بدأ مفهوم الهوية الوطنية تاريخياً بوجود أعراق أصلية سكنت جغرافيا المكان منذ زمن، وهذه الأعراق تختلف من مكان لآخر، مثلاً مجتمعات شرق آسيا لهم تفاصيل مميزه مثل العيون الصغيرة وشكل الأنف، وهنالك حضارة الساموراي التي خلدها تاريخ اليابان، بينما يتميز العرق الإفريقي بلون البشرة السوداء، وفي شمال أوروبا هنالك البشرة الحمراء والشعر الأشقر والعيون الزرقاء، وهكذا فإن السكان الأصليين في كل بقعة في الأرض شكلوا الأساس للهوية الوطنية لتلك الأوطان، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود الأديان كعامل أساسي في تشكيل تلك الهوية، وما بين ماضٍ بعيد له تفاصيل وتحديات، وحاضر مختلف بتفاصيله وتحدياته، هل هنالك مفهوم محدد للهوية الوطنية، أم يجب أن تختلف بتغيّر التفاصيل والتحديات؟
الهوية الوطنية قامت من خلال العديد من المناهج، أبرزها المنهج الإيماني الديني، وهي تلك التي تتجاوز حدود جغرافيا المكان والدين الإسلامي، كان السّباق والمرجع الأبرز في هذا الفكر، حيث نصت الآية الكريمة {إنما المؤمنون إخوة}، وحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم {لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى}، وهذا ما جعل الصحابي بلال بن رباح القادم من الحبشة يصبح شخصية تاريخية مهمة بفضل الفكر الإسلامي، وكذلك الصحابي سلمان الفارسي، والذي جاء من بلاد فارس، ومشورته بحفر الخندق قبل غزوة الخندق، ومن ثم نصر المسلمين على الأحزاب، وهذه أمثلة مهمة لمفهوم الشمولية في الهوية الوطنية المساهمة في نماء الوطن.
لا بد من أخذ الأبعاد السياسية والقانونية في نظرية الهوية الوطنية بعين الاعتبار، حيث يتم البحث في ملفات عديدة، منها الحقوق والواجبات والمشاركة والمساواة ومستوى الحريات العامة، وفي العصر الحديث تميز العالم الغربي بتطور مفاهيم عديدة للهوية الوطنية، حيث كفلت القوانين المحلية مثلاً وصول باراك أوباما الأمريكي من أب كيني لأعلى سلطة، وهي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والنظام القانوني والسياسي القائم، ويحمي الهوية الوطنية من منطلق المصالح العليا للدولة، ولم تعد الجغرافيا أو لون البشرة هي المرجع، واندمج الجميع من منطلق المصلحة العليا للفرد والدولة معاً، حيث حقق كل طرف ما يبحث عنه، ونتج عن هذا الاندماج أن أصبحت أقوى دولة في العالم في كل شيء، وهذا فيه استنساخ لتجربة المسلمين الأولى!
لا يختلف الحال كثيراً في أوروبا، وتحديداً الغربية منها، عن النموذج الأمريكي، وإن كان العرق الجغرافي والهوية الدينية تسيطر على السلطة السياسية، ولكن هنالك حقوق كاملة للمواطن، تم تعريفها ضمن أطر الحقوق والواجبات والمشاركة والمساواة ومستوى الحريات العامة، واندمجت الغالبية من منطلق تلاقي المصالح العليا للأفراد والدولة، ولكن لا يمكن إغفال استمرار تطرف الفكر الديني المسيطر على أنظمة الحكم ونشر ثقافة "الإسلاموفوبيا"، وهي حالة الخوف من الإسلام والمسلمين، كجزء من صراع تاريخي لا تزيله تطورات الهوية الوطنية ورئيس فرنسا ماكرون أحد الأمثلة التي تجسد هذا الفكر المنحرف.
في شرق القارة الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط، بما فيها من دول عربية، وصولاً إلى جزء كبير من دول شرق آسيا وقارة إفريقيا مازالت الصراعات تمنع تطور هذه المناطق الواسعة، وهنالك حالة تفرد بالسلطات السياسية وبالتالي القانونية، وهو ما أبقى الخناق ضيقاً على الهوية الوطنية، وبقيت في إطارها الجغرافي أو الديني أو حتى النظام المدني الذي يعطي لبعض الشرائح لقربها من صناعة القرار ميزات أعلى من شرائح أخرى في نفس المجتمع.
وهذا الفكر لا يقتصر على السلطات السياسية، بل أصبح ثقافة شعبية، حيث يظهر ذلك مثلاً من خلال النظرة الدونية للآخرين، سواء داخل نفس المجتمع أو من قبل بعض المجتمعات تجاه مجتمعات أخرى تجاورها وترتبط معها بروابط معينة، سواء دينية أو قومية، وهذا تحديداً يبرز في الدول العربية، فمثلاً يحظى من تزوج بامرأة أمريكية بنوع من الميزات بين أقربائه، بينما لا تحظى زوجة شقيقه إذا ما كانت من سريلانكا بنظرات دونية مثلاً!
على الجانب الآخر فإن اليابان والصين وكوريا الجنوبية استطاعت الحفاظ على الهوية الجغرافية القائمة على العرق الآسيوي وبنفس الوقت تطورت هذه البلدان كثيراً، ولكن هذا لم يتم إلا بعد الانفتاح على الحضارات الأخرى، وخصوصاً الغربية منها، ولكن بشكل ذكي ومميز، حيث تم تهجين المواطن الآسيوي مع العلوم الحديثة في العالم الغربي، وهو ما عاد بالنفع على هذه الدول الآسيوية، وتطورت في الصناعة والاقتصاد، وبالتالي امتلكت استقلالها وهويتها، وخصوصاً الاقتصادية.
في العصر الحديث، ومع تعقيدات الحياة، وخصوصاً المادية والحقوقية، أصبح الإنسان يبحث بفطرته عن الحياة الكريمة، ويتعزز انتمائه الوطني بنجاحه وتفوقه وتطوره، وهذا ما لخصه العالم المصري أحمد زويل بقوله "الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، لكن نحن نحارب الناجح حتى يفشل"، وظاهرة الهجرة من الجنوب إلى الشمال، ورحلات الموت في قوارب البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن حياة كريمة ماثلة للعيان، ولذلك فإن تغيير مفهوم الهوية الوطنية يبدو أنه لا مفر منه، والقوانين تحتاج لمواكبة الحياة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.