بعد تكرار جرائم قتل وحشية بحق الأطفال.. هل تُغير الجزائر قانون منع عقوبة الإعدام وتبدأ في تطبيقها؟

عدد القراءات
636
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/07 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/08 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش
الطفلة شيماء الجزائرية التي تعرضت للقتل بطريقة وحشية

الطريقة الوحشية التي قتل بها شاب "مهوس" الشابة "شيماء صادو" اغتصاباً وحرقاً بمحطة قرب مدينة الثنية بولاية بومرداس قرب الجزائر العاصمة، خلّفت وتخلّف -كما عادة الجرائم الشنعاء- ردّة فعل عنيفة لدى الرأي العام الجزائري، لكنها ليست المرة الأولى التي يستفز فيها الرأي العام، بهذا النوع من الجرائم المعقدة، ذات الطابع "السيكوباتي"، ذلك أن الجاني -مدمن الحبوب المهلوسة- كان قد اغتصب الضحية قبل عدة سنوات سنة 2016، وكان محل شكوى في قضية الحال كلفته بضع سنوات، قبل أن يخرج ويعيد تكرار فعله الإجرامي بطريقة متوحشة هزت أركان البلاد برمتها.

ليست "شيماء وأخواتها" سوى سلسلة طويلة من جرائم طويلة، كانت شهدتها البلاد منذ سنوات، تتعدى الدافع الجندري الجنساني، المرتبط بأشكال العنف ضد المرأة بل إلى فئات ذكورية، أيضاً، وهم في الغالب أطفال ويافعين تحت العشرين سنة، ويعني ذلك أن الجريمة تحددها الهوية السلوكية والإجرامية للفاعل وليس جنس "المفعول به"، ما يعني ميلاد نوع آخر من الجريمة المتغذية من عقد نفسية واجتماعية المتمحورة أيضاً حول الانشطار الأسري والمكبوتات الجنسية التي صارت تجد ملاذاً محرضاً ومكثفاً لها في وسائط التواصل الاجتماعي، إذ تكشف إحصائيات نشرتها "الشروق" اليومي الأسبوع المنصرم أن مصلحة الطب الشرعي للمستشفى الجامعي مصطفى باشا سجلت 178 حالة اعتداء جنسي خلال عام 2019، بينها 62 حالة ضد أطفال نصفهم ذكور، فيما أوردت جمعية ندى المختصة أنها تلقت 800 بلاغ في الموضوع طيلة فترة الحجر الصحي الذي دام نصف سنة تقريباً، لتنتهي محصلة الجردة الاستقصائية إلى أن 80% من تلك الاعتداءات أو محاولات الاعتداء تطال الذكور أكثر من الإناث.

في عام 2012 وما تلاه اكتشفت البلاد نمطاً جديداً من الإجرام يكاد يطابق النمط الغربي لظاهرة "سكسيال كيلر" التي نشاهدها في الأفلام الغربية، إذ اهتزت منطقة زرالدة على قضية اختطاف وقتل طفلة تدعى شيماء يوسفي، ثم كانت الجريمة المزدوجة، الممهورة بالاختطاف والاغتصاب والقتل، التي ارتكبها شابان عشرينيان منحرفان هما "مامين" و"كاتاستروف" ضد الطفلين إبراهيم وهارون 8 و9 سنوات بولاية قسنطينة، ثم تلتها جريمة قتل الطفلة سندس 6 سنوات من طرف قريبتها المختلة وعديد القضايا غير المسبوقة في تاريخ البلاد، وما بين حادثتي شيماء يوسفي في 2012 لقصة شيماء سادو 2020، مرّت 8 سنوات دون أن تغلق سلسلة الإجرام، لا بل إن ملاحظين، بينهم دكتور علم الاجتماع السياسي نورالدين بكيس، يرون أن الجريمة ستنتشر بعد انتهاء أزمة كورونا، بالنظر لعدة معطيات اقتصادية واجتماعية وتربوية، ناهيك عن مستجدات حديثة متعلقة بالمحتوى الصوري من أفلام العنف والإباحية والفيتشيزم والسادية المنتشرة عبر وسائط التواصل الاجتماعي دون رقابة أسرية، إذ إنه ثبت علمياً أن مشاهدة هذه المحتويات المتاحة بنقرة هاتف نقال في سن مبكرة لدى الأطفال والمراهقين تحمل في طياتها آثاراً تبقى عالقة في الذهن والمخيال وتشكل خطراً على السلوك الفردي مع تقدم الأعوام.

ثمة في البلاد قصور في التشخيص وفهم الظاهرة لمواجهتها، مقابل شحن وجداني كبير يستولي فيه التركيز الإعلامي على الاستثارة العاطفية والأخلاقية للموضوع بدل التركيز على بروفايلات هؤلاء المجرمين أو الإنذار المبكر لأفعالهم، ذلك أن الظواهر الاجتماعية يتحكم فيها بالتنظيم لا بالأخلاق، حيث تعد التجربتان الكندية والبلجيكية في مكافحة الإجرام القبلي مثالاً يُحتذى، ففي هذه الأخيرة "شرطة جوارية" تؤطر الأحياء أو البؤر المتوترة، ويتيح ذلك بالتنبيه والتحذير من الشخصيات الإجرامية والتدخل العاجل والفعال والسريع كي لا تتحول حوادث الاختطاف لجرائم قتل.

يقول الدكتور مختار كربال، المختص في علم الانحراف والجريمة وأستاذ علم النفس العيادي بجامعة باتنة بالجزائر: "المجرم هو شخص مصنف ضمن خانة الشخصيات السيكوباتية أي المضادة للمجتمع، يتميز بالاندفاعية والبرود العاطفي، عدم الإحساس بأية مسؤولية وأهم ميزة لديهم تتلخص في أن ليس لهم القدرة على كبح ذواتهم، وبالتالي هم خطر على الجميع لأنهم سيمارسون العنف في أية لحظة لعدة دوافع كالإحباط والفراغ والفشل العاطفي المدمر، أما إذا ما اقترن الاغتصاب بالقتل، فهذه سادية يسعى إلى إثبات رجولته بالتلذذ الجنسي الغريزي ثم القتل؛ لأن ذلك لم يشبع رغباته المرضية المدمرة، ففي عديد الدول الأوروبية التي أجريت بها دراسات ومعاينات ميدانية يعتبر المجرم شخصية مرضية تقاوم بالعلاج في مراكز متخصصة، لإعادة إدماجه في المجتمع، ثم يخضع لاحقاً لمراقبة الكرتونية عن طريق أساور تمنعهم من الاقتراب من التجمعات التي يتردد عليها أطفال منعاً لعودته للجريمة".

ما فتئ الجزائريون يطالبون منذ سنوات عديدة بضرورة تطبيق حكم الإعدام في منظومة قانونية وقضائية لا تزال تنطق به في المحاكم لكنها في الواقع لا تنفذه لينتقل آلياً إلى عقوبة المؤبد، وكان آخر تنفيذ لطريقة الإعدام رمياً بالرصاص، ذلك الذي شهدته ساحة المعدومين بمنطقة مركونة، غير بعيد عن سجن لامبيز شرق باتنة، ومسّ عدداً من المتهمين في قضية تفجير المطار الدولي هواري بومدين شهر ديسمبر من عام 1992، وقد تم التخلي عنه منذ تلك السنة نتيجة لضغوط دولية من منظمة العفو الدولية مارستها السلطة السياسية القائمة آنذاك عبر المجلس الأعلى للدولة، الذي كان في حاجة لدعم دولي لمواجهة الإرهاب وبناء مؤسسات سلطة انتقالية للعودة سريعاً نحو الانتخابات.

يقول المحامي الحقوقي زناتي الطيب خير الدين، محامٍ معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة: "حالياً تنطق المحاكم الجزائرية الإعدام ولا تنفذه نتيجة لاتفاقيات دولية، ذلك أن مبررات العفو الدولية تقول إنه لا يمكن تطبيقه لأنه يشكل اعتداءً على أهم حق بشري وهو الحق في الحياة، ولأنه لا يمكن التقليل من الجريمة بتنفيذ الإعدام الذي يشكل مطية سلوك انتقامي، وهذا مناف لحقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن "وزير العدل السابق طيب لوح رفض، عام 2014، تنفيذ العقوبة رضوخاً لضغوط إعلامية وشعبية كانت طالبت عبر دعوات ووقفات احتجاجية بعدة ولايات انتظمت بعد سلسلة من الجرائم التي طالت أطفالاً وشباناً، مرجئاً البت في الأمر من خلال دراسة قانونية، ما اعتبر شداً للحبل من الوسط بين امتصاص غضب الشارع والوفاء بالالتزامات الدولية المبرمة مع منظمة العفو الدولية، لكن لا يستبعد أن تقوم السلطات بمراجعة الأمر تماشياً مع تطور الجريمة، بناءً على تطورات الجرائم ذات البعد السرطاني، خاصة أن وزير العدل الحالي بلقاسم زغماتي لم يستبعد في مداخلات شخصية له، رفع التجميد وفتح باب عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم الشنيعة والمتعلقة باختطاف واغتصاب الأطفال والمخدرات".

 وتعتبر فئات شعبية عريضة كما عدة هيئات مدنية وحقوقية أن إعادة تفعيل عقوبة الإعدام المعمول بها حصراً في بضع دول على أمريكا والصين وإيران وباكستان والعراق والسعودية بات ضرورة يقتضيها القصاص الشرعي والقانوني، بيد أن المختصين المتعاطفين مع "تشديد العقوبات الردعية الصارمة" يعتبرون الأمر غير كافٍ البتة، وهو يتطلب قبلاً التحسيس بالتوعية الأسرية والمجتمع المدني والرقابة والكشف المبكر عن الشخصيات المرضية التي تعاني من اضطرابات أسرية بغية الإدماج السريع لها في الحياة الاجتماعية والمهنية والتكفل النفسي في مراكز متخصصة، فوصفة وقاية خير من رصاصة علاج.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
طاهر حليسي
كاتب صحفي جزائري
طاهر حليسي، كاتب صحفي، يعمل حالياً مديراً لمكتب "الشروق" الجزائرية في مدينة باتنة،التحق بالصحيفة عام 2000، بعد تجربة إعلامية كمحرر مزدوج اللغة (عربي فرنسي) بجريدة الجمهور الأوراسي، ثم صحفي كاتب مقالات رأي وتحاليل ومترجم بأسبوعية "الأطلس". عمل رئيس تحرير بعدة صحف أسبوعية منها "الراية" و"الوئام".
تحميل المزيد