أيد مبارك ضد الثورة وداعم أساسي لإسرائيل ويشجع خطوات التطبيع معها.. لماذا لا يجب أن نتفاءل بجو بايدن؟

عدد القراءات
797
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/09 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/09 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش
المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن

هل انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة يزيد من احتمالات عودة الديمقراطية للشرق الأوسط؟ الجواب القصير هو "لا". 

يمكن القول إن هناك بعض المجالات التي قد تتبع فيها إدارة بايدن سياسات تقييد سلوك حلفاء الولايات المتحدة الاستبداديين في المنطقة، وبالتالي خلق ظروف سياسية أفضل للتغيير الديمقراطي، لكن هذا الافتراض ليس مضموناً على الإطلاق.  

والواقع أن البيانات المهنية والتصريحات العامة التي أدلى بها بايدن لا تكشف إلا عن أدلة قليلة على الالتزام الأخلاقي بالديمقراطية في الشرق الأوسط، أو حتى الاهتمام بها. والواقع أن كل الأدلة تشير في الاتجاه المعاكس.

وجهة نظر المؤسسة الأمريكية

لنتأمل هنا زلة بايدن الشائنة في بداية الربيع العربي عام 2011. فعندما سئل في مقابلة مع قناة PBS عما إذا كان الرئيس المصري آنذاك، حسني مبارك، ديكتاتوراً، أجاب: "مبارك كان حليفاً لنا في عدد من الأمور وكان مسؤولاً للغاية… [لكن] ما كنت لأشير إليه باعتباره ديكتاتوراً".

كشف هذا عن شيء مهم بالنسبة لبايدن: فهو يحمل وجهة نظر سائدة في الولايات المتحدة حول الشرق الأوسط. وأفضل طريقة لتصور كيفية تعامل بايدن كرئيس مع الشرق الأوسط هي أن تتذكر أنه كان نائب رئيس باراك أوباما لمدة ثماني سنوات. وقد أُستشير بايدن حول جميع القرارات الرئيسية التي اتخذها أوباما.

وكما هو الحال مع الحكومات الأمريكية السابقة، تعاملت إدارة أوباما-بايدن مع الشرق الأوسط من خلال إطاري "الأمن" و"الاستقرار". ويُترجم التركيز على الاستقرار إلى دعم الولايات المتحدة للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط التي تحمي المصالح الأمريكية. 

في حين يُشار أحياناً إلى تلك الأنظمة، التي يعتبر الكثير منها استبدادياً، باسم "حلفائنا العرب المعتدلين"، يشير هذا المصطلح إلى الاستعداد لقبول أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وليس إلى كيفية حماية هؤلاء الحلفاء لحقوق مواطنيهم. أبرز هؤلاء الحلفاء الإقليميين يقودهم ديكتاتوريون، على رأسهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. والنتيجة المنطقية التي تنبع من الدعم الأمريكي لهذه الأنظمة الاستبدادية هي النظر إلى الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط بريبة وتشكك عميقين. ومن غير المرجح أن تتغير هذه الحسابات إذا أصبح بايدن رئيساً. 

دعم إسرائيل

بايدن مؤيد بشدة لإسرائيل. ورداً على فكرة طرحها المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز بأن على الولايات المتحدة الاستفادة من المساعدات المقدمة لإسرائيل للفوز بتنازلات لتسوية سلمية أوسع مع الفلسطينيين، صرح بايدن بأن مثل هذا التعهد سيكون "خطأ فادحاً".

وأشاد بايدن بالإعلان عن توقيع الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل صفقة لتطبيع العلاقات ووصفها بأنها "خطوة تاريخية لسد فجوة الانقسامات العميقة في الشرق الأوسط". حتى أنه نسب إلى نفسه الفضل في ذلك بشكل جزئي، قائلاً إن ذلك "بُني على جهود الإدارات المتعددة لتعزيز انفتاح عربي-إسرائيلي أوسع، بما في ذلك جهود إدارة أوباما-بايدن".

ويشير هذا الثناء المفرط من جانب بايدن إلى أنه يدعم بقوة التحالف بين إسرائيل والأنظمة الاستبدادية العربية التي ظهرت في السنوات الأخيرة. هذا التحالف يعارض السياسة الإيرانية في المنطقة، لكن هناك مصلحة أساسية أخرى تربط هذه الدول: المعارضة الحازمة لإرساء الديمقراطية في المنطقة. كان هذا واضحاً عندما نظرت إسرائيل ودول الخليج إلى الربيع العربي بازدراء وشعور واضح بالخطر والتهديد. 

كان تعاطف إدارة أوباما وبايدن خلال هذه الفترة ممزقاً خطابياً بين القيم الأمريكية المتجذرة في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مقابل الدعم الأمريكي الطويل الأمد للحلفاء الاستبداديين. لكن حُلت هذه التوترات بين هذين الموقفين عندما وقع الانقلاب العسكري عام 2013 في مصر. فقد ساندته إدارة أوباما-وبايدن بالقول إن الجيش "يعيد الديمقراطية" في مصر. ومولت السعودية والإمارات صعود وتوطيد تمركز السيسي في السلطة، بينما هللت إسرائيل من الكواليس.  

"مكافحة الإرهاب"

تماشياً مع إدارتي أوباما وترامب، يقول بايدن إنه سيتبنى نهجاً لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، معبراً عن هذه الاستراتيجية بـ "مكافحة الإرهاب المضاعفة". هذه السياسة تعارض نشر قوات كبيرة في الشرق الأوسط مع التأكيد على الهجمات ضد الشبكات الإرهابية باستخدام الطائرات بدون طيار والقوات الخاصة الأمريكية. واحد من العيوب الواضحة في هذه السياسة هو قصر نظرها الشديد، وفشلها في معالجة الأسباب الجذرية للتشدد في العالم العربي والإسلامي. 

لكن إذا فاز بايدن بالرئاسة، فمن المحتمل أنه سيحاول على الفور إبعاد نفسه خطابياً عن العديد من سياسات الرئيس دونالد ترامب، بما في ذلك تلك التي ينتهجها في التعامل مع الشرق الأوسط. وقد يتضمن ذلك انتقادات محدودة لابن سلمان. ومن بين القضايا الرئيسية التي يُرجح معالجتها قضية اغتيال جمال خاشقجي والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، مع احتمال تقييد المبيعات العسكرية الأمريكية للحلفاء المتورطين في الحرب بشكل مؤقت، وهي خطوة تحظى بتأييد واسع بين الجمهور الأمريكي وفي الكونغرس. وقد يكون هناك تأكيد عابر على معارضة الولايات المتحدة لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. 

لكن فيما يتعلق بالمسألة الحاسمة المتمثلة في دعم الولايات المتحدة للديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فقد وضع بايدن أوراقه بالفعل على الطاولة.   في الشهر الماضي، أصدرت حملة بايدن وثيقة تدين تصاعد التعصب ضد العرب. وهو في ذلك ينخرط في تناقض شائع حدد نهج الولايات المتحدة في المنطقة لعقود. فهو يقر بأن الولايات المتحدة تتحمل "مسؤولية أخلاقية للدفاع عن الحقوق والكرامة وتعزيزها" وأنه "يجب ألا نحجم عن إدانة انتهاكات الحقوق العالمية". 

لكن فيما يتعلق بالشرق الأوسط، تغيرت لهجته بشكل ملحوظ، مشيراً إلى أن "علاقات إدارته مع دول الشرق الأوسط بقيادة القادة الاستبداديين ستأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية". وهو يتعهد بعدم السير على خطى ترامب في وصفه صراحةً لزعيم مصر بـ "ديكتاتوري المفضل". الترجمة: تحت قيادة بايدن، سيستمر دعم حلفاء الولايات المتحدة الاستبداديين في الشرق الأوسط، لكن هذا الدعم سيحدث بهدوء.  

الإبقاء على الوضع الراهن

هنا يظهر السؤال التالي: كيف يمكن لبايدن كرئيس أن يتجاوب مع لحظة أخرى من الربيع العربي؟ من المؤكد أن بايدن أكثر عرضة من ترامب للزعم القائل بأن دعم الولايات المتحدة لحقوق الإنسان والديمقراطية قيم أساسية يجب دعمها عالمياً. 

عندما يتعلق الأمر بالتظاهرات العامة في البلدان التي تعد خصوماً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن يكون هناك دعم فوري للمتظاهرين ودعم مفتوح للتغيير السياسي، بما في ذلك إزالة القادة الاستبداديين. لكن من المرجح أن يحدث التمييز عندما يتعلق الأمر بحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مع تبني نهج الانتظار والترقب. 

إذا حصلت الاحتجاجات على دعم شعبي واسع النطاق في بلد تدعمه واشنطن، فإن دعم الولايات المتحدة لهذا النظام سيقترن بمطالب أولية للإصلاح، مع الهدف النهائي المتمثل في الحفاظ على الوضع الاستبدادي الراهن -ربما مع بعض التغييرات التجميلية. وسيُطلب ضبط النفس ووقف التصعيد من "جميع الأطراف". 

إذا سقط نظام مدعوم من الولايات المتحدة، فسيقوم بايدن بتحويل التروس لدعم الانتقال الديمقراطي، ولكن بتردد شديد. وإذا حدثت ثورة مضادة، فإن بايدن سيدعمها بنفس الطريقة التي أيد بها أوباما إسقاط حكومة مرسي في مصر، باسم الاستقرار الإقليمي والأمن الإسرائيلي. 

لكن هناك مجال واحد يمكن أن تساعد فيه رئاسة بايدن بشكل كبير آفاق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر: وهي السياسة الأمريكية تجاه إيران.

سياسة ترامب العدوانية تجاه إيران

عندما وقع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، احتفلت القوى الديمقراطية داخل إيران. فقد أزال الاتفاق خطر الحرب، ورفع العقوبات الاقتصادية، وحمل وعداً بإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي. وحسبت القوى الإيرانية المؤيدة للديمقراطية أن هذه التطورات على المدى الطويل ستخلق ظروفاً اجتماعية داخلية أفضل للنشاط الديمقراطي. 

وضع انتخاب ترامب حداً لهذه الآمال، حيث انسحبت الولايات المتحدة لاحقاً من الاتفاق النووي. وفي حالة فوزه بالرئاسة، فإن بايدن قال إنه سيعيد التوقيع على الاتفاقية، على الرغم من إمكانية تعديل شروطها. وسيسمح رفع العقوبات عن إيران للطبقة المتوسطة الضخمة في البلاد، والتي تشكل القاعدة الأساسية لدعم الحركة الإيرانية المؤيدة للديمقراطية، بالتنفس من جديد. 

تسبب إلغاء ترامب للاتفاق النووي في انتكاسة متوقعة للمجتمع الإيراني، فقد تأثرت الطبقتان المتوسطة والدنيا بشكل أكبر. وبين الشباب الإيراني الكبير الذي يتوق إلى التغيير السياسي، لم يعد التركيز على التعبئة لمقاومة سياسات الجمهورية الإسلامية، بل على النجاة الاقتصادية والهجرة.

يستفيد المتشددون الإيرانيون مالياً وأيديولوجياً من سياسة ترامب العدوانية تجاه إيران. فقد عمل الحرس الثوري الإسلامي على توسيع شبكات التهريب الخاصة به، في حين أصبح أصحاب الأيديولوجيات المتشددة قادرين الآن على استحضار موضوعات القومية وتقديم النصيحة للمجتمع الإيراني بأنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها. وهم يزعمون أن الولايات المتحدة هي العدو اللدود للشعب الإيراني ويجب مقاومتها إلى الأبد. 

وأيضاً يحرز المتشددون تفوقاً ضد القوى الإصلاحية الإيرانية، التي يُلام عليها أنها تعرض الأمن القومي الإيراني للخطر من خلال دعم الاتفاق النووي الذي لم يسفر إلا عن فوائد قليلة في المقابل.

إيران: مكاسب صافية إيجابية

في الفترة التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني، كانت هناك تنافسات طائفية عميقة بين النخبة الحاكمة في إيران. كان الخلاف حول رؤيتين للسياسة الخارجية الإيرانية: المشاركة والدبلوماسية مع المجتمع الدولي، مقابل العزلة والمواجهة.

وفي خضم سياسة ترامب العدوانية تجاه إيران، هناك وحدة طائفية متنامية رداً على التهديدات الخارجية، مما يعزز قادة البلاد الحاليين ويقوض آفاق التغيير الديمقراطي.

من خلال إعادة السياسة الأمريكية إلى توجهات فترة أوباما، فإن هذه التطورات الداخلية التي تدعم الاستبداد داخل إيران قد تتراجع. ويبقى أن نرى ما إذا كان أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة سيترجم إلى مكاسب صافية إيجابية للديمقراطية في إيران؛ وبالطبع لا توجد ضمانات. 

لكن ما هو مؤكد على المدى القصير هو أن سياسة ترامب تجاه إيران كانت كارثة هائلة للقوى الديمقراطية الإيرانية، وأي تحول في السياسة الأمريكية من شأنه أن يعزز جهودهم للإصلاح والتغيير السياسي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نادر هاشمي
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية جوزيف كوربل
تحميل المزيد