وُلد يتيماً وعمل في الحلويات الشرقية والمحاماة قبل شهرته.. ماذا تعرف عن “الصالح الخالد”؟

عدد القراءات
990
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/01 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/01 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش

على الجانب الغربي من النيل، في محافظة الجيزة تقع مدينة أبوالنمرس، حيث وُلد الفنان الراحل خالد صالح عشية 23 يناير 1964. لم تكن البدايات سهلة على الإطلاق، ماتت أم خالد، مريضة القلب، وهي تلده لينشأ يتيم الأم. لكنّ أباه لم يطق فراق الزوجة فلحق بها وخالد ما زال طفلاً صغيراً يتفرّس الحياة من حوله، لم تطأ قدمه المدرسة بعد وإن كان قد أخذ العديد من الدروس وهو ابن السادسة فقط.

ومنذ ذلك الحين، تعهد برعاية خالد والاهتمام به "إنسان"، إنسان هو أخوه الأكبر والذي صبّ عليه الحنان والحب صباً. لكن ذلك لم يصنع فارقاً كبيراً في وجه الفقر والألم والمعاناة واليتم والعوز الذي قابلت به الحياة خالداً منذ مستهل رحلته على وجه المستديرة. كدح خالد بين التعليم والعمل، وتنقل من حرفة لأخرى، فتارة خباز، وأخرى بياع، وقد تجده مندوب مبيعات، وربما رأيته في ألف مهنة أخرى طالما تسد حاجته وتساعده في مواجهة أعاصير الحياة. 

بداية الحلم 

تخرج خالد صالح في كلية الحقوق سنة 1987، لكن قبل توديع الكلية، شهد خشبة مسرحها نشأة موهبته الفذة وولادة حلمه. حتى عندما عمل كسائق أجرة التخرج بقي الحلم يسري في عروقه. لكن الحياة دائماً ما تضع شروطها، ليشتغل خالد بالمحاماة قبل أن يطلقها بعد شهر واحد. واتجه بعدها مع أخيه "إنسان" إلى صناعة وتجارة الحلويات الشرقية، وبدآ تجارتهما بـ"كيلو دقيق وكيس سكر وقالب زبدة"، حتى كبر قالب الزبدة إلى مصنع للحلويات الشرقية، وامتلكا 3 شاحنات لتوزيع الإنتاج.

"روح شوف إنت عايز تبقى إيه، بس لو ما حققتش حلمك لازم تتعود تصحى بدري!".

اعتبر خالد تلك الفترة ناجحة، لكنها ليست ما يرضيه وليست النجاح الذي يبحث عنه. لذلك كان دائم التردد على المسارح وقاعات السينما والسهر في أروقتها حتى الصباح، ما أثر على عمله بالسلب لتغيّبه عن المصنع ووصوله المتأخر دوماً، وتفاقم الوضع لخلاف حاد مع أخيه انتهى بانفصاله عن المصنع لعدم التزامه ليحجز مقعده على مقهى العاطلين. وبينما يخبره بقرار فصله من المصنع قال له "إنسان" جملة عبقرية، قال: "روح شوف إنت عايز تبقى إيه، بس لو محققتش حلمك لازم تتعود تصحى بدري!".

سافر بعدها خالد إلى الخليج لتأمين معاش أسرته المكونة من زوجته الدكتورة هالة و3 أولاد، ذهب ليجرّب حظه مثلما فعل أغلبية جيله ولكنه فشل وعاد لمصر بخفي حنين. عاد إلى مصر وعاد حلم التمثيل بإلحاح شديد، فذهب لمعهد الفنون المسرحية وكلَّم المعيد بالمعهد آنذاك وائل خورشيد، وطلب منه أي دور مهما كان صغيراً، فمنحه دور كومبارس صامت في المسرح، وذهب بعدها لمسرح الهناجر بدار الأوبرا بنفس الطلب وحصل على مراد أفضل وهكذا دواليك حتى فتحت له الأبواب سنة 1996 بأول دور كبير له في فيلم "جمال عبدالناصر"، مجسداً دور رئيس جهاز المخابرات "صلاح نصر".

في عز فرحته بأول خطوة في المشوار الطويل تأتيه صدمة من حيث لا يحتسب، يصاب صالح بآلام حادة في قلبه، ليعرف حقيقة مرضه الوراثي في القلب، مثله مثل أمه وأخيه "إنسان"، ورث الداء وعرف أن أيامه في الدنيا معدودة مهما طالت. قلبه العليل لن يقوى على أي أعباء أو مجهود زائد. لكنه لم يستسلم وأخذ علاجاً يضمد جراحه وقرر الخضوع لجراحة تسعفه. في سنة 1998 وبينما كانت مصر تحتفل بالفوز ببطولة أمم إفريقيا، كان يخضع لعملية قلب مفتوح وهو ابن الرابعة والثلاثين.

عاد من العملية ليكمل المسيرة، وفي عام 1999 جسّد دور الشاعر "مأمون الشناوي" في مسلسل أم كلثوم، وكان ذلك الدور جسر التواصل بينه وبين الجمهور، وظهر بعده في مشهد صغير من فيلم "محامي خلع". ليأتي القرار الحاسم، في عام 2000 قرر خالد صالح التفرغ التام للسعي وراء الحلم، وقال: "في خلال سنتين لو محققتش حلمي يبقى لازم أتعود على الصحيان بدري (أي العودة لمصنع الحلويات)". توقف عن التجارة، وواجه العديد من الضغوط في تلك الفترة خاصة مع مسؤولياته والتزاماته العائلية، لكن زوجته كانت خير دعم وسند له، وتحمّلته في فترات صعبة من حياته المهنية، وظل هو يحمل ذلك الجميل في قلبه. فهي الطبيبة المرموقة وهو الممثل العاطل أغلب الأوقات.

لكن يشاء القدر أن يلمع نجم ذي الـ36 بسرعة، ويبرع في أداء الأدوار المعقدة وأدوار الشر والجبروت، وكانت النقلة الكبيرة عندما رشحه الفنان أحمد السقا للمنتج طارق العريان، ليشاركه بطولة فيلم "تيتو"، الذي كان بداية شهرته الحقيقية سنة 2004. وتنهال عليه من بعدها العروض والأفلام الواحد تلو الآخر.

الوجه الآخر للصالح

رغم الشهرة والنجاح، لم ينسَ خالد أصله، فكان داعماً لكل الناس الذين ينتمي إليهم، إذ حباه الله وأحاطه بحب كل مَن عرفه وتعامل معه، كان أيقونة للقبول، كان تجسيداً للمثل:"من حبه ربه حبّب فيه خلقه"، ودائماً لم يكن له إلا قليل النصيب مما في جيبه، يقول صالح: "الفلوس اللي بتجيلنا دي مش بتاعتنا ربنا بيقدرنا نشتغل عشان نجمع فلوس لأننا مجرد بوسطجية بنوصل رسايل".

ولم تكن مساعداته مادية فحسب، بل كانت النصيحة والتوجيه والتعليم أغلى ما يقدمه لسائليه. وكانت أكثر نصيحة يكررها على مسامع حوارييه هي: "اللي خايف نطمنه، اللي زعلان نفرحه، اللي مخنوق نقف جنبه"، وقس على ذلك مواقف حياته.

كانت سعادته في سعادة من حوله، ولأنه تجرّع من كأس الألم، لم يكن يشعر  بالراحة أبداً وغيره يتألم لأي سبب، ولذا كان شديد الحرص، دائم التبرع للجمعيات الخيرية في كل بلد يزوره، وكان يرى أن ذلك أقل واجب عليه.  حتى إنه ترك مهرجان أبوظبي للسينما، ليشارك في حفل مستشفى سرطان الأطفال في السودان.


وفجأة وبدون مقدمات، تخطف منه الحياة "إنسان" سنة 2012، لينقسم ظهره برحيل الأب والأم والأخ، أحسّ باليتم من جديد، ومجبر على الشيب وتحمّل وحشة الحياة دون أخ أو ونيس، وكان من أوائل ما فعل بعد رحيل إنسان إعالة كل المحتاجين الذين كان يعولهم إنسان.

حتى إن هناك واقعة رواها الأستاذ تامر عبدرب النبي، تقول إن خالد صالح ترك أهل بيته أول أيام العيد وراح يدور على مُحتاج اسمه "عبادة"، كان يعوله الراحل إنسان، ونزل خالد يلفّ ويدور في محافظة الجيزة وضواحيها، الرقعة، أبوهريرة، سوق البرسيم، حتى وجده وسط أحواش العربجية وعربيات الكارو والحمير، ولم يتركه إلا ومعه عربة عمل يأكل من رزقها حلالاً طيباً.

النهاية

أنا مبخفش من الموت، رغم إني أكتر واحد عانيت منه.. لكن العمر مش بإيد الإنسان.

الراحل خالد صالح

ذاق صالح الموت في أعز ما له في الدنيا، أم، أب، أخ، غير موته هو نفسه بالبطيء، كل دقة من دقات قلبه كانت الأخيرة بالنسبة له، وأثناء تصويره مسلسل "موعد مع الوحوش" تعرّض لأزمة قلبية حادة نتيجة الإجهاد الشديد، أخبره الأطباء بضرورة خضوعه لعملية قلب مفتوح أخرى لتغيير شريان وصمام في القلب، ودخل مركز مجدي يعقوب لجراحات القلب في أسوان، في سبتمبر سنة 2014، وأجريت له العملية بيد جراح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب نفسه، ولكن الحالة تدهورت، وتوفي خالد صالح فجر الخميس 25 سبتمبر، عن عمر يناهز 50 سنة، وشيع جثمانه فجر الجمعة من مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، وفقدت السينما العربية فناناً عظيماً وعملاقاً جداً، فناناً بدرجة إنسان.

"رحم الله خالد صالح، عاش صالح ومات خالد".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد الكراني
كاتب وروائي وقاص
حاصل على بكالوريوس تجارة عام 2009، ودبلوم إدارة الأعمال، صدرت له رواية "الإمام الهارب" عن دار "اكتب" عام 2018، وكانت في قائمة الأكثر مبيعاً في معرض الكتاب 2019، صدرت له رواية "فارس" عن دار "تشكيل" في معرض الكتاب 2020، وصلت روايته "أبناء الزيتون" -اسم مؤقت- لقائمة مسابقة الطيب صالح للإبداع الكتابي في دورتها العاشرة..
تحميل المزيد