رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الموضوعة عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود. قيل وقتها إن ضغوطات مورست على الرجل من أبوظبي من أجل ربط المسألة بالتطبيع والحوافز المادية. وقد أُشيع أن البرهان رفض الأمر ليس لأنه ضد التطبيع ولكن لأن المقابل المادي لم يكن مجزياً حيث عُرض عليه حوالي مليار دولار معظمها من أبوظبي في حين طلب البرهان أن يتم رفع المبلغ إلى ٤ مليارات دولار حسبما قالت جريدة نيويورك تايمز. ولكن على ما يبدو فإن حميدتي قد أقنع البرهان بالمليار دولار كبداية. ولِمَ لا وهو تاجر المواشي والذهب والمرتزقة الذي لديه قدرة هائلة على التفاوض في أمور البيع والشراء حتى وإن كانت في المواقف السياسية. ناهيك عن أن قيامه بذلك سوف يجعله يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فمن جهة سوف يقدّم نفسه للإسرائيليين والأمريكيين والإماراتيين بأنه الشخص الذي يمكنه عقد الصفقات وتخليصها وبالتالي يرفع أسهمه لديهم لدعمه في حلم الرئاسة الذي يراوده. ومن جهة أخرى، سوف يقدّم نفسه للسودانيين باعتباره الشخص الذي ساعد بلادهم على رفع اسمها من القائمة الأمريكية للإرهاب وبالتالي الحصول على أموال ومساعدات خارجية تساعدهم في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها بلادهم. وقد وصلت الجرأة بحميدتي أنه لم يعر اهتماماً للسودانيين الرافضين للتطبيع معتبراً أنه لا يجب على أحد منهم أن يتحدث كونه لا يحمل تفويضاً من الشعب السوداني. وكأن حميدتي ورفاقه الجنرالات قد جاءوا للسلطة من خلال الانتخابات! 

أما موقف رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك فيبدو خجولاً ومخجلاً. للرجل تصريحات يرفض فيها الربط بين رفع اسم بلاده من قائمة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل، مشيراً إلى أن مسألة التطبيع بحاجة إلى نقاش مجتمعي عميق، على حد تعبيره. ولكنه لا يستطيع أن يوقف عجلة التطبيع التي تجري على قدم وساق من وراء ظهره. في حين أنه الشخص الوحيد الذي بإمكانه أن يقوم بذلك أو على الأقل يعطلّه حتى وجود ممثلين حقيقيين عن الشعب السوداني. فحمدوك جاء للسلطة على أكتاف الثورة وهو في هذه المرحلة، يمثل المكوّن المدني الذي من المفترض أن يتولى دفة الأمور بعد نهاية الفترة الانتقالية الحالية. ولكن على ما يبدو فإن الموضوع أكبر منه، وأكبر من أحلام وطموحات وشعارات الثورة السودانية التي بدأت في الخفوت، وقد يتم تشييع جثمانها قريباً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خليل العناني
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية
تحميل المزيد